على مدار سنوات طويلة، سألت نفسي سؤالاً متكرراً: هل يقود العالم بالفعل حرباً على الإسلام؟!
لم تتغير الإجابة من قبل، كما لم تتغير الآن، ولكن التفسيرات تغيرت بمرور الوقت، فقديماً كنت أؤمن أن العالم يخوض حرباً على الإسلام، فقط "ليطفئوا نور الله بأفواههم"، ولكن عندما ازدادت معرفتي واطلاعي على الثقافات والحضارات الأخرى تغيّرت الإجابة كلياً.
حقيقة.. لا يأبه معظم الساسة والعامة في العالم، وخاصة في الغرب، لما تعتقده أو تتبعه من أفكار ومعتقدات دينية، فالعالم لا يحارب اليهودية أو المسيحية أو البوذية أو الهندوسية أو غيرها، ولكنك تعتقد أنهم يحاربون الإسلام فقط دوناً عن غيره، وذلك نظراً لبعض الشواهد التي تدعم نظرية المؤامرة لديك، خاصة إذا ما نظرت لها بصورة عامة ووضعت جميع الشواهد بجانب بعضها البعض.
ولكي يكون حديثنا موضوعياً علينا أن نفرق بين أنواع التمييز والكراهية وأسبابها، التي سنلخّصها في النقاط التالية:
النقطة الأولى هي عبارة عن ممارسات فردية عنصرية تصدر من أشخاص تجاه المسلمين بصورة تبدأ بنظرة عنصرية ربما تصادفها في دولة مثل ألمانيا أو فرنسا، أو معاملة تقوم على التمييز العنصري، وربما تأتي من خلال تصريحات أكثر تطرفاً مثلما نقل على لسان السيناتور الأميركي جون ماكين في أحد التصريحات عام 2008، قال فيها: "لو كان الأمر بيدي لهدمت الكعبة"، أو تصريحات النائب الهولندي المتطرف جيرت فيلدرز المستمرة تجاه الإسلام، أو القس الأميركي الإنجيلي تيري جونز الذي قام بحرق القرآن.
الخلاصة أننا لا نستطيع أن ندعم نظرية المؤامرة من خلال أفعال أو أقوال فردية، لا تعبر عن سياسات عامة، فلو نظرنا بنفس المنطق سنجد العشرات من العامة في مجتمعنا يطالبون بحرق المسيحيين أو اليهود أو الانتقام من البوذيين قاتلي الروهينغا.. إلخ، فهل ذلك يعني أننا نقود حرباً تجاه هذه الطوائف؟!
النقطة الثانية هي ممارسات مجتمعية عنصرية ناتجة عن عداء مجتمعي تجاه المسلمين، كالكتل اليمينية المتطرفة في دول كفرنسا وألمانيا وغيرها، التي تخشى من طمس الهوية الأصلية للبلاد واستبدالها بالهوية الإسلامية التي لا تنتمي لثقافتهم، وذلك على يد مجموعة من المهاجرين معظمهم من دول عربية وإسلامية، وحقيقة وبالرغم من اختلافي مع هذه الطوائف في طريقها تعاملها، فإنني أتفهم تخوفاتهم، فالمسلمون حول العالم من أكثر الطوائف سعياً لطمس هوية الغير، ولكي نكون أكثر إنصافاً دعني أسألك سؤالاً: ماذا ستفعل إذا ما هاجر إلى بلادك أناس من إفريقيا أو أوروبا وحاولوا طمس هويتك وعاداتك وثقافتك؟ هل سترحب بهم؟!
إن الأمر لم يتوقف على محاولات نشر الدعوة والدين الإسلامي بصورة ممنهجة، والتي لا أجد ضرراً فيها، بل وصل الأمر بالبعض إلى محاولة فرض أيديولوجيته بالقوة على الغير، لنجد عدداً من الحوادث تتحدث عن إطلاق نار عشوائي من قِبل أحد المسلمين على مرتادي أحد الملاهي الليلة، وذلك بحجة أنهم فسقة وكفار.. إلخ، وآخرين يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية هناك! لذلك من الطبيعي أن يتسبب ذلك في رفع معدلات الكراهية والاحتقان تجاه المسلمين في هذه المجتمعات، صحيح أن ذلك لا يبرر العنصرية، ولكنه سبب رئيسي في زيادة معدلاتها.
إن معظم العوام لا يقرأون ولا يفهمون طبيعة الإسلام وتعاليمه بصورة دقيقة، ولكنهم يأخذون بما يشاهدونه بأم أعينهم من أعمال إرهاب وقتل، ولا يشاهدون هذه الأفعال من الديانات الأخرى، فلم نجد يوماً يهودياً أو بوذياً أو سيخياً قام بتفجير نفسه أو بدهس عشرات المواطنين الأبرياء دون سبب، ولو حدث ستكون حالة مقابل مئات الحالات الأخرى التي يقوم بها المسلمون، كل هذا نتج عنه قناعات أفرزت الكراهية الفردية لدى بعض المسؤولين، فالمسؤولون ما هم إلا جزء من المجتمع، ومن الطبيعي أن تصل بعض هذه الطوائف إلى مراكز صنع القرار مثلما حدث مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولكن هذا لا يمنع أن السياسات العامة في الدول المتحضرة والديمقراطية لا تحركها الأهواء الفردية أو الشخصية.
ولو تحدثنا عن الكراهية المجتمعية سنجد أننا أكثر مَن يعاني منها، ويكفينا أن نذكر أننا في معظم خُطب الجمعة ندعو على اليهود والمسيحيين بالهلاك بصورة شبه ممنهجة، فهل هذا يعني أننا نخوض حرباً على المسيحية؟!
