اللغة العربية: ماذا فعل أهلها بها ولها؟.. التحديات التي تواجه اللغة العربية

فقد أصبح تعليم اللغة العربية جزءاً من متطلبات التخرج في كل جامعات العالم وفي أضعف الحالات متطلباً اختيارياً. بالإضافة إلى إقبال المسلمين من غير العرب على تعلم العربية لفهم القرآن بشكل أعمق والإحساس بجماليته على أسس العلم والفهم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/02 الساعة 03:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/02 الساعة 03:34 بتوقيت غرينتش

لغة الضاد، تلك اللغة التي تنطق حباً ومنطقاً وعلماً، اللغة التي اختارها الله لتكون لغة خاتم الكتب السماوية.

اللغة وصفها العقاد بأنها أداة عالمية من أدوات المنطق الإنساني، وقال فيها سيدنا عمر بن الخطاب: "تعلموا العربية فإنها تنبت العقل وتزيد في المروءة".

هذه اللغة التي تتميز بغزارة الكلمات وتنوع مخارجها واتساعها، بالإضافة إلى معجزة الاشتقاق فيها لتوليد مصطلحات جديدة وميزان أفعال قادر على خلق معنى ووصف حالة مهما كانت بكل دقة ولغوية رفيعة، لغة أثرت على كثير من لغات العالم كالإسبانية والفارسية والهندية وغيرها.

هذه اللغة التي لا يمكن حصر مميزاتها وعظمتها ببضعة سطور لماذا تواجه ما تواجه من تجاهل واستبعاد من أبناء جلدتها؟ لا بد من وجود أسباب، فلكل نتيجة هناك سبب مسبب لها، لماذا تشكل عبئاً على طلاب المدارس والجامعات في أغلب الأحيان مثلاً؟ ولماذا توصف بالجمود والتأخر على الرغم من أنها في الواقع ومن ناحية علمية لغوية عكس ذلك تماماً؟

سأحاول في السطور القادمة أن أسرد أسباب هذه المشكلة والتحديات التي تواجه اللغة العربية في الوقت الراهن:

أولاً: تأثير الأسرة

تقوم بعض الأسر العربية بلا وعي باستخدام لغة غير اللغة العربية داخل البيت؛ حيث تغذي عند الطفل إدراك أن لغة التواصل ولغة التعبير عن الفرح والغضب هي لغة غير اللغة العربية، أي يعتاد الطفل على التعبير عن نفسه من خلال لغة ليست لغته الأم أصلاً، وتصبح اللغة التي تربطه عاطفياً بعائلته حتى هي لغة أخرى غير اللغة العربية، المشكلة ليست في تعلم لغة أجنبية في المدرسة أو الجامعة، بل المشكلة في إقحامها داخل البيت وفي العلاقة بين الأبناء ووالديهم، مما يؤدي إلى التقليل من قيمة اللغة العربية منذ تلك اللحظات.

ثانياً: المدارس والمناهج الدراسية

حيث تركز مناهج تعليم اللغة العربية في الوطن العربي على إشعار الطالب "بالعجز" للأسف، وكأن اللغة في مبدئهم هذا وجدت للتعقيد لا للتواصل والتعبير عن الذات بالشكل الصحيح.

بالإضافة إلى التركيز على الدراسة الجامدة دون التطرق للفنون العربية ودمجها خلال خطط التدريس كالخط العربي الأنيق والموسيقى العربية والشعر الغنائي ومقاطع النثر الطريفة والبليغة البعيدة عن التعقيد.

هذا وأضف إلى ذلك تركيز وزارات التعليم في غالبية الدول العربية على أعمال الأستاذ الورقية دون التركيز على روح الأستاذ داخل الفصل وعلاقته مع طلابه وحسن تواصله معهم.

إن بناء علاقة مودة واحترام وفهم مع الطالب تزيد من حب الطالب للمادة وتقبلها، وانشغال الأستاذ بإرضاء ما تطلبه منه الوزارة ينسيه ذلك فلا يصبح من أولوياته للأسف.

إنه لمن الضروري أيضاً إدخال فكرة "اللغة العملية" لمزاولة اللغة كيف؟ بتفعيل استخدام الطلاب للغة من خلال النقاشات والمناظرات والتقديمات والمسرحيات، بالإضافة إلى التعبير عن النفس باستخدامها شفاهة وكتابة، فالتعبير عن النفس من خلال كل هذا بدلاً من التركيز على نظريات اللغة يُخرج لنا جيلاً يتكلم بلغة صحيحة ويكتب بلغة صحيحة متألقة.

في التعليم علينا التركيز على اللغة نفسها على أنها أداة تواصلية بحتة بدلاً من التركيز على نظرياتها وتناسي دورها الحقيقي.

ثالثاً: لغة الترفيه

إن للغة الترفيه مثل أفلام الكارتون ذات التقنية العالية للأطفال والأفلام والمسلسلات التاريخية أو حتى الروايات العربية المصورة الأثر الكبير في تعزيز اللغة في وجدان المشاهد، أو إعادة إحياء شخصيات من تراث الأدب العربي بطرق فنية حديثة بعيدة عن التعقيد، يمكن أن يعزز استخدام هذه اللغة وحبها.

ولدينا الكثير من الأمثلة كقصص الجاحظ وكليلة ودمنة وألف ليلة وليلة وابن بطوطة وعلاء الدين والسندباد والكثير والكثير من الروائع العربية التي تم استخدامها وتصويرها وإعادة إحياء شخصيات من تاريخنا وتطويعها لصناعة الأفلام العالمية؛ كونها مادة أدبية إنسانية ثرية فعلاً.

أقصد من كل هذا أن علينا أن نحقق فكرة أن "لغتنا ممتعة"، وليست جامدة.

إذا استمر الحال على ما هو عليه ولم يكن هناك مبادرات توعوية اجتماعية وحكومية لرعاية اللغة العربية فسيكون مستقبل اللغة العربية خارج الوطن العربي، فقد تنبه الكثير من الناطقين بغيرها لجمال هذه اللغة وقوتها وقدرتها الكبيرة على سحر التأثير.

فقد أصبح تعليم اللغة العربية جزءاً من متطلبات التخرج في كل جامعات العالم وفي أضعف الحالات متطلباً اختيارياً. بالإضافة إلى إقبال المسلمين من غير العرب على تعلم العربية لفهم القرآن بشكل أعمق والإحساس بجماليته على أسس العلم والفهم.

على أية حال أتمنى لهذه اللغة أن تزهر، سواء داخل الوطن العربي أو خارجه حول العالم، فهي لغة تستحق ولغة تساعد وتخدم وتبني وتؤثر.

كما أتمنى أن يقدر أهلها قيمتها قبل أن تسرق منهم ثم يصبحون بلا هوية وبلا قيمة.

لغتي العربية هويتي أحبك وأفتخر أنني تخصصت بدراستك وتدريسك رغم كل المنغّصات التي حولك، فإنك أنيقة جميلة فاتنة قوية وتشعين جمالاً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد