على الرغم من الحرب، لا تزال الشابة هدى، التي تضع نظارة شمسية فوق شعرها وقرطين في أذنيها، تحلم بالمستقبل، حيث إنها تطمح إلى أن تصبح طبيبة جراحة.
وبالنظر إلى العدد الكبير من القتلى والجرحى الذين سقطوا في بلادها خلال السنوات الأخيرة، اكتسبت هذه المهنة خاصة بُعداً إنسانياً أكبر من أي وقت مضى.
وفي هذا الصدد، قالت الطالبة السورية، البالغة من العمر 21 سنة، والتي تدرس في السنة الرابعة بكلية الطب في دمشق قالت لصحيفة اللوموند الفرنسية "نحن جيل الحرب، لقد كبرنا معها".
في أرجاء الحرم الجامعي، كان الشبان والشابات يرتدون ملابس عصرية وسراويل الجينز، ويجلسون على جوانب الممرات والمقاعد المُهيأة في الساحة الكبرى.
في الواقع، يبدو على هؤلاء النضج بشكل لافت للانتباه؛ وذلك بسبب حالة الحيرة وانعدام الاستقرار التي عانوها سنوات عديدة؛ الأمر الذي يدفعهم إلى التشبث بتعليمهم ويرون فيه الأمل الوحيد للخلاص.
خلال شهر سبتمبر/أيلول، لم تُستأنف الدروس كما كان منتظراً.
وفي المقابل، أُعيدت الاختبارات بشكل استثنائي؛ من أجل منح فرصة ثانية للطلبة الذين منعهم الصراع من الحضور خلال السنة الماضي، في الوقت الذي يعكف فيه بعض الطلاب الآخرين على القيام بالإجراءات الإدارية اللازمة من أجل السفر للدراسة في فرنسا.
خلال السنوات الأخيرة، عرفت الجامعة السورية أوقاتاً صعبة للغاية، كما خسرت الكثير من أساتذتها. وفي هذا الصدد، أفادت نائبة مدير الشؤون العلمية في قسم الطب، ميسون قدسي، بأن نحو ثلث المدرسين سافروا إلى الخارج منذ اندلاع الحرب الأهلية سنة 2011، حيث اختار أغلبهم الرحيل منذ الفترة الأولى للصراع.
وبالتوازي مع هذه الهجرة المكثفة، سرعان ما ارتفع عدد طلبة الطب من 5 آلاف إلى 13 ألف طالب؛ ذلك أنه بالإضافة إلى المقبولين بشكل مباشر في دمشق، قررت الجامعة أيضاً استقبال من لم يتمكنوا من استكمال دراستهم بالجامعات الأخرى بسبب المعارك الدائرة أو تعرضها للدمار.
ورغم كل هذه الظروف المحيطة بالتدريس، فإن السيدة ميسون قدسي أصرت على أن هذه الأوضاع التي تعيشها سوريا لم تؤثر على جودة التعليم، حيث قالت: "صحيح أن المستوى العام تدهور بسبب ارتفاع عدد الطلبة وانخفاض عدد المدرسين، ولكن حدث ذلك بدرجة محدودة فقط".
الخدمات الأساسية مؤمَّنة
في سبيل مواجهة ارتفاع عدد الطلبة، قرر الكثير من الأساتذة الرفع من عدد ساعات التدريس، في حين تم انتداب عدد إضافي منهم لتغطية النقص. ووفقاً لما أفاد به عميد الكلية، محمد حسن الكردي، يتم الآن التجهيز لفتح مناظرة جديدة لانتداب أساتذة لمختلف الجامعات السورية.
حيث قال إن "الجامعات السورية تواصل القيام بدورها على الرغم من الحرب". وخلف مكتب العميد، عُلّقت على الجدار صورة ضخمة للرئيس بشار الأسد، بالإضافة إلى صور أخرى يظهر فيها الرئيس برفقة زوجته أسماء الأسد، والرئيس الروسي فلاديمير بوتن.
على الرغم من الوهن الذي أصاب الدولة السورية والنقص الفادح في الموارد خلال السنوات الأخيرة، فإنه قد تم الحفاظ على الاستمرارية والحد الأدنى من التمويل للمؤسسات الرسمية في دمشق.
