كلمة: هي الأيقونة على الإطلاق

لكن فجأةً.. وأنا في غمرةِ هذا البحث وهذه الخواطر، سمعتُ كلمةً ذاتَ كلمات، كلمة ذات عبارات، وصلتْ إلى أذني تدقُّ باب طبْلتها وكأنها جاءتْ لتفرِضَ كينونتها وتَجُبَّ ما قبلها، أي تَجُبَّ ما توصلتُ إليه وما ذكرتهُ أعلاه، وبالفعل دون مقدّمات وباليقين دون فلسفة، هي أروع كلمة وأبدع عبارة على الإطلاق يمكن أنْ تسمعها من بشر.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/30 الساعة 05:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/30 الساعة 05:15 بتوقيت غرينتش

استجمعتُ بعْضاً من قدراتي العقليّة وأنا أحاول القيام ببحثٍ صادق أو جرْدٍ موضوعي لأروع كلمةٍ التقَطتْها أذني، أو أرْوع عبارةٍ وقعتْ عليها عيني من خلال أهمّ محطّة من محطات حياتي.. كلمة أو عبارة كان لها الأثر الكبير والوقْعَ المُثير مِن حيث قلبتْ وجداني رأساً على عقب.. فإذا بي أرصدُ تلك الكلمة الفطريّة لولدي وهو يناديني لأول مرّة قائلاً: (بابا.. بابا)؛ حيث يحسّ كل أب ويشعر كل والد وهو يسمع هذه الكلمة مكرّرةً لأول مرّة في حياته أنّ هناك سرّاً جديداً بدأ يهيمن غريزيّاً على العقل والقلب معاً، ولمْ يكن هذا السّر -مَجازياً- سوى استفاقة فلذة الكبد فجأةً على – قدّيس صغير – إذ بمناداته عليك يُنسيكَ في الحال ولو مؤقتاً همومَ الدنيا وضغوطَ الحياة، بل وبمناداته عليك (بابا.. بابا) يمنحكَ رسمياً هويّة الأب أو الوالد، كما يشْعركَ بالمسؤوليّة نحوه وُجوديّاً، أيْ يشْعركَ – بمعنى من المعاني – بتلك المسؤوليّة الأدبية والماديّة كلتيهما معاً.

لكن فجأةً.. وأنا في غمرةِ هذا البحث وهذه الخواطر، سمعتُ كلمةً ذاتَ كلمات، كلمة ذات عبارات، وصلتْ إلى أذني تدقُّ باب طبْلتها وكأنها جاءتْ لتفرِضَ كينونتها وتَجُبَّ ما قبلها، أي تَجُبَّ ما توصلتُ إليه وما ذكرتهُ أعلاه، وبالفعل دون مقدّمات وباليقين دون فلسفة، هي أروع كلمة وأبدع عبارة على الإطلاق يمكن أنْ تسمعها من بشر.

وباختصار إنها كلمة الأذان! مضى أربعة عشر قرناً ولم تصمتْ أو تنقرض، حيث تغيّرتِ الأحوال والأجيال وهي لم تتغيّر، تبدلّتِ النُّظُم والدّول وهي كما هي لم تتبدّل، تفرّدتْ بالكمال وتبجّلتْ بالجلال، (سيمفونيّة ربانيّة) تختزل كل معاني العبودية الخالصة والربوبية المطلقة، تُنطقُ خمس مرات في اليوم؛ لتؤكّد على وجود واجبِ الوجود.

وكلُّ مَنْ تمعّنَ جيدّاً في مدلولها واستوعبَ حقيقةَ مضمونها أدركَ بسهولة معنى المراد من تواجده في هذه الحياة، وأدركَ تبعات الدّور المنوطِ به تكليفاً واستخلافاً في الأرض، كلمة الأذان ذاتُ (خمس عشرة) عبارة، تجعلك أمام بنيانٍ مرصوص جليٍّ منظوم، أمام تشهّدٍ وإشهادٍ مُرتّبٍ مفهوم، فالله هو الأكبر الكبير، ولوحده يُشار له بالتوحيد، ولأجل هذا التّوحيد بعث بآخر المرسلين، ولأجل ترجمة هذا المعنى الدّقيق كانت الصلاة هي المبنى، و هي الطّريق العملي، والسبيل الفعلي لإعلان العبد عن تجاوبه مع نداء المعبود؛ لذلك كان النبي (صلى الله عليه وسلم) حكمةً و بلاغةً يقول: (أرحْنا بها يا بلال)، وليس كما هو اليوم، وكأنّ لسان حالنا يقول: أرحْنا منها يا إمام، فمع الأسف الشّديد، كثيرون مع الله بأجسادهم قليلون معه بقلوبهم، تُرى ما هو السبب؟ وأين الخلل؟ ببساطة شديدة وقفْنا عند كلمة التوحيد شكلاً دون أن نتركها – وهي تلامس آذاننا – الدخول إلى قلوبنا، وإلى حين أن نغيِّرَ ما بأنفسنا ستبقى هذه الكلمة العظيمة تُذكّرنا خمس مرّات في اليوم، تعلو المآذن وتهلّل في جميع الأقطار والأصقاع شمالاً وجنوباً، شرْقاً وغرباً.

خلاصة القول: (الله أكبر الله أكبر) هي الأروع وليستْ (بابا.. بابا).. فمعذرةً يا ولدي.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد