عندما يريد معاذ العلوي أن ينسى مركز الاعتقال الأميركي في خليج غوانتانامو بكوبا، حيث يُحتَجَز بلا تهمة منذ 16 عاماً تقريباً، يتجه لبناء نماذج سُفن.
وقال معاذ لمحاميه أثناء زيارةٍ حديثة وفق تقرير لصحيفة الغارديان: "تُعبِّر السفينة عن الإنقاذ. وكان النبي نوح قادراً على إنقاذ الناس والحيوانات على الأرض عن طريق سفينة. هذا هو السبب وراء حبي لبناء السفن".
وتُعرَض حالياً إحدى سُفنه، والتي يُطلق عليها اسم "Giant" أو "العملاق"، والتي صُنِع هيكلها من الورق المُقوَّى وصُنِعت حبال الأشرعة من أنسجة القمصان، في معرضٍ للأعمال الفنية للمعتقلين الحاليين والسابقين في مدينة نيويورك الأميركية.
صادروا سفينةً أخرى
إلا أنَّ مسؤولي معتقل غوانتانامو وفق صحيفة الغارديان صادروا سفينةً أخرى كان قد انتهى معاذ منها مؤخراً، رداً على المعرض، وذلك وفقاً لما قاله مُحاميه بيث جاكوب. وما زال مصيرها غير واضح.
وبعد افتتاح المعرض في كلية جون جاي الأميركية للعدالة الجنائية في أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنَّها لن تمنع الأعمال الفنية من مغادرة غوانتانامو وحسب، بل ستصادر أيضاً أعمال السجناء الفنية، وقد تُتلِفها.
وقال الرائد بن ساكريسون، المتحدث باسم البنتاغون، لصحيفة الغارديان البريطانية عبر البريد الإلكتروني، إنَّه بعد اكتشاف أنَّ بعض الأعمال الفنية للمُعتقلين قد بيعت، منع"البنتاغون عملياً نقل الأعمال الفنية التي ينتجها المعتقلون من منشأة الاحتجاز".
ويقول محامو بعض السجناء الـ41 المتبقين في غوانتانامو إنَّ إدارة المعتقل صادرت منذ بدء المعرض أعمالاً فنية جرى الانتهاء منها من المُعتقلين، وإنَّ مسؤولي المُعسكر لم يسمحوا بخروج الأعمال الفنية من المنشأة، وهو الأمر الذي كان مسموحاً به من قبل.
وقال جايكوب حسب الغارديان المحامي الذي لديه 4 موكلين في معتقل غوانتانامو، إنَّ ذلك الأمر تسبَّب في إثارة "الحزن والقلق" بين المعتقلين، الذين يظهر على بعضهم "الضغوط الجسدية والنفسية الناجمة عن هذه السياسة الجديدة التي هي قيد التطوير".
انتزاع أعمالك الفنية منك يُشبه أخذ أطفالك
ويقول المعتقل السابق منصور عضايفي: "في السجن، تكون مرتبطاً بشكلٍ وثيقٍ للغاية بأغراضك الخاصة، لدرجة أنَّ انتزاع أعمالك الفنية منك يُشبه أخذ أطفالك بعيداً عنك".
وقال ساكريسون إنَّ المعتقلين قد يواصلون حضور دروس فنية إسبوعية، لكنَّهم لا يمكنهم الاحتفاظ سوى بعددٍ محدودٍ من الأعمال الفنية، والتي ستكون كلها من ممتلكات تابعة للحكومة الأميركية.
ولم يوضح ساكريسون بالتفصيل ما سيحدث للأعمال الفنية المُصادرة، لكنَّ صحيفة "ميامي هيرالد" الأميركية ذكرت أنَّه قد يجري تجميع وأرشفة الأعمال الفنية بدلاً من حرقها.
ويقول جايكوب إنَّه لا يزال من غير الواضح ما المقصود بـ"الأرشفة"، وما إذا كانت تلك الأعمال الفنية سترى النور ثانيةً، وأضاف أنَّ "إخفاء الأعمال الفنية هو شكلٌ من أشكال الرقابة، ولم ينقض وقتٌ طويل منذ حُذِف من مضمون البيان الأصلي الإشارة إلى أنَّها قد تُتلَف".
يضيف تقرير الغاريان: كان برنامج الفن في غوانتانامو قد بدأ في السنوات الأخيرة من رئاسة جورج دبليو بوش، ثم طوَّرته إدارة المعتقل. وكانت هذه الأعمال الفنية تُقدَّم للمحامين كهدايا، بعد أن تُفحَص بدقة بحثاً عن أية رسائل سرية.
ويتذكَّر عضايفي، الذي أُطلِق سراحه في يوليو/تموز من عام 2016 بعدما قضى 15 عاماً في مُعتقل غوانتانامو دون توجيه أي تهمة إليه، أنَّ الحراس كانوا يتجولون في مجمَّع الزنازين وهم ينظرون بإعجابٍ إلى الطريقة التي زُيِّنَت بها.
جعل بعض المُعتقلين زنازينهم جميلة
وقال عضايفي: "جعل بعض المُعتقلين زنازينهم جميلة. فصنعوا أشجاراً من الورق المقوى. وكان بإمكان أحد المعتقلين أن يصنع أشياء جميلة شديدة الإبداع باستخدام الورق المقوى والغراء، تخيل! إذ لم يكن لدينا حتى مقصات!".
لكنَّه قال إنَّ السياسات كانت تتغير بشكلٍ مُنتظم. وقد ذكَّره آخر تلك التغييرات بإحدى المرات في عام 2013 عندما اقتحم الحراس المُعسكر وصادروا الأعمال الفنية ومتعلقاتٍ أخرى، من بينها صور عائلية ومئات الصفحات المكتوبة بخط اليد من مخطوطة كان يعمل عليها. ولم يستعدها قط.
وأضاف: "كانوا يستهدفون أعمالنا الفنية ويتلفونها أمام أعيننا. وتلك الأعمال الفنية قيمة بالنسبةِ لنا لأنَّها لا تصلنا بالعالم الخارجي فحسب، بل وتذكِّرك بمن أنت أيضاً. كانت المعاملة هناك تهدف لطمس عقلك وروحك".