وبالنسبة لسكان هذه المدينة، تعتبر هذه المسألة ذات أهمية بالغة؛ إذ إنها بمثابة دليل على استمرار الحياة بشكل طبيعي في العاصمة. من جانبهم، يتشبث الكثير من السوريين بهذه الحقيقة؛ كي يواصلوا العيش رغم الحرب، وهو ما أكده لنا أحد الرجال الذين قابلناهم والذي لم يُخفِ انتقاده نظام الأسد.
في الوقت الراهن، يعيش ثلثا الشعب السوري، أي نحو 11.5 مليون شخص، بالمناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد. وفي كلية الطب بدمشق، يمثل الشاب أيمن، وهو طالب يبلغ من العمر 23 سنة، واحداً من أولئك الذين أجبرتهم الظروف على التأقلم مع الواقع الجغرافي الجديد الذي فرضته المعارك.
ينحدر أيمن من بلدة قريبة من دمشق ظلت خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة حتى نهاية سنة 2016، وقد كان يتساءل دائماً عن الطريقة التي ستمكنه من مواصلة دراسته وسط هذه المواجهات والتفجيرات المستمرة. وفي كثير من الأحيان، وجد الشاب نفسه مضطراً إلى القيام بمغامرات ومخاطرات عديدة لتجنب مواقع القتال والتفجيرات والطرق المسدودة؛ من أجل الوصول إلى جامعته وسط العاصمة.
وفي الوقت الذي قررت فيه عائلة هذا الشاب الهروب إلى المملكة العربية السعودية، فضّل هو البقاءح ذلك أن سفره يعني التخلي عن حلمه في أن يصبح طبيباً.
واليوم، يواصل أيمن دراسته وهو في السنة السادسة من الجامعة، ولكن القلق يعتريه إزاء تدنّي جودة التعليم، حيث أفاد بأنه "يصعب عليك التركيز حين تكون قلقاً طيلة الوقت". وقد لاحظ أيمن خلال التربصات التي قام بها، أن الضغط على المستشفيات كبير للغاية حيث يُكلّف الأطباء، إن كانوا مقيمين أو متدربين، مهام متعددة في الوقت ذاته. والجدير بالذكر أن الكثير من الأطباء غادروا البلاد.
ففي سوريا ما قبل الحرب، كان هناك طبيب لكل 661 مواطناً. أما بعد اندلاعها، أصبح هناك طبيب لكل 1442 مواطناً، وفقاً للأرقام التي قدمتها وكالة تابعة للأمم المتحدة في سنة 2016.
المخطط السوري دال
بالعودة إلى دمشق وعلى مشارف ساحة المرجة، كان المكان عامراً بالأشخاص والأكشاك حمراء اللون ومحلات بيع اللوز والتوابل… والمتسولين، والمصابين بالشلل، والعديد من الأفراد الذين يفترشون الأرض.
فضلاً عن ذلك، كان هناك شاب يلبس الزي الرسمي يجلس القرفصاء تحت أحد الجدران، ويحمل بندقية بيده، في حين كان بائع متجول يقف غير بعيد يعرض السجائر، بعضها صُنع في روسيا.
على العموم، تجذب المعاشات التقاعدية الصغيرة والشعبية ثلة من الأشخاص، وتحديداً السوريين القادمين من مناطق بعيدة، وخاصة من شرق البلاد، التي كانت تحت سيطرة مقاتلي تنظيم الدولة، قبل أن يفقد الرقة ودير الزور.
ويأتي هؤلاء إلى العاصمة؛ للعثور على ما فقدوه تحت ركام منازلهم، وخاصة وثائقهم الهامة مثل جوازات السفر والوثائق الرسمية… التي لا يمكن أن توفرها لهم إلا الدولة المركزية.
وفي هذا الصدد، أخبرنا أحد المواطنين، الذي حصل على هذه المنحة الحكومية، وهو من حمص، المدينة التي فرّ منها منذ بداية الصراع، بأن "كل الإدارات هنا قريبة بعضها من بعض".
في قصر سمير، الفندق المتواضع، حيث تثير رائحة التبغ البارد شهية القلب، التقينا المواطن حسان، الذي يبلغ من العمر 39 سنة، من مدينة البوكمال، وهي بلدة مجاورة على الحدود العراقية.
