من تونس على ضفاف المتوسط.. إلى كندا على سواحل الأطلسي.
من مهد الحضارات إلى الأراضي الجديدة.. من تاريخ الإنسانية إلى دُمى المتاحف البلاستيكية.
من بلاد الأجداد إلى مواطن الأحفاد..
رسالة هجرة..
هنا حيث يتداعى بلد كامل إلى السقوط، كما سقط قبله ألف مرة في تاريخ الإنسانية، عند نهاية قرطاج وروما والدولة العثمانية، والدولة الحفصية والفاطمية والأغلبية.
في 2017.. يشهد شعب بأكمله على نهاية فترة كانت محفوفة بالأخذ والرد وتمخضات دولة كانت معزولة عن العالم تحت حكم نظام قمعي، ظل جاثماً على صدرها ثلاثة وعشرين عاماً.
لا مكان هنا للأحلام.. الشباب يشق البحر طمعاً في حياة أفضل، تاركاً وراءه شموخ قرطاج وصومعة عقبة ومنارة الزيتونة.
لم يعد يعبأ إلا بلقمة العيش بعد أن أصبحت البلاد على شفير الإفلاس، الغلاء والفقر والجوع والبطالة وحقوق الإنسان المنسية المهضومة، هذا كل ما يوجد في هذه الرقعة من الأرض، شباب لم يعد تاريخه يشبع جوعه ولا ماضيه يطفئ ظمأه للحياة الرغيدة، ولسان حاله: "ما عاد وقت للنزاع.. ما عاد وقت للمؤاخذات.. هي هكذا بلادي وستظل".
في الناحية الأخرى بلاد الغرب.. كندا؛ حيث وضع مكتشفو العالم الجديد معاولهم والخيم، حيث قرر الإنسان الاتساع وترك الصراع، حين قرر الهروب والانعزال، كانت كندا.. البلاد التي يطيب فيها العيش، كل هذه الأرقام والإحصاءات والدراسات التي تصنع من هذه الدولة بلاد الأحلام دون منازع.
الأراضي الشاسعة، المأكل والمشرب، العمل والزواج والرفاهية، الصحة والخدمات والمعاملات الإنسانية، بلاد تحترم نفسها وتحترم مواطنيها، وفي أسوأ أحوالها لم تدمر كوادرها، لم تهجّر علماءها، لم تحطّم طاقاتها.
والأهم من ذلك لم تتنكر لأبنائها، لا مجال لمقارنة الرابط العاطفي الذي يجمع كندا بمواطنيها، بهذا الأخير الذي يجمع بلاد الثورة برعاياها.
فبلادي وإن جارت عليَّ عزيزة لمرة.. لا لمرتين.. وثلاث وأربع، فالبلاد تصان عزاً أو تهجر قهراً.. وإن لم تهجر الأجساد فقد هجرتها القلوب والألباب.
المفاهيم الفلسفية القديمة التي بُنيت عليها القيم الدولية الإنسانية منذ فجر التاريخ، التي تؤكد أن الدولة ليست إلا شعباً، وأن الوطن بمثابة الأم الحامية لأولادها، ترسخ الشرخ وتبين الصدع، وتثبت أن في تونس ليس هناك تونسيون، بل عشرة ملايين كندي تُلهيهم فقط أحلام وراء الأطلسي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.