أعلنت القوات العراقية، الجمعة 17 نوفمبر/تشرين الثاني، فرض كامل سيطرتها على راوة آخر البلدات التي كانت خاضعة لتنظيم الدولة الإسلامية في البلاد غرباً بمحاذاة الحدود مع سوريا، حيث يتعرض الجهاديون لهجوم في آخر أكبر معاقلهم.
وتعتبر راوة الواقعة في محافظة الأنبار الغربية، آخر منطقة كانت تتواجد فيها هيكلية حاكمة وعسكرية وإدارية للتنظيم المتطرف، لكن لا تزال هناك جيوب أخرى فرّ إليها عناصر التنظيم في المناطق المجاورة.
وبذلك، يكون تقلّص وجود التنظيم المتطرف الذي احتل في عام 2014 بعد هجوم واسع ما يقارب ثلث مساحة العراق ونحو نصف مساحة سوريا المجاورة وأعلن "الخلافة" منهما، الى أقل من 5% من تلك المساحة، بحسب التحالف الدولي ضد الجهاديين.
وبعد خسارة راوة، خسر التنظيم إذاً موطئ قدمه الثابت الأخير، لكنه يبقى قادراً على شن هجمات على طريقة حرب العصابات من المناطق التي انكفأ إليها، كما كان الأمر عليه قبل عام 2013، وفق ما يقول خبراء.
وشرعت القوات العراقية في عمليات تطهير المناطق الصحراوية على طول الحدود مع سوريا لدحر آخر الجهاديين.
وقال المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العميد يحيى رسول: "عسكرياً انتهى التنظيم، لكننا سنستمر في ملاحقة ما تبقى من الفلول وننهي تواجدهم".
وقبل أسبوعين تماماً، استعادت القوات العراقية مدينة القائم المجاورة، قلب المعقل الصحراوي لتنظيم الدولة الإسلامية، من دون مقاومة تذكر تقريباً.
ويؤكد مسؤولون عسكريون ومحليون أن الجهاديين يفرون عموماً إلى سوريا قبيل وصول القوات العراقية التي أعلنت هذه المرة عن وصولها من الجهة المقابلة من نهر الفرات، من خلال دعوة السكان عبر مكبرات الصوت إلى رفع الأعلام البيضاء، والجهاديين عبر موجات الراديو إلى الاستسلام.
وأعلنت قيادة العمليات المشتركة العراقية صباح الجمعة في بيان عن "انطلاق عمليات تحرير راوة" فجراً.
وبعد أقل من 3 ساعات، أصدرت بياناً ثانياً أشارت فيه إلى أن القوات العراقية "حررت قضاء راوة بالكامل ورفعت العلم العراقي فوق مبانيه"، على بعد 350 كيلومتراً غرب بغداد.
وقال قائد الفرقة السابعة في الجيش اللواء الركن نومان عبد الزوبعي لوكالة فرانس برس إن القوات "تقوم بعمليات تطهير المدينة من تنظيم داعش الإرهابي، ورفع المخلفات الحربية من الألغام والعبوات الناسفة".
تأمين الصحراء
على الجانب الآخر من الحدود، تقع مدينة البوكمال التي تشكل آخر معقل مهم لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا في محافظة دير الزور الغنية بالنفط.
وكان الجيش السوري أعلن استعادة كامل المدينة الأسبوع الماضي، إلا أن التنظيم المتطرف شن هجوماً مضاداً واستعاد السيطرة عليها.
وفي موسكو، أكدت وزارة الدفاع الروسية أن 6 طائرات مقاتلة انطلقت من روسيا ونفذت ضربات على مواقع التنظيم المتطرف حول البوكمال.
وفي ما يُعد دليلاً على قدرة فلول التنظيم على تنفيذ هجمات والتسبب بخسائر بشرية رغم هزائمه العسكرية، أفاد المرصد السوري بأن التنظيم فجر عربة مفخخة في تجمّع للنازحين في محافظة دير الزور أودت بـ26 شخصاً عند نقطة تفتيش. وقال إن 12 طفلاً بين ضحايا الهجوم.
ويسيطر الجهاديون على قرابة 25% من محافظة دير الزور السورية، إضافة إلى بعض الجيوب في محافظتي حماة ودمشق، وفي جنوب البلاد.
وتسعى القوات العراقية والسورية على جانبي الحدود الى تضييق الخناق على تنظيم الدولة الإسلامية في آخر مربع له في وادي الفرات الصحراوي الذي يمتد من دير الزور إلى راوة.
لكن ذلك لا يعني القضاء على القدرة العملانية للتنظيم وثنيه عن القيام بعمليات خاطفة ودامية، كما كان عليه الأمر قبل عام 2013.
ويقول المحلل الأمني هشام الهاشمي، الخبير في شؤون التنظيمات الإسلامية المتطرفة، لوكالة فرانس برس إن "ما يتم تحريره هو فقط الوحدات الإدارية المأهولة بالسكان".
وأضاف أنه بعد استعادة راوة "تبقى الوديان والجزر والصحارى والبوادي التي تشكل 4% من مساحة العراق ولا تزال تحت سلطة داعش".
وأمام التقدم السريع للقوات العراقية في المناطق الصحراوية، تُسجل حالات فرار في صفوف عناصر التنظيم المتطرف.
وكان المتحدث باسم التحالف الدولي الكولونيل راين ديلون أكد لفرانس برس أن "قيادات داعش تترك أتباعها للموت أو للقبض عليهم في تلك المناطق". لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن العناصر الذين يتمكنون من الفرار "يختبئون في صحراء" وادي الفرات الأوسط التي كانت على مدى سنوات خلت معبراً للتهريب ودخول الجهاديين وغيرهم من المقاتلين المتطرفين.
وفي هذا السياق، ومن تلك المناطق الصحراوية أو الجيوب الخارجة عن سيطرة القوات العراقية "سيسعى الدواعش إلى شن هجمات لزعزعة استقرار السلطات المحلية، ومواصلة العمليات الخارجية والإعلامية، سواء من خلال التخطيط لها أو إلهام مهاجمين في الخارج، للحفاظ على غطاء من الشرعية"، وفق ديلون.
ويرى الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس كريم بيطار أن القوات العراقية أتمت مهمة صعبة، معتبراً أن "وهم الخلافة الذي كان قادراً على محو الحدود التي فرضها اتفاق سايكس-بيكو، أوشك على نهايته".