في الحقيقة، لم يأتِ حسان إلى دمشق للحصول على وثائق إدارية، ولكن لمرافقة شقيقته التي تخضع للعلاج في مستشفى خاص بالعاصمة. وقد صرح حسان قائلاً: "في مدينتنا، تعمل بعض الممرضات أحياناً مكان الأطباء، كما هرب العديد من الأطباء المتخصصين عندما أعلن تنظيم الدولة قيام خلافته".
والتقت صحفية اللوموند في الفندق نفسه الشاب بشار، الذي يبلغ من العمر 15 سنة، والذي كانت تعتريه حالة خوف شديد. وقد غادر منطقة دير الزور عن طريق الطائرة انطلاقاً من الحسكة إلى دمشق، حيث تتلقى والدته العلاج.
بالنسبة لهؤلاء السكان الفقراء، تشكل تكلفة الرعاية والفحوصات الطبية مصدر قلق كبير لهم. ووفقاً لآخر الأخبار، ستفرض الدولة مبلغاً رمزياً على تكلفة العلاج في الهياكل العامة.
وفي حال تأكدت هذه المعلومات، فستكون نقطة تحول في تاريخ قطاع الصحة بسوريا، وتثبت أن الدولة لم تعد قادرة على تحمّل مصاريف العلاج كما كانت تفعل من قبل، كما لم يعد باستطاعتها ضمان الرعاية المجانية المطلقة.
وفي هذا السياق، يستحضر العديد من اللاجئين السوريين في لبنان هذه الخدمات الصحية بشيء من الحنين، على الرغم من أنهم أكدوا أن بعض الخدمات كانت ذات جودة متواضعة.
في الأثناء، بات هؤلاء اللاجئون يتحدثون عن العودة إلى ديارهم؛ لأن العلاج هناك أرخص، في كل الأحوال، من لبنان.
تُحدث محركات المولدات في بعض شوارع دمشق هديراً يصم الآذان. ويحيل ذلك إلى أن النظام بصدد تعويض فشله في تغذية الشبكة الوطنية الكهربائية. وعلى الرغم من قلة التزويد، فإنه لم يتوقف.
المشروع الضخم لإعادة الإعمار
منذ عدة أشهر، احتلت مسألة إعادة البناء أو إعادة تأهيل قطاعات معينة من الاقتصاد، مثل صناعة الأدوية، العناوين الرئيسية للخطاب الرسمي. ويبدو أن استعادة البنية التحتية تمثل تحدياً ضخماً ومتعدد الأوجه. وقد طال الحديث عن استعادة البنية التحتية توقيع مذكرات تفاهم مع إيران حول التزود بالكهرباء، ومع الصين للاستثمار في السكك الحديدية، خاصة أن عدد السكك الحديدية قد أصبح محدوداً بشكل كبير.
وعلى الرغم من أنها لم تكن في حالة جيدة قبل الحرب، فإن بعض السكك الحديدية ما زالت قيد العمل، ولا سيما تلك الواقعة على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط.
من جانب آخر، أعيد فتح خط سكة حديدية انطلاقاً من دمشق نحو الزبداني، البلدة التي كانت تحظى باهتمام كبير من قِبل السكان المحليين؛ لما تتميز به من مطاعم فاخرة، فضلاً عن مناخها الجميل، علماً أن المدينة قد لحقها دمار شديد في ظل الحرب المستعرة، في حين لم تعد القطارات تذهب إلى هناك إلا في عطلة نهاية الأسبوع.
دورات تعلّم اللغة الروسية
في سياق متصل، صرح جهاد يازجي، محرر "ذا سيريا ريبورت" التي تصدر أسبوعياً على الإنترنت، بأن الميزانيات اللازمة لإعادة إعمار البلاد ضخمة، حيث تصل إلى 200 مليار دولار (169 مليار يورو)، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية. ويبقى أن ننتظر المستقبل حتى نكتشف كيفية والأطراف المشاركة في إنجاز هذا المشروع الضخم.
