ثمة سؤالٌ على إحدى منصات التدوين يتطرق إلى تعدّد منصات التدوين، هل الأمر إيجابي أم سلبي؟
قبل إبداء رأيي الشخصي يجب التأكيد على أن فكرة التدوين ليست فكرة جديدة من حيث المبدأ، بل لها جذورٌ تاريخية، فقد استعملها الإنسانُ عبر مسيرة حياته لكتابةِ أحداثه اليومية، لكن طرأت تغيرات كثيرة على التدوين من حيث الشكل والجوهر؛ نظراً لتطور التقنيات الحديثة، فأصبح لدينا تدوين مكتوب ومسموع ومرئي.
ومصطلح التدوين كما جاء في معجم المعاني الجامع هو مصدر (دَوّن)، أي: قام بتدوين الأخبار التي سمعها، وبهذا تصبح المدونة في العصر الحديث هي المساحة الإلكترونية الشخصية أو الجماعية التي يكتب بها صاحبها كل ما يجول في خاطره من أفكارٍ ومشاعر، ويعبر من خلالها عن رأيه في قضايا المجتمع المختلفة، وهي إما أن تكون مسموعة أو مقروءة أو مكتوبة، ونظراً لاختلاف البشر، فإن من الطبيعي أن تختلف إنتاجاتهم بما يخدم المجتمع، ويكون تنوع أفكارهم (تنوع إثراء وليس تنوع خلاف)، أو هكذا يجب أن يكون؛ لذا فإنني أرى أن تعدّد منصات التدوين هو أمر حيوي، بل ومطلوب كي لا نفقد حقنا في التفكير، ونفقد قدرتنا على التمييز بين الأشياء؛ لأننا لم نتعوّد إلا على شئٍ واحدٍ فقط.
لماذا تعدّد منصات التدوين مطلوب؟
المعروف أن لكل منصة تدوين فلسفة خاصة بها من حيث الرؤية، والهدف، والرسالة، والموضوعات التي تنشرها، وعدد مرات النشر الأسبوعية، والفئة المستهدفة، ونوع التدوينة وحجمها، وأظن أن هذا التنوع هو رحمة للمدونين، فما يُقبل هنا قد لا يُقبل هناك، وبالتالي يعطي الفرصة للجميع نشر أفكاره، كما أنها فرصة لمن لديه القدرة على الكتابة كثيراً، فهنا يجد منصات تنشر أعماله، ثم إن الكاتب قد يكتب في هذه المنصة موضوعات وفي غيرها موضوعات مختلفة.
شخصياً يحدث معي أن أرسل موضوعاً إلى منصة تدوينٍ ما، فيأتيني الرد بالرفض، إما بشكلٍ مباشرٍ عن طريق البريد الإلكتروني والاعتذار عن النشر لمخالفة النص فلسفة المنصة، أو من خلال التجاهل (وهذا مؤلم) ومرور عدة أيام على عدم نشرها، فأعرف أن النص الُمرسل لم ينَل رضا المنصة، بسبب أنه طويل أو قصير أو به أخطاء إملائية، أو أنه يحرض على الكراهية والحزبية، أو ليس من اهتمامات المنصة، أو تم نشره على منصةٍ أخرى في وقت سابق، ثم أقوم بإرسال نفس النص إلى منصة أخرى فيتم نشره، وهنا أستذكر: (لولا اختلاف الأذواق لكسدت السلع).
* "عربي بوست" كإحدى منصات التدوين:
وإنني وإذ أرسل هذه التدوينة الأولى إلى منصة التدوين "عربي بوست"، أتمنى أن يكون لها نصيب من الاستقرار في منصة "عربي بوست"؛ "لتكون فاتحة التدوين"، وأعبّر عن فخري واعتزازي بمنصة "عربي بوست" باعتبارها منصة عربية لعبت منذ نشأتها أدواراً مهمة في تغيير منهجية الإعلام العربي؛ حيث نقلته نقلة نوعية، وأضحت أنموذجاً إعلامياً يُحتذى به، وما إطلاق منصة التدوين إلا أحد أوجه التطور الذي يقضي بإفساح المجال للأقلام والأفكار؛ كي تشق طريقها إلى النور، وحينما أتصفح مدونات "عربي بوست"، التي أحرص على أن أقرأها باستمرار، فأجد مدونات تقول رأياً، ومدونات تقول رأياً مخالفاً، وهذا يدل على اتساع صدر "عربي بوست" لكل الآراء طالما أن الكل يعبّر عن رأيه دون إساءة للآخرين.
* عوامل تعدُّد منصات التدوين:
– تعدد منصات التدوين هو أحد إفرازات التطور التقني على صعيد الشبكة العنكبوتية، الذي وصل لحدّ سمح لكل شخص أو مؤسسة بامتلاك مدونة خاصة.
– ثم إن فكرة تعدُّد منصات التدوين هي فكرة نبعت من السياق العام الذي ظهر، خاصة مع الربيع العربي، ورغبة الإنسان العربي في الخروج من عباءة النظام الذي يُملي عليه ما يسمع ويقرأ ويكتب، لدرجة يجعل عقله في إجازة مفتوحة غائباً عن الوعي، إلى فضاء الحرية والتعدّد الذي يترك للمواطن العربي حرية الاختيار بين ما هو موجود من أفكار وأخبار.
* فوائد التدوين:
يحفز على القراءة وتحسين مهارات الكتابة، والإلمام بقضايا المجتمع، وبناء شبكة علاقات واسعة مع شرائح مختلفة من المجتمع، وتقوية الذاكرة من خلال تزويدها بمعلومات متنوعة وبشكل مستمر، وتقوية الحس الإبداعي عند الإنسان، وتقوية مهارة التحليل والاستنتاج والربط بين الجزئيات للوصول لفهم عميق للموضوع، لكن رغم ما لتعدّد منصات التدوين من فوائد، فإنها لا تخلو من سلبيات، ليس أقلها إن لم يتم ضبطها بمعايير المهنية، فإن هذه المنصات تتحول إلى ثكنات عسكرية، وحرية التعبير تتحول إلى فوضى.
بقي أن نقول: إن تعدّد منصات التدوين هو منحة متنوعة لإثراء الفضاء العربي بموضوعات تهم المواطن العربي، من المحيط إلى الخليج، ويجب أن تبقى كذلك؛ كي تصل أفكار الجميع إلى الجميع، وكي يجد المدوِّن العربي أن ثمة مَن يهتم به وينشر له أفكاره.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.