نعم هي النصف، نصف احتمال الحادث رياضياً لفضاء عيني متكون من (نعم أم لا)، وتتخذ حياتياً أشكالاً كثيرة تندرج تحت ما يسمى بالإيجاب أم الرفض، صح أم خطأ، وغيرها إلى أن تصل إلى أكثر أشكالها صراحةً "مع أم ضد"، فهذان الاحتمالان يجزمان بالانقسام إلى جماعتين؛ إحداهما تدعم والأخرى تكتفي بالرفض دون أخذ أي عين اعتبار لنظرية أينشتاين النسبية، فربما نعمي نعم بنسبة لك وربما لا، والحقيقة أن تدرجات الألوان لهذين اللونين غير معترف بها فإما الناصع أم الكالح.
فدعنا ننطلق منك ومني، كم من موقف، رأي، فكرة أعلنت الحرب عليها بـ"لا" دون الرجوع إلى مصادرها أو حتى قراءتها في نفسك لمجرد التمرد والعصيان وكمؤشر على رفض تبعية الآخرين والانقياد لحكمهم، أو اعتماداً على مفاهيم العمر أو الجنس أو المنزلة الاجتماعية، فحينما تنشأ في بيئة العصيان يكون لديك رأي آخر للعاصي في نظرك، فتتدرج الأفكار من الانقياد إلى الرفض الدائم بالسير عكس التيار إلى التوسط بمعنى أن يكون لك رأي يبنى على ما تربى فيك من قناعات ومبادئ وآداب ومراجع دون الحكم بالإعدام على الرأي الآخر.
ومن أكثر الأحداث التي أكدت لي ذلك هو كتاب السر ومشاهدتي في نفس الفترة فيلم "Yes Man"؛ حيث بدت نعم كلمتي السحرية التي تخفي خلف بطانتها الفرصة الذهبية، فالنظر لكل ما يحيط بنا من أحداث على أنه فرصة سيعالج كبرياءك لقول رأيك الخاص الذي غالباً ما يكون الرفض، وسيرمي بك بنهر "العاصي الجديد" فقول نعم لا يمسيك ضعيفاً ولا يصبحك تابعاً، وإنما يجعل منك الشخص الذي يبدي الرفض إذا تطلب الأمر ذلك.
ماذا لو ابتسامة نعم لطفل أراد اللعب تحت أشعة شمس ساطعة، بدلاً من الجدران الأربعة التي فتح عينيه مسجوناً فيها؟ ماذا لو سمعنا رأي مراهق حكمنا عليه بعدم التدخل في شؤون الكبار؟ ماذا لو سمعنا أقاويل جدتي بشغف بدلاً من النظر إلى كلماتها كشيءٍ متعفن عفا عليه الزمن؟ ماذا لو بنعم بهزة رأس من أطفال جيراننا لنداء أحمد المقعد للعب في ساحة القرية؟ ماذا لو ناداني ممنوع مرغوب في نفسي وأطلعني على أسباب منعه واقتنعت؟ ماذا لو لم يرَني أخي وأبي على أني مجرد صلة رحم تستطيع فعل ما هما قادران على فعله بنفس الكفاءة والجودة؟
ماذا لو بنعم "انتي بتكفي" دون النظر لي دائماً على أني النصف؟ ماذا لو خرجت تلك الـ"نعم" من نفسي وبدا الكمال فيها ظلي وليس ظله؟ ماذا لو منحنا الشباب فرصة دون القول "آخ على جيل اليوم" فقد جمدنا الزمن في تلك الجملة، والزمن بدوره جَمَد تكاثر البشرية، ورغم ذلك لا يزال الحراك البشريّ كالسر المدفون خوفاً من تلك الجملة؟
ولا تنتهي أسئلتي، ولكن تنتهي أجوبتي بكلمة واحدة "Why not"، "لمَ لا"، "نعم"، "أجل"، "بلى".
لذلك قُل لي نعم وكأنني أقول لك "امنحني فرصة وسترى"؛ لأن فطرتي وفطرتك بدأت بـ"نعم".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.