" إلى من يخالفنى الرأي أهدى سطورًا كتبتها لمصلحه مجتمع لن ينصلح حاله إلا بالثقافه. "
كان ذلك نص الإهداء الذى أملاه الروائى الكبير نجيب محفوظ على صديقه الأستاذ "رجاء النقاش" ليكتبه على صدر بعض من رواياته التى أحضرتها زوجته خصيصاً ليهديها لهؤلاء الذين حاولوا إغتياله عن طريق وكلاء النيابة المتواجدين فى المستشفى لأخذ أقواله بعد نجاته من محاوله الإغتيال و بعد عمليه جراحيه أستمرت خمس ساعات لإستخراج مطوه " قرن غزال" من رقبته و التى قد غرسها الجانى بلا إنسانيه فى رقبه عجوز قد تجاوز الثمانين من عمره بلا شفقه ولا رحمه، فقط لسماعه فتوى بإهدار دم الكاتب، و بالتحقيق مع الجناه تبين أنه لم يقرأ أحدهم سطرا واحدا لنجيب محفوظ، بل المفاجأه الكبرى أن أحدهم لا يجيد القراءه و لا الكتابه وأخر كان لا يعرف من هو نجيب محفوظ ! والأخر كان يذكره فى التحقيقات على أنه الأستاذ "حافظ نجيب" !
لك أن تتخيل عزيزى القارئ هكذا تُدار تلك العقول الهشه والإيقاع بها بسهوله فريسه لأى فكر متطرف، فقط نريد شخص لم ينل قسط من التعليم الجيد ولا الثقافه فى بيئه فقيره لنبدأ بسهوله بأصياده و بث تلك الأفكار متطرفة على أن يتم أستخدامه فيما بعد لتنفيذ أى عمليه إرهابية تحت مبدأ السمع والطاعه.
تذكرت تلك الرساله وتلك حين أستمعت لخطاب السيد الرئيس بعد الحادث الإرهابي المفجع الذى وقع يوم الجمعه الماضيه "السوداء" بمسجد الروضه والذى أسفر عن إستشهاد ما يزيد عن ٣٠٠ شخص ، تذكرت تلك الرساله بالتحديد حين لوح سياده الرئيس أثناء خطابه " أننا سنرد بقوه "غاشمه".
نعم سيدى الرئيس بالفعل أنت على حق، فالجميع ينتظرالثأر و القصاص لدم شهدائنا، ولكن لابد لنا أن نسئل أيضاً،
هل "القوه الغاشمة " هى الحل الجزرى لهذا الإهاب من وجه نظر سيادتكم ، أم أننا سندور فى تلك الحلقه المفرغه إلى ما شاء الله؟
أعلم أنى سأسمع قريبا تلك العنواين الصحافيه التاليه:
" القوات المسلحه قامت بضربه جويه فجر اليوم على مواقع تنظيم الدوله ردا على الهجوم الإرهابي"
" حمله أمنيه موسعه للجيش والشرطه لإستئصال البؤر الإرهابيه"
" إعلان حاله الطوارئ"
" مقتل العشرات من قوى تنظيم الدوله الإسلامية فى تبادل لإطلاق النار بينها وبين قوات الجيش"
سمعت كل تلك الأخبار بعد كل حادثه إرهابية حدثت فى عهد سيداتكم، وسأظل أسمعها، فما هى إلا مجرد مخدر موضعى لجراح ظل مفتوحا فى قلب ذلك الوطن الحزين منذ أمد بعيد، سيهلل المهللون بعد سماع تلك الأخبار، ونهدأ قليلاً، ثم يتكرر حادث إرهابى جديد فى مكان أخر..
ألا وقد آن الأوان بإيجاد علاج جزرى لذلك النزيف المتواصل، وإيقاف تلك الشلالات من دماء المصريين ؟
فقط قالها أينشتاين من قبل: من الغباء أن تكرر الشئ ذاته بنفس الخطوات و بنفس الطريقه وتنتظر نتيجه مختلفه.
فيبدو أن الحلول الأمنيه ليست هى الحل الأمثل للتعامل مع ذلك الخطر،
يبدو أيضا أن نجيب محفوظ كان محقا حين ذكر الحل فى طيات رسالته.
ربما لو أستمع أحدا من القائمين على السلطه لتلك الرساله آن ذاك لما كان ذلك الحال الان، ولكن القائمين على السلطه وقتها فضّلوا حلا أمنيا أخر بالإكتفاء بتعيين حراسه دائمه على الأديب ! مخدر موضعى أخر !
يبدو أنه من وجه نظر القائمين على رأس السلطه الحاكمه أنه علاج حالم أو أفلاطونى و أن الحلول الأمنيه هى الأسرع والحل الأمثل من وجهه نظرهم..
كتب نجيب محفوظ تلك الرساله عام ١٩٩٥ أى منذ أكثر من عشرون عاما، وأعلنها صراحه للجميع بأنه لن ينصلح حال هذا الوطن إلا بالتعليم والثقافه.
عشرون عاما كانت كفيله بإخراج جيل جديد واعيا مثقفا ذو عقلا قويا وأرواح متفتحه فلا يقع بسهوله فريسه سهله لهذه العقول العطنه وهذا الإرهاب الأسود والتى أقنعت ذو عقلا ضعيفا بأن الحور العين وجنات الخلد و النعيم فى إنتظاره بعد قتل ذلك العجوز أو بعد تفجير تلك الكنيسه أو بعد قتل هؤلاء المصلين فى المسجد.
ليت أحدا منكم قد قرأ رسالته و عمل بها لإنقاذ "وطن ضائع"….
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.