مع كل نجاح يتحقق في أحد المجالات أو الميادين حتى لو كان بسيطاً يفرح المغاربة كثيراً، يخرجون للشوارع ويبتهجون وينسون بعض آلامهم وبؤس الحياة الذي تعيشه شريحة كبيرة منهم كل يوم، كما حدث بعد تأهل المنتخب الوطني المغربي لمونديال روسيا 2018، لتعود بعدها حياتهم لواقع مرير، عنوانه "صارع في دنياك من أجل لقمة عيشك".
وهذا في ظل ما تعرفه بلادنا من تطور على شتى الأصعدة، يبقى من أبرزها فتوحات دولتنا داخل قارتنا الإفريقية التي لها أهداف جيوسياسية واضحة وغيرها ستظهر غاياتها مع الزمن، وهو ما نثمن عليه، وليس آخرها إطلاق قمر اصطناعي خلق الحدث وعلق العديد عليه إعجاباً وانبهاراً.
لكن في ظل ما تقوم به الدولة من عمل كبير ومتميز من أجل تحقيق تنمية مستدامة حقيقية، يبرز لنا في الوجود ما يسمى المغرب غير النافع، الذي يعاني سكانه عزلة وفقراً مدقعاً، يعيشون في صمت ولهيب الحياة، لا يعرفون الساسة الممثلين لهم في البرلمان أو المنتخبين في مجلس البلدية التابع لترابهم، وهذا ما ينطبق على فاجعة الصويرة، التي راح ضحيتها 15 شخصاً إثر تدافع بين الناس للحصول على كيس دقيق لا يتجاوز ثمنه 50 درهماً!
وفي خضم الحديث الدائر، أرجع البعض الحادث إلى سوء تنظيم الناس، وآخرون قالوا إن الفقر يصنع العجائب، كلا العاملين سبب رئيسي فيما وقع؛ ففاقة الناس وحاجتهم إلى ما كان يوزَّع وضعف وعيهم الذي تمثّل في عدم احترام الصف، والذي قد أبرره لهم بالخوف من نفاد تلك المواد الغدائية؛ ومن ثم عدم الاستفادة.
ما حصل يناقض الصورة التي يتم تصديرها والتي كنا نؤمن بها لوقت غير بعيد، ويذكرنا هذا بأن وطننا ينقسم لجزأين؛ أولهما نافع يعيش أهله في البرج العالي موفَّرة لهم جميع الحقوق وامتيازات بلا حدود، وثانيه غير نافع، في مستنقع بؤس الحياة، مطالبهم لا تتعدى تحقيق عدالة اجتماعية وعيش كريم يحفظ كرامتهم الإنسانية، فهؤلاء لا يهمهم إطلاق قمر اصطناعي أو إقامة مهرجان غنائي عالمي بحجم "موازين"، طموحهم بسيط وأقل بكثير من ذلك، ليست كأحلام الحيتان التي تأكل كل ما في البحر لتتسلل بعدها إلى بر السياسة طمعاً في المزيد دون الاكتراث بأمور الشعب.
عجيبٌ أمر هؤلاء الساسة، الذين من المفترض أن يكون شغلهم الشاغل خدمة المواطن لا التهام البشر والحجر للوصول لقمة الجبل القريبة من ظل السماء!
لما ترى اليابان وما وصلت إليه من تقدم وتطور كان أساسه وغايته الإنسان في ظل شبه انعدام الموارد الطبيعية، رغم مشاركتها في الحرب العالمية الثانية التي أدت إلى تدمير بنيتها التحتية وتُوفي خلالها ما يفوق مليوني ياباني. هذا إضافة لكونها من أكثر الدول المهددة بالكوارث الطبيعية الخطيرة مثل الأعاصير والانفجارات البركانية والزلازل، وهذا يرجع لكون أرض اليابان عبارة عن جزر يصل عددها إلى 3 آلاف، تقع بمنطقة بركانية في حزام النار بالمحيط الهادي، وهو ما يثير العديد من التساؤلات، أبرزها كيف أمكنهم الوصول لكل هذا التفوق والتميز في كل المجلات الحقوقية والعلمية والثقافية والاقتصادية…؟
قد تكون إحدى الإجابات في خارطة الطريق التي رسمها حكماء اليابان بعد تجاوزهم الجزئي مآسي تلك الحرب، ففي عام 1947 بدأت هذه الإمبراطورية العظيمة أولى خطواتها الاستراتيجية من أجل ذلك عبر صياغة دستور نص على استقلال السلطات الثلاث؛ التشريعية والقضائية والتنفيذية بعضها عن بعض، وقام على سيادة الشعب، واحترام حقوق الإنسان الرئيسية، ونبذ الحروب كثلاثة مبادئ أساسية، وجعل إمبراطور البلاد رمزاً للدولة ووحدة الشعب دون أي سلطة فعلية له على الحكومة.
شتان إذن بين أرضِ من يسمون أنفسهم المسلمين وبلدان الغرب، هناك البشر بشر، وهنا البشر لا فرق بينهم وبين الدواب والحجر، هناك جملة تقول إن "الجهل والفقر عملتان تسكهما جهة واحدة"، بذاك وهذا الخلل قد يكون فينا؛ لأننا سقطنا في جغرافيا وزمن عفاريت وتماسيح آدمية قد لا ترحم حتى نفسها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.