لو ذكرنا اسم الكاتب محمد خير الدين أمام مواطن عربي ولو كان على قدر لا بأس به من الثقافة، أو حتى مواطن مغربي، فلن يعني شيئاً كبيراً للأول ولا الثاني؛ ذلك أن هذا الكاتب يكاد يكون مجهولاً في العالم العربي، بينما حظي ويحظى ببالغ الاهتمام في الأوساط الأدبية الغربية، خاصة في فرنسا، التي قضى بها عشرين عاماً ونيفاً، وبها نشر كل أعماله وعددها عشرة، تهم معظم الأجناس: شعر، رواية، قصة، مذكرات، مقالات متنوعة.
من يكون هذا الكاتب الذي ملأ الأرض وشغل الناس في الخارج، بينما ظل مغموراً في بلده الأصلي؟
رأى الكاتب العالمي خير الدين النور في إحدى قرى جنوب المغرب، تلقى دراسته الابتدائية والإعدادية بالدار البيضاء؛ حيث كان أبوه يمارس التجارة.
في منتصف الستينات، التحق بمنفاه الاختياري بفرنسا؛ لأن الجو في موطنه "كان آنذاك خانقاً"، كما صرح هو بنفسه لإحدى الصحف الفرنسية.
أكادير.. باكورة أعماله
شرع في الكتابة أواخر الستينات، بدءاً بنص طويل عنوانه "الملك" في العدد الافتتاحي لمجلة الأزمنة الحديثة التي كان يديرها جان بول سارتر، بعد نصوص قصيرة في مجلات غير معروفة.
لكن العمل الأول الذي مكنه من ولوج عالم الشهرة هو روايته "أكادير" المنشورة بدار سوي الفرنسية، والتي أسست، حسب كثيرين، لما سمي آنذاك "الرواية الشعرية"، علماً أن هذا العمل فيه مزاوجة بديعة بين ثلاثة أجناس أدبية هي: القريض، الكتابة المسرحية والسرد.
كان محمد خير الدين "التافراوتي" من الكتاب المفضلين لدى الفيلسوف الوجودي الفرنسي سارتر، الذي اعتبره واحداً من أحسن من يكتب باللغة الفرنسية على صعيد العالم.
وقد أورد خير المعروف عند خاصته بموح، في رسالة موجهة إلى زوجته المغربية زهور الجندي، خبراً مفاده أن صموئيل بيكيت ساعد مادياً عائلته الصغيرة خلال فترات غيابه، وذلك دون علمه.
آفة المنع
عاش كاتب تافراوت (الأوحد؟)، الذي ولد بقرية آزرو وادو، مدة طويلة بفرنسا، ونشر كل أعماله بإحدى أكبر دور نشرها، وظلت هذه الأعمال، التي غيّرت مسار الأدب المغاربي الناطق بالفرنسية، ممنوعة بالمغرب، حيث لم يسمح بتداولها إلا في العهد الجديد، سبعَ سنوات بعد وفاة صاحبها، وتمت إعادة نشر معظمها بدار طارق للنشر.
من العوامل التي ساهمت في جعل خير الدين كاتباً مغموراً في بلده وفي العالم العربي، علاوة على آفة المنع التي طالت كتبه ردحاً من الزمان، أن أعماله لم تترجم إلى العربية؛ نظراً لصعوبة أسلوبها وبنيتها (باستثناء مقطع من رواية "أنا الحامض" نقله إلى العربية مترجم لبناني، وروايته "أسطورة وحياة آغونشيش").
لكن العامل الأساسي في نظرنا يتجلى في طبيعة الأعمال نفسها واللغة الغامضة التي كتبت بها؛ ذلك أن قراءة محمد خير الدين، حسب تعبير الناقد المغربي سليم جاي، هي: "في آن واحد صراع ومتعة".
وجب التذكير بأن المسؤولين عن الشأن الثقافي بالمغرب تنبهوا مؤخراً للحيف الذي طال هذا الكاتب المتفرد، وقرروا برمجة روايته "زوجان عجوزان سعيدان" لتلاميذ الثانوية، وهي رواية نُشرت بعد وفاة كاتبها وتعد من أسهل كتبه من حيث الأسلوب والتناول الأدبي.
يبقى الكاتب محمد خير الدين واحداً من أهم أدباء العصر الحديث، ومن الضروري أن تحظى كتاباته بالاهتمام والدراسة اللازمين، بشكل يحفظ لهذا الهرم المكانة التي يستحقها بين أهرامات الثقافة العالمية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.