ومن المفارقات أن بعض الأعمدة الكهربائية تقدم أجوبة عن هذا السؤال، حيث أُلصقت عليها إعلانات لبعض الدورات لتعلّم اللغة الروسية، التي يتقنها كبار الضباط. في هذا الإطار، يعتقد البعض أن روسيا قد تكون أبرز المستفيدين من الأعمال التجارية. وغالباً ما يتساءل السوريون عن الدور الذي ستلعبه موسكو في بلادهم، بعد توقف هدير الأسلحة.
التقينا في المطاعم رجالاً يتحدثون الروسية من ذوي الشعر القصير والعضلات المفتولة. ولكن في دمشق، لا توجد حواجز تفتيش يحرسها جنود فلاديمير بوتين. عموماً، وبغض النظر عن عجزنا عن معاينة الوجود الروسي العسكري في المدن بشكل مباشر، ساهم الحضور الروسي منذ بداية شهر سبتمبر/أيلول سنة 2015، في تغيير مسار الحرب جذرياً.
"معاً نواصل الطريق"، كُتبت هذه العبارات على ملصق كبير تحت صورة الرئيس بشار الأسد. ويعتقد العديد من سكان دمشق أنه، ومنذ استعادة أحياء المعارضة بحلب من قِبل القوات الموالية للحكومة في ديسمبر/كانون الأول سنة 2016، تحوّل ميزان القوى بشكل واضح لصالح النظام.
وقد كان دخول الجيش السوري، في سبتمبر/أيلول إلى دير الزور، وسقوط المدينة من أيدي تنظيم الدولة، من بين العمليات التي لعبت لصالح معسكر السلطة، الذي يعتقد أنصاره أن "البلاد في طريقها إلى النصر".
في هذا الإطار، صرح أحد الذين شاركوا في حركة "ربيع دمشق"، التي دعت لإصلاحات سياسية هامة مطلع سنة 2000، بأن عودة النظام أمر واقع لا مفر منه.
حالة من الاستياء الراسخ
على غرار الكثير من السوريين، يتطلع هذا الرجل، الذي أبى الكشف عن هويته الحقيقة، بدوره، إلى وقف العداوة، كما يشاركهم الإحساس بالإنهاك بعد سنوات من العنف والحرمان.
ما زالت الحرب لم تنتهِ بعد، حيث ما فتئت تعصف بشراسة في المناطق الشمالية والشرقية. علاوة على ذلك، لا تزال جبهات نزاع أخرى نشطة في مناطق أخرى من البلاد، علماً أن شدة الصراع بدأت تتراجع بشكل ملحوظ. من جهتها، ذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مؤخراً أن شهر سبتمبر/أيلول كان الأكثر فتكاً بالأرواح منذ نهاية معركة حلب.
فقد بات الأمر كما لو كانت البلاد، والحرب الدائرة فيها، تمران بمرحلة انتقالية، لا نعلم إلى متى ستستمر؟
وصل الصراع في سوريا إلى درجة من التعقيد غير المسبوق، حيث أخذت الأطراف الأجنبية تتورط أكثر فيه بشكل تدريجي، في الوقت الذي يتم فيه التباحث بشأن الوصول إلى اتفاق دولي لإيقاف إطلاق النار.
في هذا السياق، أفادت مديرة إحدى الشركات، وتدعى سونيا خاندجي، بأنه "حتى وإن وقع التوصل إلى اتفاق، فستظل القلوب مليئة بمشاعر الاستياء".
وأضافت أنه "يجب الجلوس إلى طاولة الحوار والتحدث. وفي حين أن طرفاً قد أعلن فوزه، ألا وهو التابع للسلطة، يأبى الطرف الآخر الاعتراف بالهزيمة بعد. فكيف يمكن أن يحل السلام في سوريا؟".
من جهته، أقر المشارك السابق فيما يعرف بـ"ربيع دمشق" بأن "النظام موقن بأنه في موقف المنتصر؛ لذلك سيكون من الصعب جداً أن يبادر بتقديم تنازلات".
