قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، الجمعة 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، إن بغداد قد تكون الساحة الجديدة للصراع بين إيران والسعودية بعد سوريا، وهو الأمر الذي وصفته بأنه لا يبشر بخير.
عودة الحميمة بين السعودية والعراق اللتين كانتا على خلاف مدة 14 عاماً، متجسدة باللجنة التنسيقية التي وقّعت اتفاقيات اقتصادية تحت أعين أميركية، إضافة إلى هبوط مفاجئ لوفد اقتصادي رفيع المستوى في مطار بغداد، لا تنفصل جميعها عن حملة المملكة الشاملة لكبح نفوذ منافستها إيران الشيعية.
لكن، ترى الصحيفة أنَّ الملك سلمان بن عبد العزيز قد جاء بعد فوات الأوان؛ إذ كانت أمام السعودية وفرةٌ من الفرص للتواصل مع العراق بعد الغزو الأميركي مباشرةً، لكنَّها فضَّلت أن تُواصل معاقبة بغداد، التي طوَّرت علاقاتٍ واسعة مع طهران إلى أن أصبحت محميةً إيرانية، وأصبحت إيران أكبر شريكٍ تجاري لها.
أحد الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام في هذه المسألة -حسبما ترى الصحيفة الإسرائيلية- هو موافقة إيران على تجدُّد العلاقات بين العراق والسعودية. ويعكس هذا ربما ثقة إيران بالتزام العراق تجاهها، والأهم من ذلك يعكس رغبتها في منح العراق شرعيةً عربية؛ ومن ثم تعزيز شرعيتها هي نفسها.
هذه العلاقة التي سمحت بها إيران بين البلدين، وأهمها استثمارات سعودية بالمليارات، مشابهة لما حدث في لبنان، ويصب في النهاية بكل المقاييس في مصلحة كل العراق وإيران.
ففي لبنان، استفادت الدولة من استثماراتٍ سعودية هائلة دون أن يُضرّ ذلك بقدرة إيران على التأثير في السياسة اللبنانية.
وترى الصحيفة الإسرائيلية أن تراجع الدور السعودي فيما يتعلق بالأزمة السورية جعلها تصل إلى نتيجةٍ حتمية، مفادها أنَّ عليها أن تسعى لإيجاد ساحاتٍ جديدة لمواجهة إيران، وقد يكون العراق إحدى تلك الساحات، لا سيما من أجل منع إقامة ما يُسمَّى المحور الشيعي، الذي من شأنه ربط إيران وسوريا برياً.
بين الأميركيين
من أجل تحقيق ذلك، ترى الصحيفة أنه يجب على السعوديين إقناع الحكومة العراقية، التي يرأسها حيدر العبادي، بالموافقة على إبقاء القوات الأميركية في العراق، حتى رغم انتهاء الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) .
وعن إعلان الجانب الإيراني هزيمة داعش، تقول الصحيفة إن لهذا الأمر تداعيات استراتيجية مهمة؛ لأنَّها تعني أنَّ إيران بات بإمكانها سحب قواتها خارج العراق ومطالبة قوات التحالف الغربي، خصوصاً الأميركية منها، بالمغادرة أيضاً. وليس لدى إيران أي مشكلةٍ فيما يتعلَّق بسحب قواتها؛ لأنَّها ستواصل تمويل وتدريب الميليشيات الشيعية، التي تساعد الجيش العراقي وتُعَد جزءاً لا يتجزَّأ من القوات المسلحة العراقية.
وأصبحت مسألة الحضور العسكري الأميركي قضيةً مثيرة للجدل في البرلمان العراقي، الذي يُحضِّر لإجراء انتخاباتٍ في شهر مايو/أيار المقبل. ويعتقد بعض أعضاء البرلمان أنَّ البلاد يجب ألا تُوافق على الحضور العسكري الأميركي إلا إذا اقتصر على التعليم والتدريب، وليس كقواتٍ مُقاتِلة. بينما يعترض آخرون بشدة على بقاء أي قوةٍ أجنبية. وفي هذا الخلاف، يمكن للسعودية أن تكون بمثابة أداة ضغط على العبادي كي يوافق على الوجود العسكري الأميركي، لكن ليس هناك ما يضمن أنَّ العبادي سينصاع لذلك.
ويُعد إعلان الإمام الشيعي مقتدى الصدر -صاحب المواقف المنفصلة عن التيار الشيعي العام في العراق- هذا الأسبوع، دعمه للعبادي في الانتخابات مثالاً على شيءٍ يمكنه الحد من الضغط السعودي. وكان ذلك إعلاناً مفاجئاً بالنظر إلى المواجهات التي جرت بين الرجلين في السنة الماضية. لكنَّ هذا الدعم سيأتي بثمن. فالصدر معارضٌ قوي للوجود الأميركي بالعراق، وسيطالب بإخراج الأميركيين مقابل الدعم السياسي الذي سيحتاجه العبادي للفوز في الانتخابات.
أمر آخر أشارت إليه "هآرتس" الإسرائيلية، هو خشية سُنَّة العراق تعرُّضهم للتمييز كما كان يحدث في الماضي، وهو الأمر الذي دفع كثيرين منهم للانتماء إلى داعش. ويُثير هذا العامل المحتمل المُزعزِع للاستقرار قلق إيران أيضاً.
لذلك، ترى أن إيران قد تصبح الآن هي حصن السُنَّة العراقيين، ليس فقط من أجل إرساء استقرار النظام العراقي، لكن أيضاً من أجل التصدي لـ"مؤامرةٍ" سعودية لتبنِّي الطائفة السُنِّيَّة في العراق واستخدامها كورقة ضغطٍ للتأثير على بلادهم. ومن ثم، قد تظهر ساحةٌ أخرى للصراع الإقليمي، وهو الأمر الذي لا يُنبِئ بخير.