قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس، الأربعاء 29 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد مكالمةٍ هاتفية مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، إنَّ عقوباتٍ جديدة كبيرة ستُفرَض على كوريا الشمالية، وذلك مع تصاعد التوتُّرات بعد التجربة الأخيرة التي أجراها نظام كوريا الشمالية على صاروخٍ باليستي عابر للقارات.
وفي حين لم يُحدِّد ترامب ما إن كانت العقوبات الجديدة ستُفرَض من جانب الولايات المتحدة أم الصين، فإنَّ الحكومة الصينية تمتلك تأثيراً اقتصادياً أكبر بكثير على الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وذلك باعتبار بكين الشريك التجاري الأكبر لبلاده.
ووفق ما ذكرت وكالة بلومبرغ الأميركية، وقال ترامب في إحدى تغريداته: "تحدثتُ للتو مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، بخصوص الأعمال الاستفزازية لكوريا الشمالية. وستُفرَض عقوبات كبيرة على كوريا الشمالية اليوم. سيجري التعامل مع هذا الوضع!".
ولم يرد المتحدثون باسم البيت الأبيض على طلبات توضيح تغريدة ترامب في الحال. لكنَّ وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون صرَّح للصحفيين في وزارة الخارجية قائلاً: "لدينا قائمة طويلة من العقوبات الإضافية الممكنة، بعضها يتضمَّن المزيد من المؤسسات الاقتصادية. وستعلن وزارة الخزانة ذلك حين تكون مستعدة لطرح تلك العقوبات".
وقف السفن
وقالت هيذر نويرت، المتحدثة باسم وزارة الخارجية، إنَّ حظر السفن في أعالي البحار "قد يُمثِّل نقطة ضغط كبيرة جديدة". وكان تشديد عمليات تفتيش السفن المشمولة بالعقوبات جزءاً من مشروع قرار جرى تعميمه بين البلدان الأعضاء في مجلس الأمن الدولي في وقتٍ سابق من هذا العام، لكن جرى التخلِّي عن هذا البند في نهاية المطاف.
وأضافت نويرت أنَّ هدف الولايات المتحدة هو "إقناع النظام بأنَّه بحاجةٍ لإعادة النظر في مساره الحالي، والتفكير حيال الانخراط في حوارٍ جاد بشأن مستقبلٍ مختلف".
وكانت بيونغ يانغ قد أطلقت تجربةً لصاروخٍ باليستي عابر للقارات في وقتٍ مبكر من الأربعاء، 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، هي الثالثة هذا العام، وأعلن النظام أنَّه بات بمقدوره الآن ضرب كامل الولايات المتحدة بالسلاح النووي.
وأكَّد ذلك محدودية خيارات ترامب في الوقت الذي يقترب فيه كيم من تحقيق طموحه بأن تصبح بلاده قوة نووية قادرة على ضرب أهداف عالمية، وهي النتيجة التي تعهَّد ترامب بمنعها.
ولم يكن للعقوبات على كوريا الشمالية سوى تأثير محدود على اقتصاد النظام. ولم تكن هناك محادثات نووية مباشرة حول أسلحتها النووية منذ سنوات. ويُعَد توجيه ضربة عسكرية لها خياراً غير مستساغٍ من قِبل بعض أكبر اقتصادات آسيا، وذلك بالنظر إلى مخاطر الدمار واسع النطاق الذي قد تشهده المنطقة جرَّاء تفجُّر صراعٍ شامل.
خيارات صعبة
وفي حين يُشكِّك الخبراء في بعض ادعاءات كيم، فإنَّهم يتفقون على أنَّه يقترب أكثر فأكثر من امتلاك قوة ردعٍ نووية حقيقية. وبالنسبة لترامب، الذي تعهَّد مُجدَّداً بـ"الاهتمام" بكوريا الشمالية، يعني ذلك بعض الخيارات الصعبة في المستقبل.
قال البيت الأبيض في بيانٍ عقب المكالمة الهاتفية مع الرئيس الصيني شي إنَّ ترامب "أكَّد على الحاجة إلى استخدام الصين كل أوراق الضغط المتاحة أمامها لإقناع كوريا الشمالية بإنهاء أعمالها الاستفزازية والعودة إلى مسار نزع السلاح النووي".
لكنَّ كريستوفر غرين، المستشار البارز في مجموعة الأزمات الدولية والذي ألَّف كتاباً عن سياسات كوريا الشمالية، يقول إنَّ التجربة الباليستية الأخيرة "تترك ترامب يتحدث عن مناورة جيدة بخياراتٍ قليلة متاحة. فلا يتعين على أي إدارة أميركية أن تقبل رسمياً بوجود كوريا شمالية نووية، لكنَّ السياسة تحتاج لتغيير كي تعكس الواقع الموجود على الأرض".
ويختلف المراقبون لكوريا الشمالية على متى يمكن أن يُشكِّل النظام الكوري تهديداً حقيقياً للولايات المتحدة، وتتراوح بعض التقديرات من أشهر إلى سنوات. وتبقى هناك شكوك بشأن قدرتها على الوصول لسلاحٍ نووي صغير مناسب لوضعه على رأسٍ حربي يركَّب على صاروخ، وضمان نجاحه في الدخول من جديد للغلاف الجوي للأرض سالماً، وإصابة المواقع المُحدَّدة.
وكرَّر رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي أنَّ أيَّاً من القوى الكبرى -بما في ذلك الصين وروسيا- لم تقل إنَّها ستعترف بكوريا الشمالية كدولة نووية. لكن منذ تجربة كوريا الشمالية النووية الأولى في 2006، أخفقت الجولات المتكررة للعقوبات في إبطاء اندفاع النظام نحو الأسلحة التي يقول إنَّه يحتاج إليها لردع غزوٍ أميركي.