في الوقت نفسه، أكد بعض الأهالي أنهم قد دفعوا ثمناً باهظاً في خضم موجة العنف التي عصفت بالبلاد خلال السنوات الست الماضية، فيما أعرب البعض الآخر عن عدم ارتياحهم إزاء الفساد، الذي تنامى في ظل الحرب ووطأة ضربات الميليشيات الموالية للنظام… وفي خطاب ألقاه خلال شهر يونيو/حزيران، عمل بشار الأسد على التذكير بأهمية النظام، متحدثاً عن حق عبور القوافل، مع العلم أن الطرق مغلقة… لكن لم يعد هناك حاجة إلى ذلك. ولسائل أن يسأل، كيف ستتراجع الميليشيات إلى مراكزها؟
كثيراً ما تم تكرار كلمة "المصالحة" في الخطاب الرسمي، في إشارة إلى دعوة الثوار والمتعاطفين معهم إلى العودة من جديد لحضن الدولة، عقب الاتفاقيات التي تم توقيعها، والتي تعتبرها المعارضة بمثابة الاستسلام القسري. في الأثناء، يجب أن تعترف تلك الجهات بأنها "سقطت في فخ يهدف إلى تدمير سوريا"، وفقاً للصيغة التي اتخذها الموالون للنظام.
ولكن، كم من الوقت سيستغرق هذا الاستياء حتى يتلاشى؟ في الأثناء، سيتعين على المقاتلين السابقين داخل معاقل الثوار السابقة أن يتقنوا لغة العيش دون أسلحة ودون السلطة التي يطمحون إليها.
"نريد أن نحافظ على دولتنا؟"
كيف يمكن لمجتمع ممزق، مع عدد لا يحصى من المفقودين والقتلى، أن يكون قادراً على إعادة بناء نفسه؟ وكيف ستتمكن أسر الضحايا من تضميد جراحهم؟ وكيف سيتم اجتياز حالة الاستياء، والكراهية، والغفران، والصمت؟
من جهتها، أفادت "أولي"، التي قُتل زوجها المنتمي إلى ميليشيات موالية للنظام في إحدى المعارك، بأن "الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً، لكننا سنعود إلى التعايش تدريجياً بعضنا مع بعض". من جانبها، أوضحت شخصية من النخبة المثقفة، بأسلوب يبعث على التشاؤم، أن "الحرب زادت من حدة الانقسامات بصلب المجتمع. وفي سوريا، تحديداً ما قبل الحرب، كانت الدولة القوية تضع حداً للخلافات [الطائفية] بين المجتمعات. وكلما تم إضعاف هذه الاختلافات، أضحت مكشوفة أكثر. إضافة إلى ذلك، من الصعب أن تنسى بعض الأحداث في المناطق التي ارتُكبت فيها جرائم قتل من منطلق طائفي بين الجيران".
علنيا، ما زالت المسألة الطائفية أمراً مسكوتاً عنه. فعندما يتجرأ أحد النخب على فتح هذا الموضوع خلال مقابلة ما، يعتذر مباشرة عن ذلك. وتعتقد إحدى السيدات أنه، وفيما يتعلق بهذه الانقسامات، أنه لا بد من "إعادة توزيع الثروة بين جميع الطبقات الاجتماعية"؛ في محاولة منها لإظهار إيمانها بالمستقبل.
كما ذكر المصدر ذاته أنه "في سوريا، على غرار أماكن أخرى، كانت تنتشر قبل الحرب ظاهرة المحسوبية وسوء التنمية. ونحن نعي ذلك جيداً، ولكننا في الوقت نفسه نريد أن نحافظ على دولتنا".
من حوارٍ إلى أخرى، عملنا على أن نركز على الفوارق الدقيقة، في حين عرضنا بعض التلميحات جوفاء. ففي سوريا، يدعم البعض النظام؛ نظراً إلى أن مشكلتهم تتلخص في البقاء على قيد الحياة، وهناك من لا يزال مخلِصاً له.
في المقابل، ينظر البعض الآخر إلى الدولة على أنها وسيلة لتجنب الوقوع في كارثة أكبر، في حين نجد طرفاً ثالثاً ينتقد النظام بشكل خاص، إلا أنه في الوقت ذاته يكنّ كرهاً شديداً للفصائل المتمردة المناهضة للأسد.
ولتبرير ذلك، يستشهدون بسلسلة كاملة من الحجج، التي تحيل إلى "عسكرة" حركة التمرد، وثقل التيارات الإسلامية، وتعصب الجهاديين، وتدخّل البلدان الأجنبية، والتهديدات بشأن تقسيم البلاد.