كيف تحاول البحرين اليائسة إرضاء الإماراتيين والسعوديين؟ طرح البريطاني بيل لو هذا السؤال، وهو صحفي مخضرم يعمل في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" منذ العام 1995، وقام بتغطيات وثورات الربيع العربي لصالح الشبكة البريطانية.
وأشار بيل لو في مقال نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، الجمعة 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، إلى ما فعلته البحرين داخلياً من أجل السعوديين والإماراتيين، ومساندتهما في عدائهما لقطر، لا سيما في طريقة تعاملها مع زعيم المعارضة الرئيسي.
وقال بيل لو، إن السلطات البحرينية اتهمت الشيخ علي سلمان، الأمين العام لحزب الوفاق، حزب المعارضة الرئيسي في البحرين، بـ"التجسس" و"التواطؤ مع العدو".
ويعتبر أن هذه القصة تكتسب صيغة سريالية "بالادعاء أن الشيخ سلمان تواطأ مع رئيس وزراء قطر آنذاك ووزير الخارجية حامد بن جاسم آل ثاني للقيام بأعمال عدوانية". مشيراً إلى ما قاله المدعي العام البحريني، بأن ذلك التواطؤ بدأ في العام 2010.
كما تزعم البحرين أن قطر قدمت أموالاً إلى الوفاق "لتنفيذ مؤامرة إرهابية استهدفت ضابطي شرطة سنة 2015، وكان ذلك بعد مرور أكثر من سنتين على ترك حمد بن جاسم لمنصبه".
التصرف وفقاً للحصانة
ويقول كاتب المقال إنه التقى للمرة الأولى الشيخ سلمان، في فبراير/شباط 2012، في مقر الوفاق الذي تم إيقافه الآن، والذي حُظر سنة 2016. وقال إن "سلمان كان يتحدث بعناية ومنهجية وبلهجة موزونة، تصر طوال الوقت على أن منظمته سلمية، وأنه يريد الحوار مع الحكومة".
وقال إن منظمة الوفاق تبذل كل ما في وسعها للسيطرة على أعمال الشغب الليلية التي هزت العاصمة المنامة والعديد من البلدات والقرى النائية.
ودعا الحكومة وقواتها الأمنية إلى التوقف عن التصرف وفقاً للحصانة التي يملكونها. ونفى بشدة الادعاء بأنه أو جماعته يتصرفون بناء على طلب من إيران.
توقف الشيخ سلمان من وقت لآخر ليرتشف من كوب ماء. وفي نهاية المقابلة، اعتذر عن كونه متعباً، كان الأمر مفهوماً. فقد استهدف منزله كما أخبرني في الليلة السابقة، وليس لأول مرة من قبل قوات الشرطة باستخدام الغاز المسيل للدموع.
ويشير الصحفي بيل لو إلى أن اللقاء أجري على وجه التحديد تقريباً بعد سنة واحدة من اليوم الذي سحبت فيه الوفاق أعضاءها الـ18 من البرلمان، احتجاجاً على القمع الذي مارسته قوات الشرطة والأمن ضد المتظاهرين السلميين في دوار اللؤلؤة في المنامة، في فبراير/شباط 2011.
ورداً على سؤال الصحفي البريطاني عن المقاطعة، قال الشيخ سلمان إنه "إذا ظلت الوفاق في البرلمان، فإنها ستضفي الشرعية على الإجراءات التي تتخذها الحكومة والأسرة السنية الحاكمة ضد المتظاهرين وأغلبية السكان الشيعة".
الحوار السلمي
بعد عام من تلك الحادثة، أجرى بيل لو حواراً مع سلمان في لندن، في قناة البي بي سي. وقال: "لقد كان رصيناً وحازماً كالعادة، بالرغم من أن الصراع أصبح مستعصياً على الحل".
ودعا مجدداً إلى حوار سلمي مع إدانة العنف من كلا الجانبين، ونفى مرة أخرى الاتهامات الموجهة له، التي تزعم أنه رجل جبهة يعمل لصالح إيران في محاولة لزعزعة استقرار البحرين.
