يراقب الأكراد في العراق وسوريا بعنايةٍ الصعود الإيراني الجديد وسط تراجع نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة. وأتت اللحظة المحورية حين سيطرت القوات العراقية على مدينة كركوك من الأكراد في الـ16 من أكتوبر/تشرين الأول، وأصبح الوكلاء المدعومين من إيران قادرين على إقامة جسرٍ أرضي إيراني محتمل عبر
العراق وسوريا وصولاً إلى لبنان.
ووفق ما ذكر موقع ديلي بيست الأميركي، فإن الحكومة السورية والوكلاء المدعومين إيرانياً ادعوا الخميس 9 نوفمبر/تشرين الثاني، أنَّهم حرَّروا مدينة البوكمال. وإذا ثبُت صحة ذلك، فإنَّه سيُمثِّل انتكاسةً كبيرة لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي كانت تُخطِّط للسيطرة على المدينة لمنع إقامة الجسر الأرضي الإيراني بعد تحرير الرقة، العاصمة السابقة لما يُسمَّى بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
وأصبحت الخطوة المفاجئة ممكنة بسبب القوات العراقية، التي تضم وحدات الحشد الشعبي العراقية المدعومة إيرانياً والتي سيطرت على بلدة القائم العراقية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، وعبرت الحدود، مُنهيةً السباق بين قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً والحكومة السورية.
وصرَّح الصحفي السوري سعد الصبر لموقع ديلي بيست الأميركي بأنَّ مجموعتي حركة حزب الله النجباء العراقية الشيعية شبه العسكرية وحزب الله العراقي قد لعبتا دوراً رئيسياً في العمليات بمدينة البوكمال.
ومع ذلك، نفى المتحدث باسم قوات الحشد الشعبي كريم نوري عبور وحدات الحشد الشعبي للحدود. فقال: "توقَّف الحشد الشعبي عند الحدود السورية في بلدة القائم. هناك مقاتلون عراقيون يقاتلون إلى جانب الجيش السوري، لكن لا علاقة لهم بالحشد الشعبي".
ونفى أيضاً الاتهامات بأنَّ إيران فتحت جسراً أرضياً عبر العراق إلى سوريا. وقال: "لا يمكن لإيران فتح جسرٍ أرضي عبر الحشد الشعبي أو أي طرفٍ آخر كي تعبر إلى داخل سوريا".
ومع ذلك، يبدو أنَّ الدبلوماسيين الغربيين يرون التطورات الأخيرة انتصاراً كبيراً لإيران. فقال دبلوماسي غربي مُطَّلِع للموقع: "من شأن ذلك إكمال الممر الأرضي الرئيسي الجنوبي، مع استمرار العمل على الممر الشمالي. من الغريب كيف نبدو جميعاً وكأنَّنا متقبِّلون لتلك الحقيقة".
وأضاف المسؤول: "هذه الممرات لن تعمل فقط كطرق للإمداد والوصول المباشر إلى البحر المتوسط. وتُقسِّم سوريا وتمنع الاتصال بين أيٍ من الأراضي أو المجموعات غير الموالية لإيران. إنَّه تمام التقسيم الفارسي وبراعة الحُكم".
ويُقوِّض هذا الأثر السياسة الأميركية في العراق وسوريا بصورةٍ كبيرة، وهي النقطة التي بدورها تأكَّدت عبر البيان الروسي الأميركي المشترك أمس السبت، 11 نوفمبر/تشرين الثاني، والذي يتبنَّى بالأساس الإستراتيجية الروسية من أجل سوريا.
وتثير انتصارات إيران عبر وكلائها مخاوف في أوساط الأكراد السوريين والعراقيين بانَّ إيران تريد تفكيك أي شكل من أشكال الحكم الذاتي الكردي في كلا البلدين. فقال السفير ألبرتو فرنانديز، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية، لموقع ذا ديلي بيست: "سقوط البوكمال يُعَد الفصل الأخير من فصول الهيمنة الأجنبية الإيرانية في المنطقة أكثر من كونه مسماراً في نعش داعش. إنَّه جزءٌ أساسي من جهدٍ خارجي لبسط القوة قبل أن يكون هناك تحرُّكٌ أميركي مضاد محتمل".
ولفت فرنانديز إلى أنَّ المجموعات المدعومة إيرانياً قد سيطرت على المناطق الغنية بالنفط المتنازع عليها في العراق، بما في ذلك كركوك، بعد استفتاء حكومة إقليم كردستان غير المدروس على الاستقلال. وقد استغلت إيران الموقف تماماً لتوسيع نفوذها. وأضاف: "بالطبع لعبت المشاعر القومية العراقية الحقيقية دوراً في الأمر، لكن هناك يداً إيرانية واضحة في التحرُّك ضد حكومة إقليم كردستان، مثلما هو الحال في الأحداث بسوريا ولبنان".
ومع كل هذا، لا تزال الولايات المتحدة تدعم بقوةٍ الحكومة العراقية ورئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الذي ينظر إليه الغرب باعتباره قوميَّاً عراقياً. وهناك أمل في أنَّه سيكبح النفوذ الإيراني بعد إعادة انتخابه المحتملة في أبريل/نيسان من العام المقبل.
ويُحمِّل الأكراد العراقيون الغرب، لا سيَّما الولايات المتحدة وبريطانيا، مسؤولية تمكين إيران في الوقت الذي تُعزِّز فيه دورها، ويدَّعي الأكراد أنَّ رئيس الوزراء العراقي العبادي لم يلعب سوى دورٍ صغير في العمليات الأخيرة ضد الأكراد. هذا في حين تقول بغداد إنَّها لعبت دوراً أساسياً في التصدي لأكراد العراق.
فقال كمال الكركوكي، أحد قادة البيشمركة الذين انسحبوا من كركوك في أواسط شهر أكتوبر/تشرين الأول لكن قاتلت قواته الوكلاء العراقيين المدعومين من إيران: "هناك خطة لخلق هلال شيعي من إيران، وعبر العراق وسوريا، وصولاً إلى جنوب لبنان. أشرفت إيران على الخطة (للسيطرة على كركوك)، وللأسف كانت بعض البلدان الغربية على علمٍ بذلك".
ويقول الأكراد السوريون هم أيضاً إنَّ إيران الآن تشعر بجرأةٍ أكبر بعدما لم تدعم واشنطن الأكراد في العراق، وستحاول دفع الحكومة السورية لمهاجمة القوات المدعومة من الولايات المتحدة والتي تحاول إقامة فيدرالية في شمال سوريا بما يأملون أن يكون دعماً أميركياً.
فيقول فرهاد باتيف، مُمثِّل الأكراد السوريين في موسكو: "إيران تدفعهم، فمؤخراً يتحدث المسؤولون السوريون بطريقةٍ تهديدية أكثر، خصوصاً بعد استفتاء إقليم كردستان".
وأضاف: "إذا ما قوي موقف إيران، سيكون هناك تهديدٌ أكبر لقوات سوريا الديمقراطية. إنَّهم يريدون دولةً مركزية، وهم يستعدون الآن للرقة، وهذا أمرٌ خطرٌ تماماً بالنسبة للولايات المتحدة. إيران تحاول الآن نقل معركتها مع السعودية إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية".
من جانبهم، يقول مسؤولو قوات سوريا الديمقراطية إنَّهم سيقومون بالرد، بعكس الكثير من الأكراد العراقيين الذين انسحبوا من معظم المناطق المتنازع عليها بين الأكراد وبغداد.
وقال أحمد دادلي، المسؤول بقوات سوريا الديمقراطية والذي يعمل عن كثب مع قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، لموقع ذا ديلي بيست: "هناك احتمال بأن تدخل الميليشيات الإيرانية والعراقية مدينة البوكمال، لكن إن كانت هناك أي محاولات لمهاجمة قواتنا، سيكون لقوات سوريا الديمقراطية الحق في الرد والدفاع عن نفسها".
يقول نيكولاس هيراس، الزميل بشؤون الأمن في الشرق الأوسط بمركز الأمن الأميركي الجديد في واشنطن: "الأسد يريد استعادة كل بلاده، ولا يرغب في التنازل عن مزيدٍ من الأراضي للقوات المدعومة من الولايات المتحدة. يخشى الأسد من حضورٍ أميركي طويل الأمد في سوريا أكثر مما يخشى أي شيءٍ آخر".
وأضاف أنَّ الهجوم الأخير لحكومة بشار الأسد وحلفائها الإيرانيين يهدف إلى حرمان الولايات المتحدة من "السيطرة على مزيدٍ من المناطق في الساحة السورية"، وأيضاً للسيطرة على أكبر قدرٍ ممكن من الأرض في شرق سوريا.
ويقول المسؤولون الأميركيون إنَّهم سيواصلون دعم قوات سوريا الديمقراطية.
فقال العقيد ريان ديلون، المتحدث باسم التحالف الدولي المدعوم من الولايات المتحدة لمكافحة داعش: "في حين أنَّنا لا نناقش العمليات الحالية أو المستقبلية، فبإمكاننا القول إنَّنا سنواصل دعم شركائنا في قوات سوريا الديمقراطية بسوريا على الأرض لأنَّهم يُوفِّرون الأمن الذي يُمكِّن المساعدة على تحقيق الاستقرار في المناطق المُحرَّرة".
وقال: "سيتيح ذلك للأشخاص العودة طوعياً إلى منازلهم وإعادة الإعمار بعد داعش. لا يزال التحالف ملتزماً بالعمل مع كافة الشعب السوري لدعم حلٍ دبلوماسي للصراع السوري، حلٍ بإمكانه بناء سوريا أكثر تمثيلاً وهدوءاً، وخالية من الإرهاب".