دعونا ننتقل ونتحدث عن النقطة الثالثة وهي الحكومات ودوائر صنع القرار في العالم وكيفية تعاملها مع الإسلام والمسلمين.
حقيقة أنا لا أجد في تعامل هذه الجهات في العموم سيئاً، بل على العكس ربما يعاملوننا بأفضل ما تعاملنا به حكوماتنا، صحيح أن إجراءات التفتيش ودخول البلاد صارم ويقوم على أساس التمييز الديني في بعض الحالات، ولكن -وبالرغم من معارضتي لذلك- أتفهم هذه التعقيدات، في ظل وجود مفاهيم مختلطة لدى العديد من المسلمين تؤيد العنف وانتهاج المنهج الداعشي أو المتطرف بشكل عام، فلو نبذ عموم المسلمين العنف لزالت هذه التفرقة بالتأكيد، دعونا نضرب مثالاً ببلداننا، فعندما تتوتر علاقات إحدى الدول العربية بدولة عربية أخرى، تزداد الاضطرابات والمعاملة السيئة التي تصل إلى حد الترحيل والطرد من البلاد، مثلما حدث مع اليمنيين بعد حرب الخليج رداً على موقف اليمن الداعم لصدام حسين، في حين أننا لا نجد مثل هذه المعاملة في الدول الغربية باستثناء قرارات ترامب المتعلقة بحظر السفر لعدد من البلدان، وهي القرارات التي لا تزال تجد معارضة كبيرة في الداخل الأميركي وصداماً مع عدد من المحاكم هناك.
الخلاصة: أنه على مر العصور فإن معاملة الحكومات تتغير مع رعايا الدول الأخرى لأسباب سياسية وأمنية، وبالرغم من رفضي لهذا الأسلوب، فإننا لو قارنا أفعال الغرب تجاهنا بأفعالنا، لكنا نحن في المرتبة الأسوأ، ربما يقول قائل: حكوماتنا تعامل الأجانب أفضل من معاملتها لمواطنيها، فأقول لهم: ذلك خوفاً من الحكومات الغربية، ولكننا لا نتعامل بالمثل مع الدول الأدنى منزلةً منا.
إن الحكومات الغربية التي ضغطت مراراً على الحكومات العربية لتغيير النصوص الدينية ومناهج الدراسة خاصة الدينية منها، لا تهدف إلى تحريف الدين الإسلامي كما يظن البعض، وإنما تحاول أن تجد حلاً للنصوص التي تشجع على الكراهية وتدعو للقتل واستباحة دماء وأعراض الآخرين.
إن العالم لا يأبه كيف أو لمن تتعبد، أو بماذا تفكر طالما أنك لا تؤذي الآخرين بما تعتقده.
النقطة الأخيرة وهي الأهم، تكمن في محاربة الدول الغربية للإسلام السياسي، وإفشال محاولات إنشاء دولة أو أنظمة تستند إلى الدين الإسلام كمرجعية لها، فالسبب ببساطة هنا سياسي في المقام الأول.
إن وجود تكتل يسعى لإقامة دولة طائفية تضم ملياراً و400 مليون نسمة لخطر حقيقي على أي دولة في العالم، كما أن قيام دولة مستندة على دين تختلف تفسيراته ما بين الاعتدال والتسامح إلى القتل والسبي لأمر مرعب وخطير.
ربما ترى أنت أن الإسلام دين رحمة وتسامح، ولكن ضع نفسك مكان الآخر، فجميع تجاربك السابقة مع الأنظمة الدينية مليئة بالقتل والسبي والدمار، كيف تريد للعالم أن يدعم قيام دولة تؤيد قتل غير المسلمين، وتدعم سبي واغتصاب نسائهم، وترى في الآخرين قردة وخنازير، وأن المسلم لا يُقتل ولو قَتل كافراً؛ لأن دم المسلم أعلى مرتبة، إلى ما هنالك من نصوص ومعتقدات تجد صدى واسعاً لدى الكثيرين.
وأعود لأؤكد أن كل ما أقوله لا علاقة له بحقيقة الدين الإسلامي الذي يمتلك عشرات الطوائف والآراء المتباينة ما بين التسامح إلى الإرهاب، ولكنني أتحدث صراحة عن مخاوف الآخرين "المبررة" التي تدفعهم لمحاربة فكرة قيام دولة إسلامية.
عزيزي.. إن العالم أجمعه تخلص من فكرة الدولة الدينية، ولم يعد هناك من الديانات الأخرى سوى إسرائيل كدولة يهودية، وما زال العالم يعاني مما تسببت فيه هذه الدولة من الكثير من أعمال القتل والتهجير والتشريد لملايين من المواطنين الفلسطينيين والعرب، ستتساءل: لماذا لا يحاربون إسرائيل؟ ببساطة لأن إسرائيل أذكى من الباقين لقد نجحوا في إقناع العالم أنهم لا يمثلون خطراً عليهم، وأقاموا مصالح مشتركة وعلاقات معهم، واقتصر إرهابهم على طائفة واحدة وبقعة واحدة، بعكس ما قام به داعمو المشروع الإسلامي.
صدقني عزيزي المسلم، العالم لن يرحب بدولة بوذية أو مسيحية أو إسلامية، فقد عفا الزمن عن تلك المفاهيم التي ما زلنا نعيش فيها، فالعالم لا يحارب أدياناً، ولكنه يحارب سياسات تستند إلى مفاهيم تضر بمصلحتهم وتمثل خطراً عليهم، سواء كانت هذه الأيديولوجيا دينية أو غير دينية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.