وواصل الشيخ سلمان، وعكس رغبة بعض كبار أعضاء جماعة الوفاق، مقاطعة الانتخابات البرلمانية سنة 2014، وهو قرار أدركوا متأخرين أنه كان خطأً سياسياً.
وبدأت مجموعة من النواب بالموافقة تلقائياً على "الإجراءات الخبيثة" التي بدأت في تحويل البحرين إلى دولة بوليسية بالكامل، وفقاً للصحفي البريطاني.
وفي أكتوبر/تشرين الأول سنة 2014، عقب قرار الجماعة مقاطعة الانتخابات، حظرت الوفاق لمدة ثلاثة أشهر، وهي لقطة تحذيرية أعلنت أن الأسوأ قادم. وبعد بضعة أسابيع اعتقل الشيخ سلمان. وفي يوليو/تموز 2015، حكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات بعد إدانته بـ"التحريض على الكراهية، وتعزيز العصيان وإهانة المؤسسات العامة".
وفي يونيو/حزيران التالي، رفعت محكمة الاستئناف الحكم بالسجن إلى أكثر من الضعف، إلى تسع سنوات. وفي نفس الوقت تقريباً، احتجز الزعيم الروحي لحزب الوفاق والجماعة الشيعية في البحرين الشيخ عيسى قاسم، قيد الإقامة الجبرية وجُرد من جنسيته. تم انفضت الوفاق، في يوليو/تموز 2016.
وذكر بيل ليو: "الآن علمنا أن الشيخ سلمان اتهم بشكل رجعي بالتواطؤ مع العدو في عام 2011، في محاولة للإطاحة بالحكومة البحرينية".
لماذا قطر؟
يقول الصحفي البريطاني إن البحرين جزء مما يسمى باللجنة الرباعية –التي تضم مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة- التي فرضت، في يونيو/حزيران الماضي، حصاراً برياً وبحرياً وجوياً على قطر، عضو مجلس التعاون الخليجي، على أساس كونها مصدراً لتمويل الإرهاب.
ويعتبر الصحفي أن هذه "تهمة يمكن توجيهها كذلك إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة".
ويضيف: "في الواقع، غطّت تهمة تمويل الإرهاب على غضب الإماراتيين من دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين، واستياء السعوديين القديم من شبكة الجزيرة التي تمولها قطر".
وتوقعت اللجنة الرباعية، التي تقودها السعودية والإمارات، أن تنهار قطر سريعاً. وهو ما لم يحدث. كما لم ينضم أي بلد ذي شأن إلى الدول الأربع في حصارها الدبلوماسي والاقتصادي.
وبحسب الصحفي البريطاني "تبدو الحملة ضد قطر على نحو متزايد على أنها لعبة دعاية حمقاء نُفذت بناءً على طلب ولي عهد أبو ظبي الأمير محمد بن زايد، ونظيره السعودي محمد بن سلمان. المثير للسخرية بشكل كبير، هو بالطبع، أن المستفيد الوحيد في هذا العداء غير الضروري هو إيران، التي شاهدت تمزق دول مجلس التعاون الخليجي، دون الحاجة إلى تحريك ساكن".
واعتبر الكاتب أن "البحرينيين الذين ذهبوا مؤخراً صاغرين إلى السعوديين والإماراتيين لمزيد من المال لدعم اقتصادهم المتعثر، رتبوا معاً بسهولة قضية تجعل زعيم المعارضة الرئيسي في مؤامرة مع قطر في اتفاقية مقايضة تقليدية".
ويضيف: "الأمر غير مستساغ. فكرة تواطؤ رجل دين شيعي بارز مع العائلة السلفية الحاكمة في قطر ضد البحرين، مثيرة للسخرية. وهو مقياس لمدى سوء حملة اللجنة الرباعية، ومقياس لمدى يأس البحرين لإرضاء الإماراتيين والسعوديين. وأخيراً هو مقياس للطبيعة الانتقامية والشرسة لنظام وعائلة حاكمة قامت بشكل منهجي ببناء دولة بوليسية في البحرين، حيث يعيش سكانها من الشيعة في خوف دائم".