انتبه.. تحت قدميك “قبرك”!

يا من بطشت يدك وأثمت، وجمعت فما أوعت، وهدمت ولطمت جباه لله ركعت وسجدت، وفوضت فيك أمرها.. جباه عجزت أن ترد عليك ظلمك.. يا من اغتررت بقوتك وعافيتك.. اليوم لا ناصح لك ولا ناصر، وقد خارت عزيمتك ولم تعد بقادر، وخانتك الأماني والنسور الكواسر.. يا أسفااااااااه.. كل ضاع منك وضل عنك، ولا حول لك ولا قوة إلا بالله.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/09 الساعة 02:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/09 الساعة 02:35 بتوقيت غرينتش

الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، ولا عين تراه، صاحب الجبروت والعز والجاه.

الحمد لله الذي خلق الموت والحياة، وخضعت لعظمته الأفئدة، وخرّت له الجباه.

الحمد لله الذي كتب الموت على كل حي، والفناء على كل شيء.. الحمد لله الذي أذل بكأس الموت الجبابرة والطغاة.

الحمد لله الحمد لله الذي تنزه عن كل نزيه وشبيه، ولم يبلغ أحد منتهاه.

الحمد لله الذي رفع شأنه كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، وصدق في مُحكم قرآنه، كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون، سبحانه سبحانه.

الحمد لله الذي خلق الدنيا ونكّرها وحقرها وجعلها من "دونّه"؛ ليدرك حقيقتها ومنتهاها أولو الألباب، فعلموا أنهم لن يلبثوا فيها غير عشية أو ضحاها، فطلقوها ثلاثاً، وانقطعوا لما فطِنوا، وأعدوا العُدة للدار التي هي خير وأبقى، وأعطوا واتقوا.

أما أهل الدنيا وخاصتها فقد حرصوا عليها، واستظلوا بظلها، وشيدوا قصورهم وأبراجهم وحصونهم، ولا جرم أنها تزينت لهم، وابتهجت وازخرفت وأقبلت لهم، وانفرجت على أطباق من ذهب وأكواب من فضة، ونمارق وحدائق ورياحين؛ ليركضوا ويتمتعوا فيها إلى حين، حتى إذا بلغهم التراقي، وقيل من "راق"، وظنوا أنه الفراق، والتفت الساق بالساق.. حينئذٍ علموا أنه المساق، وأدركوا أنهم بئس ما شروا به أنفسهم، وما لهم في الآخرة من خلاق.

انتبه -رعاك الله- الموت أقوى منك، وما حذر وما أنذر، وليس له صاحب ولا عزيز، واستعظم الجُرم وما استهانت به نفسك، واحذر، فقد ترحل اليوم إلى عالم الأموات وأنت لا تعلم، ولو علم من رحلوا باقتراب آجالهم لخروا للأذقان سجداً، وانفطرت نياط قلوبهم على ما فرطوا في جنب الله.

يا من أغرك حُسن "الشباب"، ولم تقرأ رأس من "شاب".. تمهل، وخذ من أمسك إلى غدك، واذكر أين كان "والدك"، وكيف مضى إلى حال سبيله.. هكذا غداً ستمضي وحيداً، فخذ من حياته لك ذكرى، وخذ من رحيله عِبرة، وانتبه يا صاح.. تحت قدميك "قبرك"؛ لذا ضع نصب عينيك انتصاف النهار، وانقضاء الشمس، ومفارقة الديار، وصفحة من كتاب الأمس، واعلم أنه ما خلد في الدنيا من مُعمر، وما أوحشت القبور من ساكن.

تذكر -رعاك الله- ملبسك هذا الفاخر سينزعه عنك "مُغسلك" ويستبدله بكفنك، وعطرك الفواح سيأخذه منك "مُكفنك" ويستبدله بحنوطك، وفمك الضحوك الذي أكل وشبع ونهب، سيُخلله "مُحنطك" ويغلقه بقطعة من القطن هي كل ما ستخرج به من الدنيا، وما حوى بطنك من طعام حرام وما نبت به لحمك فإنك مُساقُ به إلى مستودعك ومستقرك في قبرك، وما أدراك هناك بمن ينتظرك، وكل ما حرصت عليه من الدنيا ستخلفه وراء ظهرك.. مالك .. منصبك .. أنجالك.. زوجتك.. والرفاق، جميعهم لم يملكوا لك من أمرك شيئاً، غُلت أياديهم إلى الأعناق، وقد ودعوك بدمعة ربما تحجرت في الأحداق، هي كل حقك عليهم، وبراءة ذمتك في عنقك، لن يقولوا لك شكراً على سعيك، لن يقولوا لك أحسنت في نعيك، لن يمنحوك شهادة ولا قلادة، بل سيقولون لك يوم رحيلك: "وداعاً".. ولن يتمنوا لقاءك!

يا من بطشت يدك وأثمت، وجمعت فما أوعت، وهدمت ولطمت جباه لله ركعت وسجدت، وفوضت فيك أمرها.. جباه عجزت أن ترد عليك ظلمك.. يا من اغتررت بقوتك وعافيتك.. اليوم لا ناصح لك ولا ناصر، وقد خارت عزيمتك ولم تعد بقادر، وخانتك الأماني والنسور الكواسر.. يا أسفااااااااه.. كل ضاع منك وضل عنك، ولا حول لك ولا قوة إلا بالله.

يا من ناطحت السحاب.. اليوم يملأ عينيك التراب، فخذ منه معك ما شئت فإن لم يكن له ثمن في "غربتك"، عساه أن ينفعك في "تـُربتك".

يا هذا "ولدك" لن يحمل على ظهره وزرك، ولن يكن لك سندك، وحدك ستدخل قبرك، وما آذيت لنفسك، وما كنزت لغيرك .. فاتقِ الله الذي أمهلك، ولا يغرك حلمه عليك، وإن طال عمرك فإنك "ميت ميت".

وختاماً.. نسأل الله -عز وجل- أن يجعل لنا من قلوبنا على أنفسنا رقيباً، ولا يجعل للدنيا في قلوبنا نصيباً.

اللهم جمّلنا بالرضا والقناعة والسمع والطاعة، وحببنا في صلاة الجماعة، وذّكرنا بالموت كل ساعة.

اللهم أخرجنا من دنيانا كِفافاً لا لنا ولا علينا.. اللهم لا تحرمنا من دعاء الصالحين إذا أتانا اليقين، وإذا فارقنا الدور والقصور، واجعل يا ربنا عن يميننا نوراً، وعن شمائلنا نوراً، ومن فوقنا نوراً، ومن تحتنا نوراً، وأعِذنا من حر نارك، واشملنا بنورك وحبل جوارك إذا نُسينا في باطن القبور.. يا من أمره بين الكاف والنون، وإليه المرجع والمصير، وآخر دعوانا (إنّا لله وإنّا إليه راجعون).

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد