تتجه أنظار العالم إلى العاصمة أبوظبي، وتحديداً إلى المنطقة الثقافية بجزيرة السعديات، يوم السبت القادم، 11 نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك لافتتاح متحف اللوفر أبوظبي بعد 10 أعوام من الجهود الحثيثة لإنشائه، وفق ما تقول صحيفة الاتحاد الإماراتية، الذي وصفته بأنه اللوفر أبوظبي جسر يلتقي عبره الإبداع والتسامح.
ويحمل متحف أبوظبي اسم متحف اللوفر الباريسي العريق في صفقةٍ لمدة 30 عاماً مقابل ما يزيد على 870 مليون دولار، وهي المرة الأولى التي يُمنَح فيها الاسم لمتحفٍ خارج فرنسا، وفق تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
ومن موقعه فوق شواطئ جزيرة السعديات الرملية، يبدو المتحف كمصفاةٍ مقلوبة جرفتها الأمواج، إذ لا يُفصح السقف المعدني لمتحف اللوفر أبوظبي عن الكثير من الخارج.
وبالمقارنة مع الأبراج الزجاجية المتوهجة الموجودة في المدينة قبالة الكورنيش، فإنَّ القصر الثقافي الذي تكلف ملايين الدولارات قد يبدو متواضعاً بعض الشيء.
يقول المعماري الفرنسي مصمم متحف اللوفر الجديد جان نوفيل: "أردتُ أن أبني حيّاً للفن، أكثر من مجرد مبنى".
وأضاف نوفيل: "إنَّه تصورٌ وسيط بين أحياء المدن العربية ذات الأسوار والأزقة الضيقة والساحات اليونانية العامة التي كانت مكاناً للحياة السياسية والفنية والروحية. مكاناً للالتقاء والحديث عن الفن والحياة، في سياقٍ من السكينة التامة".
عندما تقف تحت تلك القبة الكونية الشاسعة، وأشعة الشمس تخترق الطبقات المتشابكة التي تتخذ شكل النجوم وتصنع رسوماً من الضوء على واجهات المباني الخرسانية البيضاء، ستشعر أنك انتقلت إلى عالم آخر.
تدور المياه في قاعدة المنصة الحجرية في برك أسفل القبة الضخمة، فتبرِّد الهواء وتعكس المزيد من موجات الضوء داخل المكان. المعماريون مغرمون بالحديث عن الرسم بالضوء، لكن هنا يبدو الأمر حقيقياً. التأثير المشترك لكل تلك العوامل فتَّان للغاية.
في الداخل، تُعلق أعمال جاكسون بولوك ومارك روثكو على بعد خطوات من أعمال هنري ماتيس وفان غوخ. ومن أبرز المعالم بالداخل تمثال أبوالهول اليوناني الذي يرجع إلى القرن السادس قبل الميلاد، وصورة امرأة غير معروفة لليونادرو دافينشي، وتمثال برج تاتلين المرصع بالكريستال لآي ويوي، الذي ربما يكون قد أُحضِرَ من سقف قصرٍ إماراتي.
يعد متحف اللوفر بأبوظبي أول مبنى يكتمل في خطة الإمارة الغنية بالنفط التي تأخرت فترة طويلة، والتي تبلغ ميزانيتها 18 مليار دولار لبناء جزيرة ثقافية فخمة، وهو ما حلمت به منذ أكثر من عقدٍ مضى في الأيام العصيبة التي سبقت الأزمة المالية العالمية.
كان من المقرر أن تكون أبوظبي وجهة ساحرة تستقطب الزوار ذوي العقول المثقفة، في منافستها المستمرة مع جارتها الأكثر بريقاً دبي. وبجانب الفيلات الفخمة وملاعب الغولف، كان من المقرر بناء متحف غوغنهايم ضخم جديد من تصميم الكندي فرانك غيري، أكبر بسبع مرات من قرينه في نيويورك، بتصميمٍ على شكل كومة من المخاريط المقلوبة رأساً على عقب.
وكان مقرراً أيضاً أن ينضم إليه متحف الشيخ زايد الوطني من تصميم المعماري البريطاني نورمان فوستر على شكل جناح صقر السباقات (تكريماً لهواية الشيخ المفضلة)؛ والمتحف البحري من تصميم المعماري الياباني تاداو أندو على شكل سرداب مائل يخرج من البحر؛ ومركز للفنون المسرحية من تصميم العراقية الراحلة زها حديد على شكل شبكة متلوية من الإكتوبلازم. لكن لم يبدأ العمل على أيٍ من تلك المباني بعد.
يقول نوفيل: "من الممكن أن يصبح الوضع كارثياً حين تُصمِّم المكاتب العالمية المباني بهذا الشكل دون وجود أي جذورٍ للتصميم بالمكان"، ويُعد تصميم مبنى نوفيل هو الأكثر مراعاةً لثقافة المكان في تلك المدينة المليئة بالمشروعات المعمارية ذات التصميمات العشوائية.
كان نوفيل يعرف أنَّ ارتفاعات المباني المجاورة ستعلو فوق 80 متراً، لذلك أراد أن ينحني بمبناه ويجعل تصميمه أكثر رقة، وجعل قبته على ارتفاع أقل من 30 متراً فوق مستوى الشاطئ.
وأضاف نوفيل: "لابد أن نكون دائماً حساسين ومتسقين مع ثقافة المنطقة، حتى وإن لم يكن هناك سياقٌ واضح"، واصفاً عثوره على بقعةٍ شاسعة من الرمال عندما زار المنطقة لأول مرة بالطائرة المروحية، قبل أن يُبنى جسرٌ إلى البر بفترةٍ طويلة.
كانت نقطة انطلاقه في تصميمه من طراز حي المدينة العربية القديم غير المتسق إلى حدٍ كبير مع الفكرة هي استجابة حذرة لبعض الملخصات المبهمة التي ظهرت فجأةً دون أي تفاصيل ملحقة بها.
ففي عام 2006، قيل له: "نريد متحفاً كلاسيكياً عن الحضارة". كان ذلك قبل تحديد متحف اللوفر شريكاً في المشروع لملء قاعات المبنى. لكنَّ المرونة في البناء أضافت ميزة للمكان بجعله يبدو كما لو كان متحفاً تاريخياً طبيعياً تكوَّن وحده بمرور الزمن، وكأنَّه استولى على عددٍ من المساحات الموجودة التي جرى تكييفها وتعديلها.
ينفرد المتحف بوجود 55 صالة عرض في حجم الغرفة، منتظمين بعنايةٍ في مزيج مميز، ولا تشبه إحداهما الأخرى. ويختلف ارتفاع السقف من الأكثر حميمية إلى الأكثر شموخاً، وتتنوع الخامات من البرونز الداكن إلى الرخام الفضي، بينما يتقلب المناخ بين المعتم والمغمور بالضوء، على حسب المعروضات إن كانت آياتٍ قرآنية أم إحدى لوحات موندريان.
وتمتد جودة التصميم إلى البحر أيضاً في الخارج، إذ ترتفع من الماء صفوف عشوائية من أعمدة الرسو كما لو أنَّها أنقاضُ مبنى قديم كان بالمكان، أو أساساتٍ لتوسعاتٍ مستقبلية. وفي لمسةٍ مستوحاة من سلسلة أفلام جيمس بوند، سيمكن لكبار الزوار الوصول بواسطة قوارب ترسو في حوض سفن تحت القبة المتلألئة.
وتنتشر في الجو نفحاتٌ من أناقة شيوخ الإمارات الفاخرة، وتشعر في بعض أماكن المتحف كما لو أنَّه كان لديهم الكثير من المال لينفقوه. لقد حظي نوفيل بالرفاهية النادرة لتصميم كل شيء في المكان، من الأثاث الجلدي إلى تجهيزات الإضاءة، وبعض اللمسات النهائية خانت ولعه بوضع لمساتٍ براقة على تصميماته.
يدخل الضوء صالات العرض عبر ألواح السقف الزجاجية المُصمَّمة في 17 نمطاً مختلفاً. وتتمتع كل غرفة بأرضيتها الحجرية الخاصة، المستخرجة من بقعة مختلفة ومميزة حول العالم ومطعمة بحوافٍ من البرونز. أوشكت تلك التصميمات أن تقع في فخ الابتذال، لكنَّها بمعايير البذخ والتبذير المعروفة في المنطقة، تُعدُ نموذجاً لضبط الإنفاق.
في لحظةٍ سريالية واحدة، قد يبدو لك أنَّ المهندس المعماري قد استخدم أسلوب آرت ديكو بالكامل في تصميم المتحف، حتى تدرك أنَّك قد دخلت ما يبدو في تصميمه كشقة قطب الصحافة لورد روثرمير التي تحمل طراز عشرينيات القرن الماضي، كما لو أنَّه قد جرى نقلها من شارع الشانزليزيه في فرنسا إلى هنا.
كونه "متحفاً عالمياً للقرن الحادي والعشرين"، تأخذ صالات العرض زوارها في رحلةٍ عالمية عبر 12 مرحلة، مرتبة تاريخياً من حقبة ما قبل التاريخ حتى يومنا هذا، في عرضٍ ثوري يهدف إلى الكشف عن الخيوط المشتركة بين المناطق والثقافات المختلفة على مر العصور.
ويقول المدير العلمي للوكالة الفرنسية للمتاحف جان فرانسوا شارنييه: "إنَّها ليست فقط المرة الأولى التي لا يجري فيها تقسيم المتحف إلى أقسام، ولكن أيضاً المرة الأولى التي يصبح فيها المتحف وسيلةً تعكس الحوارات غير المتوقعة بين القطع الأثرية". والوكالة هي المنظمة المسؤولة عن تنسيق استعارة القطع الأثرية من 13 متحفاً فرنسياً، والتي بلغ عددها 300 قطعة، وسينخفض مع الوقت بجمع المتحف مجموعته الخاصة.
عُمر اللوفر من عمر أبوظبي
هذا التحالف يمثل شراكةً مناسبة، فعمر أبوظبي من عمر متحف اللوفر نفسه. إذ استقر هنا بدو قبيلة بني ياس في سبعينيات القرن الماضي بينما كان اللوفر يفتح أبوابه للجمهور في باريس. لكن ما زالت هناك مشكلة عالقة توحي بأنَّ بعض الأمور لم تتغير بعد. فخارج المؤتمر الإعلامي للإعلان عن الافتتاح، لازال العمال الآسيويون يضعون اللمسات الأخيرة لتصميم الموقع تحت شمس النهار الحارقة، ويذكروننا بالنزاع الدائر حول ظروف عملهم التي عصفت بالمشروع منذ البداية.
ففي تقريرٍ لهيومن رايتس ووتش صدر عام 2015، وجدت المنظمة أنَّه رغم بناء قرية مخصصة للعمال لا عيب فيها، ظل العمال في مشروع بناء المتحف يعملون في ظروفٍ أقرب إلى العبودية، مُجبرون على العمل لشهورٍ دون أجر، حتى تُسدَّد رسوم استقدامهم غير القانوني. ومعرضون للاعتقال والطرد دون محاكمة إذا صدرت منهم أي شكاوى.
تتغنى اللوحات الإعلانية المؤدية إلى متحف اللوفر الجديد بشعار "انظر إلى الإنسانية بمنظورٍ جديد"، وهذا هو بالضبط ما يجبرك هذا المشروع الجديد على فعله. فمثل الكثير من الأشياء المعروضة التي لا تقدر بثمن، التي بُنِيَت أو صُمِّمَت بتكليفٍ من الطغاة والديكتاتوريين على مر العصور، طريقة بناء ذلك المتحف هي جزءٌ من القصة، ووجهٌ مظلم لهذه التحفة الثقافية المعاصرة الرائعة.