تناول وثائقي جديد لتلفزيون أرتيه الألماني، قصة شاب سوري يدعى نضال كوبا، يعمل على تحديد أماكن "إرهابيين" مشتبه بهم، أو مرتكبي جرائم حرب قادمين من سوريا إلى ألمانيا ومختلف دول أوروبا، وتقديم تقارير عنهم إلى السلطات بعد التحقق من وضعهم وإجراء مقابلات صريحة أحياناً أو مخفية تارة أخرى، مستعيناً بسياسيين ومقاتلين سابقين في الجيش الحر وصحفيين، قيل إن جميعهم يخاطرون بحياتهم لأجل هذه المهمة.
وكان نضال، وهو من مواليد سوريا، وصل مع عائلته عام 1985 إلى ألمانيا، وعاش في ولاية بادن فورتمبرغ جنوب غربي البلاد، حيث حصل على اللجوء فيها، ثم عاد إلى سوريا مع مجيء الربيع العربي وبدء المظاهرات ضد النظام السوري، وقاتل نضال إلى جانب الجيش الحر هناك، وعمل قائداً لأحد الألوية ومتحدثاً صحفياً هناك.
وبعد انتقال بعض الذين كانوا يقاتلون معه في الجيش الحر إلى القتال مع الكتائب المتطرفة منها مثل "داعش"، عاد إلى ألمانيا ومعه قائمة تضم مئات الأسماء لأشخاص كهؤلاء يشتبه بارتكابهم جرائم حرب هناك، وبات يبحث عنهم بين اللاجئين الواصلين إلى ألمانيا، ليحدد أماكنهم ويعرف فيما إذا يشكلون مصدر خطورة، بحسب تقرير لشبكة "آ إر دي" مقتبس من الوثائقي "قائمة نضال.. مجاهدون في أوروبا".
يقول نضال في الوثائقي إن الناس "تجاوزوا حدودهم وتلقفوا الأسلحة وتحولوا إلى إسلاميين أو حتى إرهابيين"، ويتوجب أن ينالوا عقابهم، وإن "الحرب في سوريا أقرب مما يعتقد الكثيرون"، في إشارة إلى الذين يقتفي أثرهم.
ورافق معدو الوثائقي نضال خلال تحقيقاته مدة 7 أشهر، فذهبوا معه للقائه مع شاب سوري (25 عاماً) يقيم في مخيم للاجئين قرب بحيرة كونستانس، كان قد وصل إلى ألمانيا في خريف عام 2015 خلال ما سُمي "أزمة اللاجئين"، وكان مقاتلاً في الجيش السوري الحر، ثم انتقل للقتال مع الإسلاميين المتشددين.
ويتحدث الشاب طارق (اسم مستعار) لكل من نضال الذي لم يره منذ فترة طويلة، وشريكه في البحث حمزة الغضبان، وهو أميركي من أصل سوري، عن مشكلاته مع الشرطة الألمانية التي فتَّشت مخيم اللاجئين الذي يقيم فيه، واعتقاله والتحقيق معه، ويبدو قلقاً، ويشعر بأن الشرطة أساءت معاملته.
وقال لهما إن أولئك الذين يشتمونهم بقول "إرهابيون" عليهم البحث عن الحقيقة، قائلاً: "تصور أن يحدث لك هذا الأمر.. أن يقوم أحدهم باغتصاب زوجتك أو أختك.. يقومون بقتل طفلك.. ألن تفقد عقلك؟ هل ستبقى إنسانياً"، زاعماً أنهم هم من دفعوهم لأن يصبحوا قتلة، لكنه ليس متشدداً.
ويتحدث لهما عن تفاصيل قتاله إلى جانب جماعة متشددة، كانت قد بايعت داعش، بحسب الوثائقي، الذي أظهر الشاب الحاصل على اللجوء في مشاهد لاحقة، غاضباً جداً من سؤال نضال عما يخطط له، فيقول إنه جاء إلى ألمانيا ليعيش لا لكي يُذل، وإن الضغوطات التي تُوضع عليه ومواصلة اتهامه بأنه من داعش، ستُجبره أن يكون من داعش، مخاطباً نضال: "لست خائفاً منك".
ويقول الوثائقي إن الشاب أصبح تحت مراقبة السلطات الألمانية، وتشتبه النيابة العامة في شتوتغارت بكونه مقاتلاً في تنظيم داعش. إذ يشير تقرير عن تفتيش المأوى الذي يقيم فيه أن بعض القاطنين قالوا إنه كشف عن محاربته إلى جانب داعش.
ويتكهّن نضال بإمكانية أن يكون الشاب خطراً، ويريد أن يبقيه تحت الأنظار، رغم أنه ليس متأكداً أنه خطر.
ويبدي هانز-غيورغ ماسن، رئيس هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية الألمانية) قلقه من الخطورة التي يشكلها أصحاب السوابق الجهادية الواصلون إلى بلاده قائلاً: "يقلقنا بالطبع الأشخاص الذين قاتلوا مع داعش أو المجموعات الجهادية الأخرى. كثيراً ما يكون هؤلاء مجرمي حرب. إنهم أشخاص ذوو ماضٍ إرهابي. لا نعلم ما الذي يدور في رأسهم، أو ما إذا كانوا لن يقوموا ربما في وقت لاحق بهجوم".
وأجرى نضال لقاءً آخر صوّره بكاميرا مخفية مع مقاتل سابق مع اللواء الذي كان هو شخصياً يقاتل معه في الجيش السوري الحر، حدّد مكان وجوده في السويد عن طريق مخبر، يُعتقد أنه أصبح لاحقاً مقاتلاً مع النصرة، الأمر الذي يقول إنه تأكّد منه خلال حواره معه، إذ يقول في مقطع فيديو، إن قائدهم كان أبو خديجة الجولاني، من جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً)، الذي يقول الوثائقي إنه كان قائد النصرة في جنوبي حلب.
ويحذر نضال من خطورة الشاب، الذي يقول إنه كذب على السلطات السويدية، رغم إصابته بشلل نصفي جراء إصابات لحقت به خلال الحرب. ويضيف أن بإمكان الرجل التحدث والقيادة، ويبقى خطراً لأن موقفه ما زال على حاله.
يؤكد نضال، الذي يتصرف كمحقق خاص، أنه لا يعمل لدى الشرطة أو أية أجهزة مخابرات، بل يفعل ذلك طوعاً. وتجاوبت السلطات الأمنية مع تقاريره بتشكك في البداية، لكنه أصبح يتمتع ببعض الثقة حالياً، إذ تم توجيه أسئلة له دائماً من قبلهم، وفقاً للوثائقي.
يقول نضال إنه مدين لألمانيا، البلد الذي كبر فيه، مواصلاً البحث عن الأشخاص الموجودين على قائمته. ولا يقتصر الذين يبحث عنهم على المقاتلين السابقين بين الجيش الحر والفصائل المتطرفة، بل أيضاً من قوات الأسد. ويرجع دافعه لمحاربة مرتكبي جرائم الحرب والإرهابيين إلى تعرضه لتعذيب شديد في سوريا.
هل نضال جدير بثقة وسائل الإعلام؟
وأقرَّ تلفزيون بايرشه روندفونك، المشارك في الوثائقي، بصعوبة البحث الصحفي في الأوساط الإسلامية المهيئة لاستخدام العنف، وتقييم موثوقية الأفراد كشأن نضال، الذين يشكلون مصدراً مطلعاً على المعلومات المتعلقة بهذا الوسط بالنسبة لهم.
وأشار إلى بعض الأمور التي استأنس بها للتأكد من مصداقيته، كشأن ورود اسم نضال كوبا المستعار "أبو ياسين" منذ سنوات كمصدر لدى السلطات الأمنية الألمانية والتقارير الصحفية، مرة كوسيط في حالات اختطاف أفراد من "القبعات الخضر"، وأحياناً باسمه الحركي "أبو ياسين" كمسؤول اتصال في الجيش الحر، لدى وزارة الخارجية الألمانية.
وبيّن أن مراسلاً لشبكة "آ إر دي" العامة، تمكّن من إجراء مقابلة مع شخصية كبيرة تركت تنظيم داعش، متواجدة في دبي، في العام 2015، بعد أن رتَّب نضال لذلك، دون أن يحصل على مقابل.
وذكر أنه على تواصل مستمر مع عدد من مكاتب التحقيقات الجنائية في الولايات، واستدعي لكي يشهد في خضم التحقيقات أو يشهد أمام المحكمة، كان آخرها، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، عندما شهد ضد مرتكب جرائم حرب سوري، في محكمة بدوسلدورف غربي البلاد.
ولفت إلى أنه كان من بين المدعوين إلى مؤتمر لـ"الديمقراطيين الوطنيين السوريين" في برلين، وأنه يقول إن عمله يُدعم من قبل رجال أعمال سوريين وألمان، وأنه ينحدر من أسرة ثرية، وأن حماه يعمل كمستشار سياسي في الولايات المتحدة.
وقال بايرشه روندفونك، إن الأمر الحاسم لتحديد موثوقيته هو كم الوثائق ومقاطع الفيديو التي قدمها لدعم مزاعمه، مضيفاً أنه بالرغم من عدم التمكن من التقصي عنها في سوريا، فإن شهوداً ووثائق لتحقيقات السلطات الألمانية تُثبت دوره وأقواله.
صحفي كردي سوري سبق أن قام بعمل مشابه
وكان الصحفي الكردي السوري مسعود عقيل، الذي كان قد تعرض للاختطاف لدى توجهه لإجراء لقاء صحفي والاعتقال لفترة طويلة دامت 9 أشهر من قبل تنظيم داعش في بلاده، تم تعذيبه فيها، قد قام بنشاط مشابه، وكشف عن تعاونه مع السلطات الألمانية في تقديم معلومات عن إرهابيين، قال إنهم تسللوا بين اللاجئين، ووصلوا إلى ألمانيا، يكتشف وجودهم فيها من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.
وكان عقيل قد قرر التوجه إلى ألمانيا بعد أسابيع من الإفراج عنه في صفقة تبادل رهائن بين "وحدات حماية الشعب" الكردية والتنظيم، في شهر سبتمبر/أيلول 2015.
وكان عقيل قال في تصريحه لـ"عربي بوست"، العام الماضي، إن فكرة التواصل مع الأمن الألماني جاءته لأنه عرف الكثير من المعلومات عن التنظيم خلال فترة أسره، مبيناً أنه لدى وصوله إلى ألمانيا "شعر بأن من واجبه عدم السكوت إزاء ما ارتكبه ويرتكبه التنظيم من جرائم وتفجيرات انتحارية في سوريا والعراق وأوروبا"، على حد تعبيره.
ونشر بمساعدة الصحفي بيتر كوبف هذا العام كتاباً عنوانه "في وسطنا.. كيف نجوت من تعذيب داعش ولحقني إلى ألمانيا"، قالت وكالة الأنباء الألمانية إنه يريد من خلاله أن يوقظ السلطات الألمانية التي تتعامل بسذاجة بالغة مع خطر الإرهابيين المتسللين.
ورغم مجهوده هذا، إلا أنه لم يسلم من مواقف مسيئة قائمة على الأحكام المسبقة، إذ يروي في كتابه كيف أنه رافق والدته بعد أيام من هجوم سوق عيد الميلاد في برلين، الذي نفّذه التونسي أنيس عمري بشاحنة، في شهر ديسمبر/كانون الأول 2016، لزيارة طبيب، وأن الأخير سأله عندما علم أنه من سوريا، فيما إذا كان بإمكانه قيادة شاحنة، وعندما رد إيجاباً، قال متهكماً: "فلتأخذ إذن مع والدتك شاحنة وابحث عن ميدان مزدحم وقدها وسط الناس".