واحد على اثنين

لا أريد التحدث عن "واحد" هذه المرة، أقصد هذه الليلة، أردت التحدث عن "اثنين"، وهما الجماعة التي تراك مختلفاً وترى نفسها كفردة حذاء مماثلة لقرينتها، وتنسى أن في التماثل أحياناً ربما اختلافاً.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/18 الساعة 03:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/18 الساعة 03:23 بتوقيت غرينتش

ليس الفكرة فيما مضى من حروف اللغة السابقة، وإنما كيف تشكل هذه الحروف، فقد أردت أن أخبرك سيدي أنني لمدة ثلاثة أعوام أردت كتابة فكرة؛ فكرة تنقلني أنا أيضاً من مكاني السلميّ الروحيّ النفسيّ الحياتيّ إلى ذروة العالم وأعلى قممه.

ولكن أفكاري وقفت كما يقال كوقفةِ كل الصينيين وقفوا جميعاً يداً بيد واستطاعوا بوقفتهم جميعاً لفّ الأرض وإكمال الحلقة وبالفعل اكتملت حلقتي "أقصد أفكاري" وصلبها ومنبعها وماء رأسها كله واحد، كأنه حلمٌ يراودك كل ليلة، ويرمي بك إلى نفس البقعة.

والغريب أن أفكاري تجمعت فيما عجز البشر عن أن يجتمعوا عليه، أو حتى يعترفوا به إلى الآن، ألا وهو الاختلاف بكل ما يمكن للعقل البشري أن يتصور له من تصاميم وأشكال وألوان وجلود وجودة.

ولكن ليلتي الفائتة أيضاً كغيرها من الليالي التي تفارقني كعشيقةٍ تخون زوجها في الليل، وتُسرع عند طلوع الفجر لإخلاء سريره هاربةً منه، وربما من نفسها إلى العمل في النهار.

وما يستهويني الآن هو حاجتي لقول كلمة، لكن وليس حاجتي إلى الليل؛ لذلك سأعيدها على مسامعك سيدي.

"لكن" في هذه الليلة راودني الحلم نفسه بطريقة مختلفة أو لربما بطريقة رأيت فيها حالات كثيرة صارت تعطيني فكرة أنني رأيتُ كل شيء، فقد اكتفيت من سماع الطرف الذي لا أعرف في هذه اللحظة ما أسميه، ربما الحق، وربما الضعيف.

ودعني أطلق عليه واحداً أو الوحيد أو الذي أحس نفسه وحيداً فجعلته الحياة ينظر في مرآة محكمة الحياة، ثم رأى نفسه وراء القفص محكوماً عليه بتهمة "الاختلاف"، أجل هو مختلف عن جماعة تشابهت في تركيب الكثير من الوجوه اليومية، حتى صارت تظن أنها متماثلة، وحكمت على أي أحد لا يتبعها بالشنق حتى الاختفاء.

لا أريد التحدث عن "واحد" هذه المرة، أقصد هذه الليلة، أردت التحدث عن "اثنين"، وهما الجماعة التي تراك مختلفاً وترى نفسها كفردة حذاء مماثلة لقرينتها، وتنسى أن في التماثل أحياناً ربما اختلافاً.

أردت أن أدير كأس قهوتي هذه المرة لزاوية جديدة، زاوية تريني لوحة لطالما أردت السير في أحداثها، عندما يجتمع اثنان على واحدٍ يلبس أي شكل من أشكال الاختلاف؛ ليسميه كل العابرين والمارين بـ"واحد" ربما امراة، مسن، طفل، ذي حاجة جسدية أم نفسية، مريض إيدز أم سرطان أم أي مرض يهرب الناس بمجرد سماع اسمه في أي زمن من الأزمان، شاعر جاء بقصيدة جديدة، موسيقى ألف نوتة تخالف نظائرها، عالم، إنسان عاش بجسد فتاة وعقل رجل، فيلم يسلط النور على فكرة محذورة سابقاً وفكرة حُكم عليها أن تبقى طائرة وهلم جراً من تلك الأشكال التي فقط أيقنت لها أذني أو عيني وليس لمجرد انتهائها، فالاختلاف أفعى تغير جلدها كلما أثقل كاهلها.

