تحت ضوء الغرفة الخافت وجوّهِ الحزينِ، أخذت قلماً وورقة، لتسرد حكايتها التعيسة، لتبوح بما لم تبح به الأيام، كتبت فيها:
عن حياتي التي كانت تسير في سلام، بين ليلة وضحاها صارت ظلاماً في ظلام.. وهبوني إلى عجوز سرق مني أحلامي الكبيرة والجميلة، سرق مني الحياة، بعدما كنت وردة في ريعان الشباب، كلي طموح وشغف لحياةٍ أراها حباً وأملاً، لحياة أعشقها.
أنا عروس صغير مدَّت يدها للحنّاء وهي في الرابعة عشرة ربيعاً.. زوجني والداي، فتركاني أعاني وحيدةً على ضفاف الأسى، تركاني لأكمل مشواراً مجنون التفاصيل. هأنذا اليوم أعيش في المعاناة، أعانق الذكريات، وأي ذكريات تبقت من طفولتي التي سُرقت فصولها وتفاصيلها الصغيرة، ومن شبابي الذي ذهب حسرة وألماً مع العجوز!
سلبا مني حياتي الصغيرة والبسيطة، فقد أقنعَ العجوز والدي بثراهُ، واعداً إياهُ بانتشالنا من الفقر الذي نهش أجسادَنا الضعيفة، لم تعارض أمي فقد رضخت لقرار والدي، يومها أصبحت عروساً.. ألبسوني ثوب "امرأة" وأنا غير قادرة على تحمّله، سحبوا مني ألعابي وحمّلوني ما لا طاقة لي به، أثقلوا كاهلي، هكذا انقلبت حياتي، هكذا تبخرت أحلامي وأمنياتي الجميلة..
حلمت بمتابعة دراستي، كنت أرغب في تسلُّق مراتب العلم، لم أكن أخشى من الفقر، حتى العادات والتقاليد لم تشكل حاجزاً أمامي، بالنسبة لي تلك العوائق كانت دوافع قوية حتى أصل إلى ما أطمح إليه، ربما من رحم المعاناة، كنت قد رسمت زوج أحلامي الذي دائماً ما تخيَّلته في عمري، حلمت بإنشاء عالم صغير حيث تلامس روحي التائهة طمأنينتها وسلامها؛ بحثاً عمَّن يلم شتاتها، تخيلت حياة مليئة بالحب والعطاء، حياة بمعانٍ كثيرة.
اليوم أعيش على وقع الصدمة في انتظار اليوم الذي أتقبل فيه الحقيقة الصارخة، في انتظار ذلك اليوم سأظل أنهار في صمت.
لعل ثوب الزفاف هو ما تحلم به كل فتاة، ربما هو كل ما تتغنى به، إنما بالنسبة لي كان بداية للمعاناة والألم، كان نهاية لأحلام كبيرة ظلت تصغر أمام توالي الأيام، ربما بياض ثوب الزفاف كان لي سواداً في معظم لحظات حياتي، ذقت التعاسة بمعانيها، ينتابني الألم والحسرة كلما رأيت مثيلاتي سعيدات مع أزواج في أعمارهن نفسها، يداعبن السعادة، يعزفن أنشودة السلام الداخلي، لعلي أقل حظاً من قريناتي اللاتي شاء القدر أن يعشن تحت ظروف أفضل.
أمام توالي الليالي كنت أتعرض للعنف الجسدي، أقاسي ويلات العذاب، أقاسي في صمت يحاكي صمت القبور، لقد عانيت ما لا طاقة لبشر باحتماله، بجسدي الضعيف هذا الذي لا يقوى على شيء، أصابتني العديد من التشنجات، راودتني باستمرارٍ نوبات البكاء والحسرة.
هي سنوات عجاف مرت عليَّ، في كل سنة، في كل يوم، صدقاً في كل ساعة لعنت الزمن الذي أبى إلا أن يطوي حياتي بين جدران منزل العجوز، لأول مرة في حياتي أدرك كم هو ثقيل هذا الزمن! كم هو رهيب ومخيف! في غفلة منه فقدت الحياة، أضعت إيقاعها السريع، لم يعد هناك أمل للحياة، هو الألم فقط، هو اليأس الذي يطاردني، هي العديد من الأصوات التي تظل تهمس في أذنيّ.
صعبٌ أن تتذكر الماضي وتتحسر عليه، إنما الأصعب هو أن تعرف أنك تحيا بلا حياة.. أدركت أخيراً أن الشمس لا تشرق إلا لتذكرني بمسلسل الشقاء إلى حين الغروب.
لا أريد منكم جزاءً ولا شكوراً، إنما أريد معروفاً؛ لا تقتلوا براءة بناتكم، امنحوهن الحياة، امنحوهن حق الاختيار، اختيار حياتهن وطريقهن، لا تقتلوا أحلامهن، دعوهن يعشن وفق رغباتهن، دعوهن يعزفن لحن الحب للحياة، دعوهن ينتصرن على العادات والتقاليد، فقد سئمنا من هذا الواقع المرير، حيث العادات والتقاليد شر لا بد منه.
إلى اللاتي بِتْنَ أسيرات لعادات وتقاليد مجحفة، لا تَدَعنهم ينتهكوا براءة طفولتكن، لا تدعنهم يتاجروا بأجسادكن وحياتكن من أجل الحصول على المال بذريعة السترة، تمسكن بحقوقكن.
هل أصبحنا حقاً عبئاً لدرجة أننا رُمينا تحت ما يسمى "الزواج" بينما هو انتهاك واغتصاب؟!
هذه قصتي وهذه صرختي..
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.