صحيح أن التخمينات التي فرضت نفسها لفك الغموض عن رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لم تثبت نجاعتها في كثير من الأحيان، لكن ما لا يقل صحة عن ذلك هو أن السلطة الفلسطينية مستمرة في مقاومة الدفع المتزايد لكشف أسباب وفاة الرجل.
فطوال الثلاث عشرةَ سنة الماضية، كانت لجنة التحقيق المختصة بوفاة ياسر عرفات تواصل بحثها السري لمعرفة الملابسات، وكشفت أكثر من مرة أنها حددت هوية منفّذي عملية الاغتيال، دون كشف مَن هم ؟ وإلى أي جهة ينتمون؟
وإضافة إلى جهود لجنة التحقيق، قدمت قناة "الجزيرة" الإخبارية في عام 2012 تحقيقاً يحوي بين طياته تفاصيل علمية تعد إسهاماً جديداً وإضافياً بأن "الختيار" مات مسموماً؛ إذ إن التحاليل التي أجرتها القناة بالتعاون مع فريق طبي سويسري تثبت أن آثار مادة البولونيوم المعدن السام المشع، تناسلت إلى جسد عرفات قبل وفاته، داحضة بذلك بعض الاحتمالات التي تحدثت في مرات عدة عن أنه مات بمرض السرطان، أو التليف الكبدي.
وعلى الرغم من أن تقرير "الجزيرة" جاء بعد ثمانية أعوام على رحيل أبوعمار، فإنه من وجهة نظر المتابعين شكّل حينها فرصة كبيرة لتقصّي الحقائق بشأن عملية الاغتيال وكشف الحقيقة التي بقيت طيَّ الكتمان لسنوات عدة.
ومن ثم تبع تقرير الجزيرة قيام بعثة من المحققين الفرنسيين باستخراج رفات عرفات، في محاولة لمعرفة سبب وفاته، إلا أن حيثيات الوفاة بقيت حبيسة الأدراج.
بيد أن الأمر الأكثر غرابةً في قضية وفاة عرفات، تلك التصريحات التي وردت على لسان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل عام من الآن، والتي قال فيها: "إنه يعلم من قتل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، لكنه دعا إلى انتظار لجنة التحقيق المكلفة بهذه القضية للكشف عن المتورطين"؛ إلا أنه ولحد الآن لم تنشر اللجنة أي تفاصيل تذكَر حول هذا الأمر.
ولعل ما يطرح الآن بقوة: إلى متى سيستمر الصمت على هذه الجريمة التي دُبّرت بليل؟ وما العائق الذي يمنع السلطة من كشف ملابسات مقتل مؤسسها، على الرغم من وعودها المتكررة بالكشف عن الملابسات؟
وإذا كانت حركة (فتح) تعتبر أن إسرائيل هي المتورطة في عملية الاغتيال، فلماذا لا تضغط على لجنة التحقيق الفلسطينية التي تم تشكيلها من أجل كشف الجناة الذين سلمتهم إسرائيل السمّ لدسّه في طعام الرجل؟
تساؤلات تبقى للزمن علّ الراسخين في حساب مصالحهم الحيوية يتركون للشعب الفلسطيني الجواب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.