داعش المحاصر من جهتين.. التنظيم المتداعي يعاني ضربات قاصمة وأراضيه المتبقية تشعل التوتر بين القوات المتنافسة

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/04 الساعة 11:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/04 الساعة 11:12 بتوقيت غرينتش

فَقَد مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" موطئ قدمهم الأخير في مدينةٍ رئيسية ومعبرٍ حدوديٍّ استراتيجي، أمس الجمعة، 3 نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك بعدما أحرزت القوات السورية والعراقية تقدُّماً كبيراً، أدى إلى محاصرة التنظيم وتقلُّص المساحة التي يسيطر عليها إلى بقعة صغيرة من الأراضي بالقرب من الحدود.

وقال الجيش السوري إنَّ القوات الحكومية السورية، مدعومةً بضرباتٍ جوية روسية مكثفة والميليشيات المدعومة إيرانياً على الأرض، قد تمكنت من دفع المسلحين إلى خارج الأحياء القليلة المتبقية تحت سيطرتهم في عاصمة محافظة دير الزور شرقي البلاد، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

وفي الجهة المقابِلة من الحدود، سيطر الجيش العراقي وحلفاؤه من الميليشيات المدعومة إيرانياً على معبرٍ حدودي حيوي، عقب السيطرة على معظم مدينة القائم العراقية من داعش، وذلك وفقاً لما ذكره رئيس أركان الجيش العراقي.

ضربة قاسية

ووجَّهت هذه التطورات العسكرية ضربةً قاسية إلى داعش، تارِكةً له فتات ما أعلن أنَّها دولته، التي امتدت في وقتٍ ما من وسط سوريا إلى ضواحي بغداد. وقدمت أيضاً مؤشراً آخر على أنَّ حظوظ الرئيس بشار الأسد قد انتعشت، وأنَّ الجيش السوري، بمساعدةٍ من الحلفاء الروس والإيرانيين، بات بإمكانه استعادة الأراضي التي فقدها.

ويحتفظ داعش الآن بجيوب قليلة في محافظة الأنبار غربي العراق، وبأخرى أكبر إلى حدٍّ ما في سوريا، حيث يسيطر على حوالي ثلث محافظة دير الزور الصحراوية، بما في ذلك سلسلة من المدن والقرى الصغيرة وحقل للنفط.

ومهدت هذه التطورات كذلك الطريق أمام معركة مدينة البوكمال الحدودية السورية على الطريق السريع الاستراتيجي من بغداد إلى دمشق، وأيضاً ما يبدو أنَّه النهاية لما تبقَّى من أراضي داعش في العراق وسوريا.

وتُسلِّط السيطرة على دير الزور الضوءَ على التحول الذي حققه الأسد خلال أكثر من ست سنواتٍ من الحرب. فقبل عامين فقط، كانت فكرة استعادة الحكومة للمدينة تبدو أمراً بعيد المنال.

فعندما اندلعت الحرب السورية في عام 2011، كان الجنود ينشقون عن الجيش السوري، وجزءٌ فقط من الجنود كان من الممكن الاعتماد على ولائه في الميدان. لكنَّ الأسد ضرب الأحياء التي سيطرت عليها المعارضة بشدة، وانهالت الضربات الجوية على المدن السورية بدعمٍ من إيران وحليفها اللبناني حزب الله.

وفي عام 2015، دخلت روسيا الحرب بالنيابة عن الأسد، وشنَّت ضرباتٍ جوية ضد داعش وفصائل المعارضة الأخرى. وسمح دعم روسيا لقوات الأسد بالتركيز على جبهةٍ واحدة في المرة الواحدة. وبمجرد احتواء المعارضة التي لا تتبع تنظيم الدولة، حوَّل التحالف الموالي للحكومة تركيزه إلى داعش، وهو المسار الذي يحظى باهتمامٍ كبيرٍ الآن.

ومع ذلك، يواجه الأسد مهمة إدارة بلدٍ لا يزال منقسماً سياسياً وجغرافياً، ودُمِّرت فيه المدن الكبرى، واعتمدت قوات الأمن اعتماداً كبيراً على روسيا وإيران، ودُمِّر الاقتصاد.

وجاء إعلان الحكومة السورية عن النصر في دير الزور بعد أسابيع قليلة من نجاح الميليشيات الكردية المدعومة أميركياً، والمعروفة باسم قوات سوريا الديمقراطية في السيطرة على مدينة الرقة التي كانت عاصمة داعش بحكم الأمر الواقع.

لم يسيطر المسلحون على مدينة دير الزور بأكملها، رغم سيطرتهم على معظم مناطق المحافظة المحيطة بها، وهي منطقة غنية بالنفط وفَّرت مصدراً هاماً للدخل.

وعلى مدى عامين ونصف العام، حاصر تنظيم الدولة 200 ألف مدني في الجزء الذي تُسيطر عليه الحكومة من المدينة. ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، انخفض عدد سكانها إلى 90 ألف نسمة؛ إذ فرَّ المواطنون أو جرى تهريبهم.

