أثار قرار الجامعة العربية تجاه حزب الله اللبناني موجةً كبيرةً من المواقف التي توزعت على أكثر من محور، كل يحللها ويقف مقابلها بما يتناسب مع سياسته ومصالحه، لكن اللافت في الأمر هو موقف حركة حماس الذي كان صدمة غير متوقعة للكثيرين خاصة بعد سباتها الطويل تجاه هذه القضية والذي بدأت تستيقظ منه مؤخراً؛ لذا سنستعرض وإياكم عدداً من النقاط التي ستقودنا في نهاية المطاف لقراءة موقف حماس لهذا المحور.
هل حزب الله تنظيم إرهابي؟
قد يختلف كثيرون ويتفق آخرون على هذا المصطلح، فهذه الصورة تقسم قارئيها إلى ثلاثة أطراف: الأول يؤيدها ويعتبرها قراراً محقاً بحق الحزب الذي خاض في الدم السوري وجبهات غيرها لفهمه الخاص الذي يعتبر فيه أن وجوده على تلك الجبهات هو لحماية خط إمداده، أما الشق الثاني فيرفض قطعياً صفة الاتهام بالإرهاب لإيمانه بالمفهوم الذي ينطلق الحزب منه تجاه كل ما سبق، إلا أن القارئ الثالث يتفق مع هذا في جانب ويختلف مع ذاك في غيره؛ إذ يفضل أن لا يتم خلط القتال في سوريا مع القتال ضد العدو الإسرائيلي على طاولة واحدة.
"اليوم هم أمام فوهة المدفع وغداً يأتي الدور علينا"
مع رفض حركة حماس لبيان جامعة الدول العربية الذي اتهم حزب الله بالإرهاب بدأت سهام التنظير تصوّب مجراها تجاهها، فمنظور حماس تجاه هذه القضية هو أنه لو رضيت اليوم بهذا القرار الذي يدين طرفاً إحدى جبهاته التي يقاتل عليها هي مقاومة الاحتلال الإسرائيلي دون أن تُحصر تهمة الإرهاب بالقتال في سوريا، فإن الدور غداً سيأتي عليها وعلى سائر حركات المقاومة معها، فلهذه التهمة ولحماس ماضٍ مشترك إذ تم اتهامها مسبقاً من قِبَل عدد من الأنظمة العربية بالإرهاب وهي لم توجّه بندقيتها إلا صوب محتل أرضها.
القريب قبل البعيد
ما لبثت حماس أن كشفت عن بيانها حتى أمسك الجلادون سياطهم، فهناك من يجلدها بتهمة التبعية للمشروع الإيراني في المنطقة والرضوخ له، وغيره يعتبرها مؤيدة للنظام السوري ولأفعاله، وآخر يزاود على بيعها لدم الفلسطينيين في مخيمات سوريا.
هجمة تشن في ظل وجود انتقاد بين صفوف المناصرين لحماس قبل غيرهم للنهج السياسي الذي تتبعه الحركة في دورتها الرئاسية الجديدة بعلاقاتها الإقليمية وعلى وجه الخصوص إيران وحزب الله، فهؤلاء المنتقدون يمثلون القارئ الأول الذي تحدثنا عنه والذي يعتبر الحزب إرهابياً ودخوله في سوريا يمحو ماضيه في جنوب لبنان، لكن لحماس قراءة أخرى لهذه النقطة.
"علاقتنا مع أي طرف كانت مرتبطة بمقاومة الاحتلال فقط"
هذا ما صرح به نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، موقف يختصر به الكثير من المسافات ويوضح رؤية حماس لنهجها المعتمد حالياً.
فلنرجع معاً بالذاكرة إلى بدايات الأزمة السورية، النظام السوري طلب من حماس تأييده علنيا والوقوف إلى جانبه، وجميعنا نذكر خطاب الرئيس السابق للمكتب السياسي للحركة خالد مشعل حينها والذي قال: "إن حماس لا تنكر احتضان النظام السوري لها على مدى اثني عشر عاماً تلت ولكن في الوقت ذاته لا يمكنها أن تنسى وقوف الشعب السوري إلى جانبها".
بضع كلمات كانت كفيلة بقطع العلاقات مع النظام السوري وتوترها مع إيران وحزب الله، الأمر الذي سببّ لها ضربة في الدعم المالي والعسكري بناء على هذا الموقف.
وطوال فترة القطيعة تلك لم تكن دول المحور السني إلا جلاداً جديداً لحماس على الرغم من خروجها من سوريا وتحديد علاقتها بإيران.
اليوم وبعد مرور سنوات على الأزمة السورية التي لم يعد هناك أفق واضح لنهايتها، ومع يقين إيران لأهمية حماس التي لم ترتضِ أن ترتهن تحت أي ظرف كان، وفي الوقت ذاته إدراك حماس بأن إيران هي الداعم الأهم لمقاومتها في ظل التخاذل العربي تجاهها، فعملية إنعاش العلاقات تبلورت على أساس التقاطع في خط مقاومة الاحتلال دون التدخل في أي جبهة أخرى أو دون السعي لإجبار الآخر على الانخراط فيها.
الثبات على المبدأ والإقرار بصوابيته
كل ما سبق يؤكد أن حماس لم تغير موقفها في القضية السورية ولم تبِع نفسها لأجل الدعم العسكري، فموقفها من النظام ما زال على حاله، وعلاقاتها معه قائمة على تقطع أوصالها، فلا يمكن إذاً لأي شخص أن يرمي هذا الاتهام على حماس بإعادة بناء جسورها مع إيران وحزب الله على حساب ثوابتها، فيمكننا إذاً تلخيص التحالف الجديد المعتمد لديها بالتوافق على خط المقاومة فقط، وليس على المحور ككل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.