أدركت اليوم أن يومي وغدي وماضيّ كان عملي، مريضي ودراستي.. جميل!
غير آبهة، ولو لوهلة، بمن أنا، أي شخص، أي شخصية أملك، أي جسد أملك، أي مستوى أملك! ياااه.. لم أدرك ما أدركت إلا اليوم!
قد التقط ذهني نصف الإشارة قبل أسابيع، حيث تبادلتُ أطراف الحديث مع بائع الكتب المكتبي، في مكتبة الأصيل الأصيلة، هكذا كان اسمها "أصيلة" بكل معاني الكلم، كنت أقصدها كلما أحسست بغربة، ووحشة وحنين إلى المطالعة، إلى إنماء الذات، فهي تعج بالكتب الممتازة، لكل الدعاة الفضلاء، الدعاة حديثي الفكر والقدماء.
تبادلت أنا وهو أطراف الحديث، كل الأمر بدأ كما اعتدت دائماً بطلب مساعدته في اقتناء كتاب، كتاب اليوم هدية زواج وعقد قران إحدى صديقاتي وأختي الغالية، فقد عهدته غير أنه من رتّب الكتب وجمعها ورفّها رفوفاً، يكبرني عمراً وخبرة، بيد أنني كنت وحيدة فأردت أحداً يشاركني الاختيار.
دار الحديث أعمق مما تصور، فوجدته يقول ناصحاً لي ومشيراً إلى كتاب عما قبل الزواج، أو لنقل الاستعداد للارتباط؛ ظناً منه أن هديتي لخطبة أو لمُقبِلة على زواج: "أنا الشاب، لا أهتم لفتاة دكتورة، طبيبة، مهندسة، حاملة لأي شهادة في أي مجال أو أي مستوى؛ أنا أهتم بالأنثى داخلها، من تملأ البيت علي، من ستحادثني أحادثها، من سترعاني وبعدي أولادي، من ستحنو علي… من… أنا الشاب المسلم، أحتاج عروساً امرأة كاملة بجزئها العلمي الدراسي، رصيدها الثقافي ربما، أي نعم، لكن ثم لكن، بشخصيتها، بكينونتها، فهي لن تعمل نشاطاتها تلك بالمنزل!".
كانت كلماته هادفة في صميم ما أدركته، لكن، اليوم وليس حينها، فقد اعتذرت، اشتريت كتاباً وغادرت… كنت بذريعة ما، ذريعة العجلة وعدم الرغبة في إضاعة المزيد من الوقت، أهرب ربما أخشى تلك اللحظة، التتمة ربما، وكأنني أدركت لوهلة، ثم انقلبت على رأسي.
اليوم أنا بفضل الله مدركة ليس تمام الإدراك، لكنني بتُّ أعرف لم المرأة بعد الزواج، وكأنها زهرة إلى شجرة تنمو وتثمر، تحس بها التباس خاصّة، أجل أتفق كل الاتفاق، إنه السلام الداخلي والخارجي أيضاً، تراها رزينة رازنة.
سلام يأتي من إدراك عميق بجوانب الحياة الأخرى عدا العمل والدراسة، مجالات هي أيضاً ثمينة، مهمة أهمية هذين؛ بل أكثر ربما.
أدركت ما أدركته اليوم وليس البارحة، الحمد لله لم يكن ذلك بالغد، لكن ما فتئت أن أدرك ما أدركته! فقد جاءني بعد بضعة أيام رد.
قرأتْ ما كتبتُه، فإذا بها تحتج ويكاد يُسمع صراخها.. إنها صديقتي وأختي، عرضت عليها كلماتي هذه قبل النشر، قبل أن يقرأها أي قارئ، لتبدي رأيها، لتصحّح، لتضيف، أو علهّا فقط تثني لا تعلّق.
فإذا بها تحتجّ، أجل، ويكاد يسمع صراخها! "ماذا يظن نفسه قائلاً وفاعلاً؟! إنه ممن يضطهدون النساء ويحتكرون الأنوثة في قضاء حاجاتهم وإشباع رغباتهم الغريزية، بما فيها الأكل والممتعة.
لا يأبه حقاً إذا ما كانت ذات منصب، ذات ثقافة، ذات مسؤولية خارج البيت، يريد منها أن تكون ذات حضور داخل البيت لا غير، أو على الأقل متناسياً حضورها وأهميتها خارجه وللغير.
يرى فيها -أو بالأحرى يحب أن يرى فيها- الزوجة والأم والعشيقة وكأنها تتجرد ممن سواهم، وكأنها تضع من على عاتقها بمجرد ولوجها المنزل صفاتها وشخصها الآخرين!".
جعلتني كلمات صديقتي، وهي التي لا تحب الرجل الذكر كل الحب -أو لنقل لم تحبه بعدُ كل الحب- أعيد التفكير، أعيد الحسابات، متأملةً كلماتها النابعة من عنفوان المرأة الأنثى، وغير متناسية كلمات ناصحي المكتبي.
بعد تأمل عميق… فطنت إلى موقفنا نحن النسوة من هذا، كيف تحب المرأة أن يكون الرجل أو بصياغة أدق بما تحب أن يتصف؟
أيكون رجلاً ذكراً مهندساً أو طبيباً، أستاذاً أو موظفاً فقط أم هي تبحث عن وعن وعن؟!
أجيب إذن: أجل، بقدر دراستها وبقدر مستواها المادي المعرفي تبحث عنه، لكن ثم لكن، هذا وحده لا يسمن ولا يغني من جوع.
أنا المرأة المسلمة أبحث عن تقي صالح يتقي الله فيَّ، يرحمني، يأنس بي، يحنو علي، رجل يرعاني ويرعى بعدي أولادي، صحيح أنه إلى جانب هذا وذاك سيكون راعي البيت قلباً وقالباً، مادياً أجل، لكن غير هذا أيضاً لازم ومتوجب…
أتمنى أن يشفي هذا تساؤل صديقتي والتساؤل الأعمق… فكما يريد الشاب المسلم شريكة كاملة أو علَّها فقط تطمح إلى الكمال في جوانب الحياة برمتها، إن أمكن، تريد هي أيضاً من يسعى جاهداً لذلك!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.