أما الآن، فإنَّ أهم مناطق داعش هي مدينة البوكمال الحدودية والمعبر الحدودي على الجانب السوري. وقد أعلنت القوات العراقية، أمس الجمعة، سيطرتها على الجانب المقابل من الحدود، بالإضافة إلى معظم مدينة القائم، المواجِهة للبوكمال في الأراضي العراقية.

ويمكن أن تؤدي المعركة على أراضي داعش المتبقية إلى إشعال التوتُّرات بين القوى المتنافسة التي تقاتل المسلحين، في ظل اقتراب تلك القوى من هذه المنطقة، وتتمثَّل تلك القوى في: التحالف الروسي الإيراني الداعم للحكومة السورية، والقوات التي تدعمها الولايات المتحدة المعروفة باسم قوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة إلى القوات العراقية التي تسعى إلى السيطرة على أراضي تنظيم الدولة على جانبها من الحدود.

تبدو المآلات المحتملة خطيرة؛ إذ نجد جيوشاً متنافِسة تسعى ليس فقط إلى هزيمة داعش، ولكن أيضاً تتنافس مع بعضها البعض لحيازة النفوذ في هذه المنطقة الحدودية الاستراتيجية.

فقوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف عربي كردي، ترغب في السيطرة على أكبر قدرٍ ممكن من الأراضي، بما في ذلك حقول النفط. وهذه الموارد ونقاط النفوذ يمكن أن تزيد من فرصة هذا التحالف لإنهاء سيطرة الحكومة على الأراضي التابعة له، بما في ذلك الرقة والمناطق الواقعة في الشمال الشرقي التي انتزع الأكراد فيها قدراً من الحكم الذاتي.

من ناحية أخرى، ترغب إيران في أن تُسيطر الحكومة السورية الصديقة على المنطقة. وبالنظر إلى العراق حليفها القوي، يمكن لإيران إنشاء طريقٍ يربطها بلبنان، مركز أقوى حُلفائها في المنطقة، حزب الله.

وبمجرد التخلص من داعش، قد تصبح مدنٌ مثل الرقة مركزاً للمواجهة التالية. إذ صرَّح مسؤولٌ إيراني كبير، أمس الجمعة، قائلاً إنَّ الحكومة السورية وحلفاءها سيسيطرون قريباً على الرقة من قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة.

ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إرنا) عن علي أكبر ولايتي، مستشار الشؤون الخارجية للمرشد الأعلى، قوله إنَّ الرقة ومحيطها "ستُحرَّر" وأنَّ السيطرة ستكون للحكومة السورية. ونقلت الوكالة عن الوزير قوله إنَّ "الولايات المتحدة تُخطِّط لتقسيم سوريا، لكنَّها لن تحقق أي شيء على الأرض".

جبهة العراق

وضمَّت المعركة على الجانب العراقي من الحدود العراقية السورية، أمس الجمعة، كلاً من نخبة وحدات مكافحة الإرهاب العراقية، والجيش العراقي، والشرطة الاتحادية، والميليشيات المسلحة التي تدعمها إيران.

وقال العميد يحيى رسول، المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية، إنَّ المستشارين العسكريين الأميركيين يعملون مع الجيش العراقي والقوات الخاصة، وإنَّ الولايات المتحدة قد قدَّمت الدعم الجوي للقوات البرية العراقية أمس الجمعة.

وقال رئيس أركان الجيش العراقي، إنَّ تقدُّم العراقيين قد منحهم هم وتحالفهم الذي تقوده الولايات المتحدة مركزاً عملياتياً، متقدماً لرصد أى مقاتلين فارّين تابعين لداعش عندما تلاقت الجيوش.

وقال زعيم إحدى العشائر السنية العراقية، الذي شارك أعضاء عشيرته أيضاً في القتال، إنَّ المقاتلين الأجانب في تنظيم الدولة الإسلامية فرّوا من القائم قبل أن تُجهِز القوات العراقية عليهم أمس الجمعة. وقال الزعيم الشيخ قطري العبيدي إنَّ غالبيتهم نقلوا عائلاتهم عبر الحدود السورية باتجاه البوكمال.

وقال الشيخ العبيدي إنَّ العديد من مقاتلي داعش لا يزالون في الأراضي العراقية مختبئين على ضفاف نهر الفرات الذي يتدفق بين البلدين. وفرَّ أيضاً العديد من أنصار داعش من القائم في قوارب عبر النهر باتجاه مدينة الرمانة في العراق.

وحتى مساء الجمعة، كانت هناك مدينتان عراقيتان على الأقل لا تزالان تحت سيطرة داعش، وهما الرمانة التي تقع شمال غرب القائم، ومدينة راوة بالشرق.

وتفيد الأخبار الواردة من دير الزور باحتفال عشرات الآلاف من سكانها الذين نزحوا إلى مناطق مختلفة في سوريا والمنطقة، وعلى الرغم من ذلك وكما هو الحال مع الرقة، فإنَّ هؤلاء السكان لا يستطيعون العودة إلى ديارهم في أي وقتٍ قريب نظراً للدمار الشديد، وخطر الألغام الأرضية، وخلايا داعش النائمة التي لا تزال هناك.

تحميل المزيد