وسيجتمع مجلس الأمن الدولي الأربعاء المقبل، 6 ديسمبر/كانون الأول، وذلك بعدما مرَّر في وقتٍ سابق من هذا العام مجموعتين من العقوبات التي تحظر نحو 90% من صادرات كوريا الشمالية، بما في ذلك الفحم والأطعمة البحرية، بالإضافة إلى الواردات من بعض المنتجات النفطية.
وذهب ترامب إلى أبعد من ذلك، فمنح وزارة الخزانة صلاحية إبعاد أي أشخاص أو كيانات أجنبية من النظام المالي الأميركي إذا ما تعاملوا مع بيونغ يانغ، بما في ذلك البنوك. وقد عاقب العديد من الشركات الصينية التي تقوم بأعمال تجارية على طول الحدود البرية للبلاد مع كوريا الشمالية.
ومع ذلك، ليس واضحاً ما إذا كانت الصين وروسيا ستوافقان على فرض إجراءات إضافية أكثر. فقد قالتا مراراً إنَّهما تريدان أن يتراجع الجانبان ويبدآ محادثاتٍ، وهو المقترح الذي كرَّرته الصين الأربعاء.
قال كو هيو هوان، وهو أستاذ الدراسات الكورية الشمالية بجامعة دونجوك بالعاصمة الكورية الجنوبية سيول ويُسدي المشورة لحكومة كوريا الجنوبية، إنَّ "أعضاء مجلس الأمن قد يُفكِّرون أيضاً في فرض حصارٍ بحري، لكنَّ ذلك سيكون كمقدمة للحرب. وبدلاً من ذلك، يُرجَّح أن تضغط الدول على الصين وروسيا من أجل أن تكونا أكثر صرامة فيما يتعلَّق بقواعد العمال الوافدين والتهريب".
ويقول بعض المحللين إنَّ العقوبات تحتاج فقط إلى مزيدٍ من الوقت كي تنجح. فقال ستيفان هاغارد، الخبير في اقتصاد كوريا الشمالية لدى معهد بيترسون للاقتصاد الدولي بواشنطن، في عرضٍ له هذا الشهر، إنَّ كوريا الشمالية قد تشهد أزمة مالية بسبب تراجع قدرتها للحصول على النقد الأجنبي.
الاقتصاد الرمادي (غير الرسمي)
يُشكِّك آخرون في ذلك، ويرون أنَّ اقتصاد كوريا الشمالية اقتصاد غير رسمي بدرجةٍ كبيرة، وأنَّ العملات الأجنبية كالدولار الأميركي واليوان الصيني تُستخدَم بانتظامٍ في التجارة. ووفقاً لستيف هانك، أستاذ الاقتصاد التطبيقي بجامعة جونز هوبكينز في مدينة بالتيمور الأميركية، يُعَد استقرار سعر صرف الوون الكوري الشمالي مقابل الدولار الأميركي في السوق السوداء مؤشراً صحياً.
وقال هانك، وهو مستشار اقتصادي سابق في يوغسلافيا، التي تعرَّضت لعقوباتٍ إبَّان حرب البلقان في التسعينيات: "تمثَّل التبعات في أنَّ الاقتصاد غير الرمادي يُبلي جيداً للغاية. إنَّني لا أقترح أنَّ هذا يُمثِّل نوعاً ما من "الجنة المفقودة"، إنَّها حفرة من الجحيم، لكنَّني رأيتُ حفراً من الجحيم قادرة على التعامل مع مواقف صعبة".
ونصح جون كيري، وزير الخارجية السابق في إدارة باراك أوباما، ترامب بعد التجربة الصاروخية بالضغط على الصين وزيادة العقوبات. وأضاف أنَّ خطاب الرئيس "يُحرِّكنا في الاتجاه الخاطئ".
وكان ترامب قد أرسل رسائل متضاربة حول كوريا الشمالية على مدار الشهر الماضي، أكتوبر/تشرين الأول، ففي مرحلةٍ ما دعا كيم لعقد اتفاقٍ، ثُمَّ وجَّه له صفعة بتصنيف بلاده دولةً راعية للإرهاب. وقال تيلرسون بعد التجربة الصاروخية إنَّ "الخيارات الدبلوماسية لا تزال، في الوقت الراهن، قابلة للتطبيق ومنفتحين عليها".
وعلى الرغم من أنَّ الولايات المتحدة قالت لفترةٍ طويلة إنَّه لا بد من أن تكون كوريا الشمالية مستعدة للتخلي عن برنامجها النووي من أجل بدء المحادثات، قال تيلرسون هذا الشهر إنَّ بإمكانه تصوُّر عقد محادثة قبل المفاوضات المباشرة. حتى إنَّ ترامب قال إنَّه من المحتمل بالنسبة له أن يصبح صديقاً لكيم، وذلك بعد فترةٍ وجيزة من وصفه الزعيم الكوري الشمالي بأنَّه "قصير وسمين".
وأثناء إعلانه عن التجربة الأخيرة، سعى كيم لتصوير بلاده على أنَّها قوة نووية مسؤولة. فقال إنَّ الأسلحة لا تُشكِّل خطراً طالما أنَّه يجري احترام مصالح كوريا الشمالية.
وقال يانغ شيو، المدير السابق للمكتب المختص بشؤون شبه الجزيرة الكورية في وزارة الخارجية الصينية، إنَّ تصرُّفات كوريا الشمالية تهدف لمنحها "وضعاً تفاوضياً أفضل بمجرد بدء المفاوضات. وسيخدم إعلانهم أنَّهم مستعدون للعودة إلى الحوار بعد ترسيخ وضعيتهم كدولة نووية مصالحهم على أفضل وجه".