قد لا يتذكر الفلسطينيون عدد المرات التي حملت فيها الأخبار عناوين عن لقاءات للحوار بين الفصائل الفلسطينية، ولا عدد الساعات التي قُضيت لبحث سبل إنهاء الانقسام، ولا عدد اللحظات التي حُبست فيها الأنفاس في انتظار دخان أبيض يعلن عن تحقيق التوافق.
وبغضّ النظر عن حسن النوايا والجدية لدى أطراف المصالحة المختلفة في تحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام، فإنه حين يلتقي قادة الفصائل على صعيد واحد لإنجاز الوحدة المأمولة، ويقدم كل طرف خطوة للأمام، يتفاءل قطاع واسع من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يسيئهم الانقسام ويؤثر سلباً على مختلف أوضاعهم الخاصة والعامة، ويجعلهم حين يرون مصافحة المتخاصمين، كما لو كانوا أمام الفانوس السحري الذي سيحل كل مشاكلهم المعقدة.
ومؤخراً، شهدت العاصمة المصرية القاهرة لقاءات من أجل إتمام المصالحة بين الفصائل الفلسطينية سعياً للاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتحديد موعد لإجراء الانتخابات العامة، بالإضافة إلى قضيتي دمج موظفي قطاع غزة، والإجراءات الأخيرة التي اتخذها الرئيس محمود عباس في قطاع غزة.
ولكن رغم ذلك، توحي معطيات الحاضر بعدم قدرة الفصائل الفلسطينية على حسم ملفات المصالحة الوطنية العالقة كافة، الأمر الذي يشكل حالة من الإحباط لدى قطاع واسع من الفلسطينيين في إمكانية الوصول إلى مصالحة حقيقية.
فحركة فتح تماطل في تنفيذ ما اتفق عليه في القاهرة رغم كل الانتقادات التي وُجهت إليها في الفترة الأخيرة، وتحاول بكل ما أوتيت من قوة تطويع "حماس"، والأخيرة ترى أنها قدمت تنازلات قوية من أجل إنهاء الانقسام، خصوصاً أن معظم التصريحات التي تخرج من قيادات الحركة تعبّر بدقة عن مدى الجدية في تحقيق الوحدة.
وجاءت أولى بوادر الخلاف بين الطرفين بُعيد تصريحات لمسؤول ملف المصالحة في حركة فتح، عزام الأحمد، أكد فيها أن العمل في معابر قطاع غزة سيكون وفقاً لاتفاقية 2005، الأمر الذي رفضته حركة حماس وعدّته خروجاً عن حالة التوافق الوطني.
وثمة قضايا معقدة لم تحلّ لحد اللحظة مثل العقوبات التي فرضها الرئيس الفلسطيني محمود عباس على قطاع غزة، والاعتقالات السياسية المستمرة في الضفة الغربية، وملف "التقاعد المبكر" الذي بدأت حكومة الوفاق تطبيقه منذ عدة أشهر.
وسينتقل ملف المصالحة إلى مرحلة أكثر تعقيداً، بسبب الملفات التي لم تناقش حتى الآن، وعلى رأسها انتخابات المجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني، وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، مما يشكل تحدياً جدياً للدور المصري، لا سيما أن نظام عبد الفتاح السيسي رمى بكل ثقله لمحاولة إتمام المصالحة في مسعى منه لتحقيق تسوية تاريخية مع الكيان الإسرائيلي.
وأيضاً، وضع تراجع رئيس حكومة التوافق الوطني، رامي الحمدالله عن وعوده بتشغيل معابر غزة ملفَ المصالحة على المحك، خاصة في ظل التنديد الفصائلي الواسع بهذه الخطوة التي عدت أنها عكس ما اتفق عليه في القاهرة مؤخراً.
ويعتبر اللغم الآخر في ملف المصالحة، سلاح المقاومة في قطاع غزة؛ حيث يرفض الرئيس محمود عباس السماح بوجود سلاح موازٍ لسلاح السلطة الفلسطينية، في حين أن حركة حماس ومعها جميع فصائل المقاومة تؤكد أن هذا السلاح خط أحمر لا يمكن المساس به بأي حال من الأحوال.
وتؤكد هذه الفصائل ضرورة التوافق على الحفاظ على سلاح المقاومة، مع مراعاة التأكيد على هيبة سلاح السلطة وانفراد وجوده في الشارع الفلسطيني.
وإضافة إلى ما سبق؛ فإن هناك تقارير بدأت تظهر مؤخراً تعبّر عن انزعاج إسرائيلي أميركي واضح من إمكانية تحقيق المصالحة، حتى وصل الأمر إلى حد التلويح بقطع المساعدات الدولية للسلطة الفلسطينية، ومحاولة هذه الأطراف الضغط على الراعي المصري من أجل فرض أجندة سياسية تناقض الثوابتَ الفلسطينية لإعادة الأمور إلى المربع الأول.
يجدر بنا التأكيد هنا على أن الكل الفلسطيني يتمنى تحقيق مصالحة وطنية حقيقية قادرة على جمع كل المكونات الفلسطينية تحت سقف النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، ووقف استنزاف طاقات الشعب الفلسطيني في نزاعات داخلية لا طائل منها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.