بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على احتلال داعش لثلث مساحة العراق وفرضه نظاماً عنيفاً ومُتزمِّتاً على ملايين العراقيين، أعلن رئيس الوزراء العراقي، السبت 9 ديسمبر/كانون الأول 2017، انتهاء الحرب ضد التنظيم المتطرف، ولكنه كان صريحاً في قوله إن الظروف التي سمحت بنشأة التنظيم لم تختفِ بعد، الأمر الذي قد يورطه في حرب جديدة، ولكن مختلفة هذه المرة.
وقال حيدر العبادي إنَّ المنطقة الصحراوية الوعرة ذات الكثافة السكانية المنخفضة المتاخمة لسوريا قد جرى "تطهيرها" من مقاتلي داعش، وإنَّ الحدود التي يسهل اختراقها، التي ارتكزت عليها خلافة داعش الممتدة في وقتٍ ما بين البلدين قد جرى تأمينها بالكامل.
وأصاف: "لقد تحقَّق الانتصار… عندما اتَّحد العراقيون لمواجهة عدو شنيع لم يرغب في أن نرى مثل هذا اليوم. لقد أرادوا بنا العودة إلى عصور الظلام".
ووصفت صحيفة واشنطن بوست الأميركية في تقرير لها هذا الإعلان بأنه ذروة الحرب، التي قتلت آلاف الجنود العراقيين في معارك ضارية لأجل مدن مثل تكريت والرمادي وبيجي، والأبرز معركة مدينة الموصل الشرسة، التي دامت لمدة تسعة أشهر، انتهت في يوليو/تموز 2017، التي بعدها بدأت قبضة داعش على المدن الأصغر والبلدات تتهاوى بسرعة في أيامٍ، بدلاً من أشهر.
انتشار الفساد
تصريحات العبادي جاءت على هامش حضوره لمؤتمر مع نقابة الصحفيين السبت. وجاء الإعلان الرسمي عن الانتصار على داعش في وقتٍ تحوَّل فيه اهتمام الأمة إلى مواجهة سياسية مع الانفصاليين الأكراد، وحساب الأضرار المادية والاجتماعية الضخمة، التي خلفَّتها حرب الجيش مع المسلحين.
وفي وقتٍ لاحق، وفي خطاب بثَّه التلفزيون الوطني استمرَّ لمدة 10 دقائق، وقف العبادى أمام صفٍّ من الجنود قبالة وزارة الدفاع، وهنأ العراقيين على انتصارهم. وسلَّطَ الضوء على الوحدة الوطنية، باعتبارها المُحرِّك الذي دفع الحرب ضد داعش، وحثَّ العراقيين على "رفع رؤوسهم".
وقال العبادي إنَّ الحرب المقبلة ستكون ضد الفساد المتفشي، معتبراً إياها امتداداً طبيعياً للحرب لإعادة موارد العراق إلي يد مواطني البلاد.
ورغم التخطيط لعروض عسكرية كبيرة للاحتفال بالانتصار في الأسابيع المقبلة، لم يلق إعلان العبادي إلا ابتهاجاً شعبياً محدوداً، ما يعكس مزاجاً بأنّ البلاد لا تزال تعاني من خسائرها.
وقد اعترف البنتاغون بأن ما لا يقل عن 801 مدني قد قتلوا عن طريق الخطأ في الضربات الجوية، التي تقودها الولايات المتحدة ضد أهداف داعش في العراق وسوريا. وقالت "إيروارز"، وهي مجموعة مراقبة مستقلة، إن هذا الرقم يُرجَّح أنه أعلى بكثير، وقد يبلغ مجموعه 5961 منذ عام 2014.
في الأسبوع الماضي، قال مسؤول عراقي يُدير صندوق لإعادة بناء مدن مثل الموصل، إنَّ إعادة إعمار هذه المدن سيُكلف نحو 150 مليار دولار، وتقع معظم هذه المدن في قلب العراق السنّي. ولا يزال هناك نحو 3 ملايين نازح حتى يومنا هذا.
وبالإضافة إلى ما سبق، يستمر احتجاز 20 ألف شخص متهم بالانضمام إلى تنظيم داعش، وذلك من خلال نظام العدالة الجنائي المُثقل، الذي وصفته منظمة هيومن رايتس ووتش، الأسبوع الماضي، بأنَّه غير قادر أو غير راغب في تقديم محاكمات عادلة، والتمييز ما بين الذين قتلوا لأجل التنظيم، وأولئك الذين أُكرهوا على أدوار أقل شأناً مثل الطهاة.
وتستعد القوات العراقية لما يستمر في الوجود من تنظيم داعش، ولكن في صورة متمردين سرِّيين يعودون إلى تكتيكاته الهجمات الإرهابية التقليدية. وقبل ساعات من حديث العبادي، انفجرت سيارة مُفخَّخَة في تكريت، وقتلت شخصاً واحداً على الأقل.
سطوة الميليشيات
وتلفت واشنطن بوست إلى أن العبادي، الذي يحظى باستحسانٍ في العراق لسعيه للإدماج وجهوده التي يبذلها لعكس ما يقرب من عشر سنوات من سياسات سابقيه الطائفية المُحبذة للشيعة، أصرَّ على أن الظروف التي أدت إلى صعود داعش ستعود مرة أخرى إذا لم يكن هناك تحرك حقيقي على الصعيد الوطني نحو المصالحة.
وسيجري اختبار الاستعداد لمثل هذه المصالحة مع بدء الحملات الانتخابية الوطنية المُقرَّر إجراؤها، في مايو/أيار 2018. ومن المُتوقَّع أن تدفع الميليشيات الشيعية القوية، التي لعبت دوراً هاماً في تحرير الأراضي السنية التي احتلتها داعش، بعشرات المرشحين الذين ينحاز بعضهم بشكل كبير لإيران، ويتبنون رؤيةً طائفية حادة تربط ما بين صعود داعش ودعمٍ واسع النطاق من جانب سُنّة العراق.
وضع السلاح
وقد أصرَّ العبادي على أن من يرغب في خوض الانتخابات من الميليشيات عليه وضع سلاحه جانباً، وهو مطلب يرى الكثير من العراقيين أن من المستحيل تطبيقه، نظراً إلى مدى الانخراط العميق للميليشيات في الأجهزة الأمنية العراقية.
ويُذكر أن منظمة بدر، التي تُعد من أقدم وأكبر الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران في العراق، تُسيطر بالفعل على وزارة الداخلية، وتمتلك 22 مقعداً في البرلمان.
وفي كلمته السبت، ألمح العبادي إلى هذا التحدي الذي يلوح في الأفق قائلاً: "إن السبيل الوحيد لبناء دولة وتحقيق العدل والاستقرار هو خضوع السلاح لسيطرة الدولة وسيادة القانون".