أحاسيس إنسانية

فمن أجمل الأحاسيس هو الرضا بالنصيب، والإيمان بعدل الخالق وقسمته للبشر، والتكهن بأن الخالق يهب النعمة لمن يستحقها، وأيضاً لمن لا يستحقها، ولكن مَن يصونها ويعرف قيمتها ويحافظ عليها هو حقاً أمهر لاعب في حلبة الحياة، لمَ لا نتصالح مع أنفسنا، ونرضى بعدل الإله الخالق، ونغضّ الطرف عما يملك الآخر، فالمهم ما نملك وليس ما يملكون!

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/29 الساعة 05:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/29 الساعة 05:21 بتوقيت غرينتش

كانت واقفة كحورية البحر، في عينيها تسبح الأحاسيس، عتاب وشموخ، هموم وحنين، غياب ووداع.

وذاك البَحْر يرسم قُبلة الوداع، ولمسة الفراق، لشمس الغروب، قبل تلاشي الشعاع في الأفق البعيد.

أشعتها ذهبية سابحة في بحر النقاوة والعنفوان، وهامسة في أذنه بموعد آخر، لتلاقي شمس الأصيل؛ ليعود فجر جديد.

في الوداع تكون الحمية والعبرات، ومع الرحيل مد وجذر، يراقص الشاطئ والصخور؛ لتذوب الجراح، وتتوق دوائر أسرار الكلام، وتنهمر بين ذراعيه ينابيع الأحاسيس، التي تشهد عليها حمرة خدود السماء.

كَانت تقلب الهموم، وتحبس الدموع، وتفتح الذكريات، كانت كلماتها شكوى وأنيناً، وعينيها سحراً وحوراً، طلتها هيبة، لمحبة مبصرة رغم مقولة: الحب أعمى فعين واحدة تبصر الجمال الخارق.

سألتها: أأنت سعيدة؟ أجابت بالنفي، لا تلام، هي تحمل قسطاً من هموم الحياة.

ولكن، في مقلة العين تدفن القليل من أوراق ماضي الفرح، والكثير من بقايا مستقبل الكرب، وبين ضلوع وثنايا ودهاليز العقل والفكر، يكون الجدل، حتى ولو اجتازت روحها الهوة بينهما فهي عاجزة عن الاعتراف بالأولى لتهرب بالأخرى، فهي لا تنفك تحفر المزيد؛ لتذكر الحزين من الحكايات؛ لذا أخذت المسؤولية على نفسي وقلت:
أرى العيون مَرْوِيّة بالدموع، واللسان ساكتاً مستوراً، لا أحب العزول، هي قريبة، ولكنها بعيدة!

إلهي الشكوى لك، وأنت الأدرى بسر البشر، بعضهم يسير بكتم السر، والبعض يطير من جهر فواصل المكان والزمان!

فما أرقى النفوس التي تجرع الألم وتنسى وتجنب أن تذيق الآخرين مرارة الوجع!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قابلته في سكة من سكك مواجهات التبصر بالفلك، رغم شح المصدر والخبر، سألته: لماذا؟ لِمَ تبدو غير سعيد؟ فبرجك اليوم عاجي فوق الغيوم، لمَ أنت تعيس رغم أنك تملك الكثير؟
لِمَ تبدو منتكساً كئيباً هزيلاً؟ لم أنت غير مشروح رغم أن البلد ملأى بالمنافقين؟ مَن يسرق الفرح منك؟

سرد عليَّ قصصاً كقصة ليلى والذئب، وهجوم قذائف من السلبيات والإحباطات معززة بنواقص الحركات والأفراح، مقارناً بغيره، من الخلائق والأنام.

إذن هي المقارنة، هي سارقة الفرحة من النفوس، هي صانعة القلق والاكتئاب.
هو تفضيل الذات، وليس العكس من نكران الذات، أين تحديد الهدف؟ أيضاً سرقتها المقارنة بالغير، وخطفها سوء التقدير، وعدم القبول، وعدم الشكر والامتنان، شح لعين لا ترى لمَ نملك، وجهل لحس لا يحوز من أسباب الرضا لنقص في الأشياء لما يملك الغير من فزلكات!
وأين القناعة والقبول؟ إذن من يسرق الفرح هو حب المقارنة والظهور، حب المباهاة والتقليد.

نعم.. هي أجمل منّي، هي أطول منّي، هي أنحف منّي،هو أغنى منّي!

