عندما كنت في الـ13 من عمري في المدرسة الإسلامية، نصحت الشرطة مدرستي بالإغلاق 3 أيام في أعقاب 11 سبتمبر/أيلول 2001 خوفاً على التلاميذ من أي خطر في حال تعرض مبنى المدرسة لهجوم ما.
بهذه الكلمات، تروي فرح إلهي الباحثة والمحللة السياسية في مؤسسة Runnymede المستقلة لأبحاث ودراسات المساواة العرقية في مقال لها بصحيفة الغارديان البريطانية تجربتها الشخصية مع الإسلاموفوبيا.
تقول فرح إن الارتفاع الحاد في جرائم الكراهية واعتداءاتها على النساء والفتيات المسلمات بالذات أشار إلى أن الخطر بالفعل جسيم لا يستهان به؛ لكنني كنت مجرد طفلة آنذاك، ومن الصعب علي فهم السبب الذي يجعل الناس يربطون مجموعة تلاميذ مدارس بتلك الأحداث العالمية البعيدة عنا كل البعد.
تضيف قائلة: نشأت وترعرعت بشخصية خجولة جداً همها أن يرى فيها الآخرون الصلاح والطيبة، لكن تلك الطفلة "الصالحة" التي كنتها طيلة حياتي بدت كأنها تتعارض مع الاعتقادات السائدة بأن المسلمين أوباش ضالون مريبون وأن المسلمات بالذات مسلوبات الإرادة.
نظرتي لنفسي كانت متعارضة مع "نظرة الآخرين" لي؛ وبالتالي قضيت الـ16 عاماً الماضية في طرح تساؤلات وتفكير عميق في مسألتين: الأولى معنى أن يكون المرء "صالحاً"، والثانية هي المغالطات والأفكار الخاطئة العنصرية العديدة ضد المسلمين.
الاستخفاف بالإسلاموفوبيا
الصعوبة الأساسية هي في أن الإسلاموفوبيا نفسها ظاهرة يساء فهمها كثيراً، حسب فرح إلهي، فبدلاً من التركيز على الأذى الذي يتعرض له مسلمو بريطانيا، يستخف كثيرون بالإسلاموفوبيا ويردون عليها بالقول إنه من غير الممكن أن يكون المرء عنصرياً تجاه عقيدة من الأفكار، بيد أنه من الواضح طبعاً أن ثمة مجالاً ومساحة لانتقاد الأفكار.
ومعظم هذا الجدل يدور وسط المسلمين وبين جالياتهم نفسها. ولكن ذلك مختلف تماماً عن الطريقة التي يتم تصوير المسلمين بها والتي تحرمهم من فرصة التعبير عن هوياتهم بأنفسهم، فهذا يتعارض مع مبدأ حق عدم التعرض للتمييز والذي ينادي بأن نحكم على الناس من خلال سجاياهم الشخصية الفردية لا من خلال تنميطهم وتصنيفهم في فئات ظاهرية يُظن أنهم ينتمون إليها.
كذلك ثمة صعوبة أخرى هي أن ما يسمى بـ"المجتمع المسلم" يُصور على أنه مجمع متجانس يقع خارج نطاق المجتمع البريطاني ويتعارض معه في كل شيء.
فبعد 20 عاماً على نشر مؤسسة Runnymede Trust لبحثها الرائد في موضوع الإسلاموفوبيا في بريطانيا، خرج تقرير جديد يعمق الجدل أكثر بتعريف الإسلاموفوبيا تعريفاً واضحاً ليس على أساس أنها قضية ثقافية مجردة، بل يعرفها تماماً بما تعنيه حقاً: إنها العنصرية المعادية للإسلام، مع لفت النظر إلى حرمانهم من الكرامة والحقوق والحريات في عدة مؤسسات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.
يتفحص ويرصد التقرير الجديد للمؤسسة أثر الإسلاموفوبيا على الأفراد والمجتمعات على مدى مجموعة من القضايا بما فيها العمل والصحة واستراتيجية Prevent (البرنامج البريطاني لمكافحة الإرهاب) وجرائم الكراهية والاندماج.
التقرير يعيد تركيز دائرة الضوء على الأفراد ويوصي بـ10 وصايا محددة لمعالجة الإسلاموفوبيا ينبغي أن تطبقها الحكومة والإعلام والمجتمع المدني والسلطات المحلية بل وكل الناس.
لكننا أيضاً نركز في التقرير على حقيقة أن الجدل يدور حول أفراد.
شيطنة المسلمين
فشيطنة المجتمعات المسلمة تتسرب وتسري في المجتمع حتى تجد سبيلاً إلى حياة الأفراد اليومية، فهي تظهر عندما يتقدمون إلى الوظائف فيُغض النظر عن سيرهم الذاتية لمجرد الاعتقاد بأنهم لن "يندمجوا".
كذلك عندما يزورون طبيباً فيبدأ خبير الصحة بتكوين اعتقادات وفرضيات عن نمط حياتهم وعائلتهم "المحافظة"، أو عندما لا يجلس أحد بجانبهم في مترو الأنفاق أو حينما يتعرضون للهجوم اللفظي أو البدني لمجرد أن مظهرهم إسلامي؛ كذلك نراها في القلق الذي يعتري طالبة جامعية خوفاً من أن يظنها الآخرون إرهابية لمجرد أنها أخطأت في التعبير أثناء مناقشة موضوع حول سياسة الشرق الأوسط.
لماذا صفع هذه التلميذة؟
بإمكان جميع المسلمين أن يسوقوا أمثلة لا تحصى حول الإسلاموفوبيا وكيف تمس حياتهم أو حياة شخص يعرفونه. أحد تلك الأمثلة هو حادثة ما تزال تقض مضجعي مرت بها تلميذة سابقة كانت في وقتها لم تبلغ الـ12 بعد.
فخلال طريقها نحو المدرسة صفعها رجلٌ على وجهها بينما انهال عليها بالشتائم والإساءات الإسلاموفوبية على مرأى عربة مليئة بالكبار. يصعب على طفلة في الـ11 أن تستوعب لِمَ يحدث ذلك معها؛ لكن استيعاب أن الإسلاموفوبيا وجهٌ من وجوه العنصرية سوف يسلحها ويحصنها في وجه التحامل والعنصرية.
علينا ألا نُحمِل المسؤولية الجماعية عن الجرائم بناء على هوية جماعية مشتركة، لكن علينا أيضاً التوقف عن محاولات إثبات قيمة الأفراد المسلمين بإظهار سرعتهم في الركض مثلاً أو براعتهم في خبز الكعك أو كرمهم في التبرع للجمعيات الخيرية. مسلمو بريطانيا ليسوا حالة استثنائية لا في الفضيلة ولا في الرذيلة، بل نحن مجرد بشر.