مهما تعددت الأخطاء فالغفران أنت ** وما كان العشق في غيابك ممكنــا
الدفء والحنان والوصال أنــــت ** وما حزنك الثقيل علي هينـــــــــــا
رحلة الحب تنطلق من كهف البوح الصادق ونبضات القلب الصامت في بحر المشاعر بين مد العشق وجزر الألم.
الحب تلك النزعة العاطفية الغامرة الفوارة المليئة بالانفعالات الغريزية والمكتسبة كل يقسمه حسب ميوله: ميل، حب، فغرام وعشق، هذا النمو التدريجي إما أن يخلق حباً ضخماً شامخاً أو فشلاً ذريعاً مريراً.
جل الباحثين في مجال الهيام أجمعوا على اعتبار التجارب الأولى للعشق التي يمر بها الشخص في حياته من المحددات الأساسية في رسم المعالم الرئيسية للاستقرار النفسي وتحقيق الثبات العاطفي؛ ليغدو الشخص أبصر من شهوته.
هذه الأخيرة يمكن أن تتجسّد على شكل مشاعر إيجابية مليئة بالعطاء والتضحية تسبحُ بك في عالم الغزل أو سلبية مكتظة بالغدر والاكتئاب تقبع بك في قعر الحرمان.
يبقى الحب عاطفةً مركبةً قد تفرز هرمون الومق أو تحرر أنزيم الشجن، مما يجعل الحب بين قوسين؛ قوس يفتح لك أبواب الهناء والسعادة ونشوة فياضة، يمنحك الفرح والسرور، يخلد تجارب ناجحة جداً قام لها التاريخ وقعد كأريز وآفروديت، كليوباترا وأنطونيو، روميو وجوليت.. وقوس يتيه بك وسط البكاء بين الذكريات يعزلك عن المجتمع، يشعرك بالوحدة ويفقدك الثقة والأمان، يطمس قدرتك على الاستمتاع، يتململ بك على حافة الهاوية وينقلب لممارسة فعلية للانتقام ممن تعذر الانتقام منهم، إنها التجارب الفاشلة التي لم يعترف بها التاريخ ولم يخلدها، سواء في الشعر أو النثر.
ليس بالضرورة أن تكون جميع خيارات الحب خاضعة لمبدأ القوسين، ولكن هذا ما يحصل مع أغلب مَن ينساق بشكل عام مع عاطفته دون تحييد العقل ومسايرة الآخر، للخروج من دائرة الأنانية والنرجسية، والرسو على شاطئ التعايش والتسامح.
كيفما كان الحب فهو كفيل بأن يزعزع أركان قناعاتك وينقل إليك مشاعر اللذة والمتعة وكذا أحاسيس الإحباط واليأس، لذا وجب التعايش مع فصول الحب، فهو فارغ في الشتاء تتجمد فيه العواطف وتتهاطل فيه الانطباعات، وجميل في الربيع بمناخه المعتدل تتفتح الحياة ويفوح أريج الهوى، ثم يأتي الصيف لتلتهب الأنفس وتحترق بأشعة الوله وحرارة الشوق، فجأة تهب رياح التغيير الخريفية لتتساقط أوراق الوصب ويتساوى السهر والكمد.
الشمس والحب وجهان لعملة واحدة، عندما تغرب الشمس في مكان ما فالأكيد أنها تولد من جديد في مكان آخر لتشرق فيه، ومع أنها تقرر الرحيل كل يوم، إلا أنها تتمتع بوفاء فريد يدفعها لتعود وتشرق من جديد، وكذلك الحب.
إن أكبر التحديات صعوبة في الحياة هو رهان الحب وكيفية التعامل مع خلافاته واختلافاته، الرجال والنساء مثل اليين واليانغ هما طاقتان متضادتان غير أنهما متداخلتان وتحتاج كل واحدة للأخرى، فهي مكملة لها ومحفزة لطبيعتها.
حتى يستمر الحب لا بد أن تعشق الآخر كما عرفته ووقع اختيارك عليه في المرة الأولى، فكلما سعيت لمحاولات تعديله وتغييره على هواك فسينشب الجدال وتجرح المشاعر ويبدأ بشكل آلي اللوم والعتاب والشكوى والاتهام وتكثر المطالب، هذا لا يعني أن لا يقدم العشاق تنازلات ومحاولات تغيير، لكن يجب أن يكون الحب هو الدافع ويمنح صاحبه القابلية لتغيير ذاته بنفسه دون أي ضغوط أو شروط.
لم يفُت الأوان بعد لاستقبال الحب، هذا الزائر الذي يمتص عمق المشاعر ويحولها تدريجياً إلى سلوكيات تصلح للاستخدام عدة مرات، فما عليك إلا أن تحسن استغلالها وتقسمها إلى مشاعر العشق والصداقة، العطف والرحمة، الأُخوّة والأبوّة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.