إنه ليس مجرد رجل مجنون يمتلك أسلحة نووية، فلأسبابٍ منطقية واستتباعية، انتقلت فرص اندلاع حرب بين أميركا وزعيم كوريا الشمالية من كونها "ممكنةٌ" لتصبح شبه الجزيرة الكورية الآن أرضاً "محتملة" بقوةٍ للحرب.
تقرير لمجلة ناشيونال إنتريست الأميركية عرض مقتطفاتٍ من مقال كتبه مؤخراً دانيال دافيس، الزميل البارز في مؤسسة أولويات الدفاع، حول كيف يمكن لأميركا تجنُّب اندلاع حرب مع كوريا الشمالية، وجذور هذه الأزمة الخطيرة.
وأشار التقرير إلى أن التحركات والقرارات والمواقف المشتركة للرؤساء الأميركيين، جورج دبليو بوش، وأوباما، وترامب، مع الحكام الديكتاتوريين لكوريا الشمالية كيم إيل سونغ، وكيم جونغ إيل، وكيم جونغ أون، خلقت بشكلٍ معاكس، وضعاً لا تتوافر فيه فرصٌ لفوزِ طرفٍ على آخر، إذ قد لا يكون هناك مفرٌّ من الحرب.
وهو وضعٌ مأساوي لا بد من تجنُّبه، قد يجعل مئات الآلاف أو الملايين من المواطنين الأميركيين والكوريين الشماليين واليابانيين يدفعون حياتهم ثمناً له.
وعلى الرغم من ذلك، يمكن ضمان أمن الأميركيين، وتجنُّب الحرب عبر تبنِّي سياسةٍ حكيمة، حسب كاتب المقال.
جذور الأزمة
زُرِعت بذور أزمة اليوم، في أكتوبر/تشرين الأول عام 1994، عندما وقَّع الديكتاتور الكوري الشمالي، كيم جونغ إيل، المُنصّب حديثاً آنذاك، اتفاقيةً عُرِفَت باسم "إطار اتفاق" مع إدارة كلينتون.
وتعهَّدَت كوريا الشمالية حينها بوقف بناء المفاعلات النووية، التي يشتبه في أنَّها ستُستَخدَم لتزويد برنامج الأسلحة النووية بالوقود، في مقابل أن تُموِّل الولايات المتحدة مفاعلي ماء خفيف من غير الممكن أن يُستَخدَما في إنتاج مواد لصُنع قنبلة نووية.
وكان ذلك يتطلَّب من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التصديق على التزام كوريا الشمالية بتنفيذ الاتفاق.
رضخ كيم جونغ إيل في البداية للاتفاقية، وفي العام 1997 اجتمع مع ممثلي كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، لمواصلة ما وصفته مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك بـ"العملية التاريخية".
وبعد ذلك بفترةٍ وجيزة، بدأت تتراكم أدلةٌ بأنَّ بيونغ يانغ كانت تُنشئ برنامج أسلحة، وتعيق عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سراً. حتى بدأ صبر الرئيس الأميركي بيل كلينتون آنذاك ينفد.
وفي مارس/آذار 2000، أبلغ كلينتون الكونغرس الأميركي بأنَّه غير قادرٍ على التصديق على أنَّ كوريا الشمالية لا تنتهك اتفاقية "الإطار" الموقَّعة، عبر السعي إلى إنشاء برنامج أسلحةٍ نووية سراً.
محور الشر
في خطاب "حالة الاتحاد" عام 2002، وصف الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، بتشجيعٍ من جون بولتن، وكيل وزارة الخارجية آنذاك، كوريا الشمالية بأنَّها عضو في "محور الشر" 2002، ما أضاف المزيد إلى مخاوف كيم جونغ إيل من هجومٍ من جانب الولايات المتحدة.
وعبر الاستشهاد بجزء من هذا الإعلان، انسحبت كوريا الشمالية رسمياً من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، في يناير/كانون الثاني 2003، وطردت مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وبتحرّره من المعاهدة ومفتشي الوكالة، سرَّع كيم جونغ إيل بتطوير البرنامج النووي السري. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2006، أجرت كوريا الشمالية أول اختبارٍ من تلك الاختبارات التي تجاوزت منذ ذلك الحين ست تجارب نووية سرية.
أوباما المسؤول
وفي مارس/آذار 2011، اتَّخذ الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قرراً صعباً يجعل من الوصول إلى حلٍّ دبلوماسي اليوم مع نظام كيم جونغ أون مستحيلاً تقريباً. ففي محاولةٍ لـ"منع كارثةٍ إنسانية" في ليبيا، سمح أوباما للجيش الأميركي بالانضمام إلى أي دولةٍ في قصف قوات النظام. وبعد سبعة أشهر، أًسقِطَ الديكتاتور الليبي، معمر القذافي، من السلطة وقُتِلَ بصورةٍ وحشية وعلانيةً على يد الحشود المسعورة حينها.
وقد أقنعت وفاة القذافي ديكتاتور كوريا الشمالية الحالي، كيم جونغ أون، أكثر من أي حدثٍ آخر، بأنَّ التفاوض حول تخليه عن أسلحته النووية تعني حكماً فعلياً عليه بالإعدام.
فقبل ذلك بسنوات، وتحديداً في ديسمبر/كانون الأول 2003، تفاوَضَ بوش مع القذافي لإنهاء وتفكيك برنامجه للأسلحة النووية بشكلٍ يمكن التحقق منه. وتباهى بوش وقتها بالقول: "مجرد الوفاء بالتزام العقيد القذافي، سيجعل بلدنا أكثر أمناً والعالم أكثر سلاماً".
وقد أوفي القذافي بهذا الالتزام عام 2009. ومع ذلك، عندما أصبح أوباما رئيساً، بعد عامين، ولم يكن لدى القذافي أسلحة نووية يدافع بها عن نفسه، لم يكن يقوى على وقف هجوم قوات التحالف وفقد حياته إثر ذلك. وقد انطبع في عقل كيم جونغ أون درس قوي هو: لا تثق في الدبلوماسية الأميركية.