طلة بيتهم أجمل من بيتنا، سيارتهم أحدث من سيارتنا، رحلاتهم أراقبها عبر منصات التواصل الاجتماعي، فما تكاد تغادر المطارات حتى تتحفنا بالوصول، ونحن نواصل التواصل، للموائد والصور واللقاءات على الشبكات، وتغادر منا اللايكات رغم عدم اللايك.

حتى أولادنا، ندمرهم ونحن ندرسهم، ننعتهم بالجهل ونقول انظر لصديقك فهو الأذكى والأنشط والأقوى شخصية منك، النتيجة هي الفراق والطلاق والإحباط والاكتئاب، إنها نفوس وأحاسيس!

ما أجمل التواضع والرضا! لماذا لا نركز على أنفسنا؟ ونترك الآخرين وشأنهم.

السعادة والجمال حولنا في كل مكان، لنحمد رب العالمين فقد منحنا العين التي تمحص وتبصر، ومنحنا الصحة والقوة التي تجعلنا نكتشف ونتجول، ومنحنا أموراً لا تُعدّ ولا تحصى، أموراً فرحة جميلة نغض الطرف عنها؛ لأن التقليد والغرور هو الفاصل عن الفرح.

انظر حولنا، أجمل إحساس في هذا العالم، وألذ شعور في هذه الحياة، هو القدرة على استشعار عبير كل ما حولنا من العشق والجمال، وليس رياح النهم والأطماع، وإدراك قيم الأشياء التي في متناول أيدينا (لنكون حقاً نستحق لقب إنسان).

قيم الشجاعة لقول الصدق، والحق للوقوف أمام الظلم، والشهامة لصنع المعروف، الإخلاص في العمل، وتذوق للذوق في السلوك، ودعة للخلق، لو نتصالح مع الذات ونرضى بما قسم الله لنا، ولا نخاف من الفشل، وإظهار الضعف، للعامة والخاصة، فقد نبكي عند الألم والوجع، ولكن لا بد من النهوض من جديد، والتركيز على أنفسنا وليس على الغير، فكل منا حر فريد في شخصيته وفي خريطة حياته وتكوينه.

ــــــــــــــــــــــــــــ

هل هناك أجمل من تذوق أوجه الجمال حولنا من خلال بسمة على ثغر طفلة، أو استنشاق وردة في بستان، أو في عطاء لفقير ولمحتاج، أو في المشاركة بعمل خيري، أو مشوار عبر الطبيعة والحقول لنطير فراشات بالهواء، أو لنسمع ألحاناً وسيمفونية كناري وعصافير الجنة وهي تشكل ممراتها في السماء وعلى الأشجار؟!

أي شيء صغير يعطي القناعة بالرضا ويزغزغ أمل المتفائلين بالحياة، إنه أحاسيس مفعمة بالجمال.

فمن أجمل الأحاسيس هو الرضا بالنصيب، والإيمان بعدل الخالق وقسمته للبشر، والتكهن بأن الخالق يهب النعمة لمن يستحقها، وأيضاً لمن لا يستحقها، ولكن مَن يصونها ويعرف قيمتها ويحافظ عليها هو حقاً أمهر لاعب في حلبة الحياة، لمَ لا نتصالح مع أنفسنا، ونرضى بعدل الإله الخالق، ونغضّ الطرف عما يملك الآخر، فالمهم ما نملك وليس ما يملكون!

فوجبة الأحاسيس تطبخ على نار الهداوة، وتؤكل على منضدة القناعة، وتهضم في معدة التراضي والقبول، وليس على قرقعة القروش، وفساد آكلي المناسف في الصحون.

الإحساس الثالث هو القدرة على تفهم الآخر واستيعابه، والتسامح معه وتناسي زلاته، والعمل على عدم جرحه.

فقد قيل: كلام معسول، من العسل وليس مسموماً من السم، لمَ نجرح الآخرين؟ بكلمة أو عبارة تحرق عصب القلب والفكر.

الجرح يتعب العقل ويسبب الندوب في الدماغ، والجسد، لو سمعت كلمة جارحة يصيبك عطب في التفكير وبلادة في رد الفعل، فتقف مذهولاً وتقول لماذا؟

لذلك ارتقِ دائماً بكلماتك وألفاظك، ولا ترفع الصوت لتفقد الاحترام، فالنبل هو غض الطرف، وحس لكرم الأخلاق والطباع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

ذاك هو عنوان المتفائلين بالحياة، وتلك أهم أحاسيس في أبجدية التصالح والسلام مع الذات؛ ليهدأ البال ويعم السلام، كما عمَّت السكينة وحلَّ الهدوء على هذا البحر المترامي الأطراف.. (انتهى)

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد