الساعة الثامنة صباحاً، الهاتف يرن: رن..رن.. رن.
أجاب المُتصَل بِه، بصوت متثاقل: السلام عليكم.
رد المتصِل: وعليكم السلام، كيف حالك؟
أجابه: الحمد لله على ما يرام.
تساءل المتصل بصوت ساخر: ألا تزال نائماً (باقي ناعس – بالمغربي)؟
أجابه: كنت كذلك، قبل أن توقظني، المهم الحمد لله على نعمة النوم، فالنوم ما هو متوافر حالياً.
هذا الحوار التليفوني، يعد صيغة من بين الصيغ الرائجة والمتداولة بين عموم المغاربة في حواراتهم التليفونية؛ إذ تجدهم يتساءلون بنوع من الاستغراب " باقي ناعس؟"، وكأن هذا النائم المُهاتف مصيره أن يبقى مستيقظاً كلما لاحت لهذا المُهاتِف فكرة مُهاتفة هذا المهاتَف به.
كثيراً ما أتساءل بنوع من التفلسف، وهذا طبعاً حق مشروع بما أنني أحيا داخل هذا المجتمع، وأعرف جيداً معنى أن يجعل البعض من النوم حلاً لغيابه، بعدما لم يجد في مجتمعه شيئاً غير النوم ومسبباته وذاك على مختلف المستويات، ارتفاع معدلات البطالة، تدني الثقة في المؤسسات الحكومية، تدني الخدمات العمومية، تفشي الرشوة والمحسوبية.. إلخ.
غير أنني بهذا، لا أدعو إلى الكسل والخمول على الرغم من مسؤولية مسؤولي المجتمع وساسته، وأيضاً مواطنيه الذين ما زالوا يعتقدون أن ما يعيشونه من نوم على مختلف المستويات عائد إلى "المكتاب".
لنعد إلى النوم ونتغاضى عن حشر لغتنا في أمور الكل يعرفها، والكل يرى أن نتائجها ستكون غيبوبة تصاحبها هزات وارتجاجات لا يعلم بكوارثها إلا الله، خصوصاً أن النوم أضحى في بلداننا العربية سياسة، غير أن هذه السياسة بدأت تلقى مقاومة من طرف مواطني هذه البلدان، فالكل تقريباً هجره النوم الهنيء وأصبح الوضع ينذر بالخطر.
قد يعتقد البعض أن هذه الدول استشعرت الخطر على مستوى الصحة العامة، أو على اقتصادها الذي سيتضرر بسبب قلة نوم مواطنيها ما سيتسبب في خسائر اقتصادية شأن أميركا وبريطانيا واليابان.. غير أن هذا ليس ما أعنيه، بل أعني خطر أن يصبح هذا المواطن كائناً مفكراً، فالتفكير غالباً ما يؤدي بصاحبه إلى الأرق، خصوصاً إذا ما كان هذا الأرق مرتبطاً بالمستقبل، وهذا خوف هذه البلدان الأكبر، خوف يرى في هجران النوم لأجفان عدد كبير من مستهلكيها (بدل مصطلح مواطنيها) بداخل أراضيها عصياناً ينمو، وتياراً جارفاً يحبو في صمت، لكن إلى أين؟
يبقى جواب ذلك رهيناً بالوقت، ورهيناً بمدى القراءات التي سيتم تقديمها من قِبل الأمنيين استباقاً لشبح أزمات مرتقبة بطلها نوم هجر الأجفان.
وعلى وقع هذه التطورات، فإن من حق المرء أن يسأل عما إذا كانت عقاقير النوم المستوردة ومستلزمات هذا النوم من دعاية إعلامية هي الآلية الحاسمة لتوجيه أرق التفكير ليلاً في هذه البلدان إلى النوم، أم أن الأمر سيخرج عن السيطرة في السنوات القليلة القادمة؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.