دعني أعيدك إلى تلك اللوحة الصامتة التي تتكرر بمجرد العبور عنك أو السماع بقصتك أو كشفك للعيان حينها يعطي "اثنان" رأيه فيك، بحسب كل ما لديهما من أفكار أو معلومات، وكثيرٌ منهم لا يمتلكون من المعلومات إلا أفكاراً فارغة بكل ما للكلمة من معنى تعود لنطاق تربيته، أو ما ألف وجوده، أو لنطاق خياله المحدود نسبياً إلى حد بعيد، ولنقسم اثنين إلى ثلاث مجموعات: منهم يلقي كلمات لا يعود ليراجعها في ليله مطلقاً، ومنهم من يعود إليها فيشعر بوخزة ضمير لا يستدعي نفسه ليغير شيئاً، ليس فيما مضى وإنما فيما سيأتي من حالات مشابهة، وهاتان الحالتان تعتبر حالة واحدة، جلاد ألقى حكمه ومضى دونما أن يفكر في كلمات الدفاع من مسوغات ومبررات ودلائل، وحتى وإن فكر يلعب مع نفسه لعبة القطة والفأر، وفي نهايتها يقنع نفسه أنه الفأر الذي لا يستطيع فعل أي شيءٍ حيال فرسٍ مجروحة ملقاة بجانبه ويمضي في الحالتين.

والقسم الآخر الذي يعلم ولكن لا يتصور، فيلقي كلمات ظاهرها الشفقة وباطنها سكين تقطع كل ما فيك من شرايين وقنوات وأوردة مترابطة وتبقيك أشلاءً مطروحة، والقسم الأخير الذي يكتب الآن! هو أنا!

نعم أنا يا سيدي لا تتفاجأ وغيري كثير ممن يرون حالات اختلاف كثيرة، فيجمعون معلومات عنهم جميعاً والرابط المشابه بينهم هو ذاك الذي جعلهم مختلفين، أو لربما الذي دفعني للكتابة التشابه في شعوري معكم، فاختلطت مشاعري لدرجة أن الشعرة بين الحق والباطل قد قطعت ولم أعد أستطيع التحديد هل أنا في اللوحة أم مجرد سارد قصتها؟ هل أنا المجرم أم البريء؟ أم أنا على المسرح أم أختبئ بين الجمهور؟ أأنا مستذئب ومصاص دماء أم بشري؟ أأنا الصورة أم الكتابة؟ أئذا أن هذا القسم هو في الأصل منهم أم هو مدافعٌ فقط؟

فوجدت أن هذا القسم هو منهم في الحالتين، فإما أن يختار الاعتراف لنفسه هو فقط وإما أن يجهر بالصوت المرتفع على ملئهم جميعاً "أجل أنا مختلف"، ولو سألوني عن تهمتي سأقول: "أنا الذي تربيت على أن أكون اثنين للعيان وواحداً لنفسي لكون أفكاري الطائرة أرادت الهبوط في أكثر المطارات احتداماً وأزمة، فشاهدت مدى سخف الكثير من نظائرها، وإلى أي حد تستطيع تلك الأفكار أن تصل، هل ستستطيع الخروج من المطار بأمان؟ فالهبوط الآمن أحياناً يكون صعوداً لو قلبنا الصفحة!".

وأنت يا سيدي نفسك التي تحدد إلى أي قسم ستنسب، فالاختلاف ليس الصور التي صورتها سابقاً، الاختلاف في كل ذرة دم وضعها خالقنا فيك من أخمص قدميك وحتى أعلى رأسك؛ لذلك كل ما عليك فعله هو أن تقول حتى لمرآتك كل صباح "أنا مختلف" وترمي بغراب اثنين بعيداً وتتصارع معه صراع البقاء وتستمر الحياة؛ لتكون واحداً على اثنين!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد