زوكربيرغ وأسماء أخرى

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/02 الساعة 04:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/06 الساعة 11:06 بتوقيت غرينتش

توجد أسماء أجنبية، خاصة في الإنكليزية والألمانية، عندما تسمعها تشعر لها بهيبة كبيرة لوقعها كاسم عائلة، ولكن عندما تتأمل معناها وتتفحص تركيبها اللغوي وتفهمه لا تملك إلا الابتسام؛ لأن هيبة الاسم تطلع "فاشوش"؛ لأنك كما يقال "تسمع قعقعة ولا ترى طحناً"!

على سبيل المثال لاحظ اسم مثل Schumacher (شوماخر) سائق الفورميولا الشهير اسمه ببساطة يعني (جزماتي)؛ لأن مقطع (شو) يعني (جزمة) ومقطع (ماخر) يعني (صانع)، ومعنى التركيب (صانع الجزم) أي (الجزماتي).

ولاحظ كذلك اسم مثل Hammerschmidt (هامرشميت) وهو يطلق على أشياء كثيرة، ويعني ببساطة (مطرقة الحداد)؛ لأن مقطع (هامر) يعني (شاكوش أو مطرقة) و(شميت) يعني (الحداد أو اللحام)، وهو يستعمل كاسم بمفرده.

وفكرة "اسم العائلة" موجودة عند العرب منذ العصر الجاهلي، بل هي الركيزة الأولى لثقافتهم؛ حيث كان لكل قبيلة التي يحمل اسمها وينتسب إليها، فهذا قرشي، وهذا تميمي، أو كندي.. إلخ.

وفقط بعد الإسلام ودخول غير العرب فيه ظهر الانتساب للمدن (البصري، الكوفي، البغدادي، والبخاري.. إلخ) وللحِرَف (النجار والحداد والخشاب والزجاجي والحلوجي والمعايرجي.. إلخ)، وكان بعض الموالي ينتسب كذلك للقبائل التي يوالونها.

أما في الغرب فلم يبدأ هذا إلا في القرن التاسع الميلادي، تحديداً في مدينة "البندقية" شمال شرق إيطاليا، ومنها انتقل للدول الأوروبية الأخرى.

وفي البداية لم يكن اختيار اسم عائلي جبرياً ولا ثابتاً ويكاد يقتصر على النبلاء وكبار التجار، وكان للبعض أن يغيّر اسم عائلته كما شاء.

ومن الطريف أنه في سنة 1875م قرر الريخ الألماني أن يعمّم نظام اسم العائلات ويثبته فاضطر يهود الرايخ لاختيار أسماء لهم، فكانت الغالبية منهم تختار حِرفتها كاسم عائلة، وبعضهم ابتكر لنفسه أسماء مركبة وذات وقع جميل.

وهذا ينطبق على أسماء من قبيل (زوكربيرغ) وهو يكتب في الإنكليزية والألمانية (Zuckerberg) وينطق في الألمانية (تسوكربيرج).

والمقطع الأول (تسوكر) كما هو واضح (سكر)؛ لأن الكلمة عربية الأصل ودخلت في اللغات الأوروبية منذ العصور الوسطى.

أما المقطع الثاني (بيرغ) فتعني كما نعلم (جبل)، فاسم الولد الغني بتاع الفيسبوك يعني ببساطة (جبل السكر).. ابن المحظوظة ماشية معه حلاوة حتى في الاسم!

ومن الطريف أيضاً اسم ابن المحظوظة الثاني (Spielberg) مخرج الأفلام الشهير دائم التبرع لإسرائيل مما يبيعه لنا ينطق اسمه بالألمانية (شبيلبيرغ).

المقطع الأول (شبيل) يعني (اللعب) والمقطع الثاني (بيرغ) يعني كما سبق (جبل)، أي أن اسمه يعني ببساطة (جبل اللعب)، وهذا حقيقي فالرجل يقف الآن على جبل كبير من الأفلام المملوءة باللعب!

وبسبب هذا التأمل والتتبع أصبح لديّ ومنذ فترة ميل كبير للعمل على توحيد كتابة الأسماء الأجنبية، كما فعل المستشرقون مع الأسماء العربية؛ حيث لهم طريقة موحدة ابتكرها الألمان واستخدمت في الكتابات الأكاديمية المهمة مثل "دائرة المعارف الإسلامية" وغيرها.

وهذا عمل لا بد أن تقوم به المجامع اللغوية خاصة كيفية كتابة أسماء الفلاسفة والكتاب والمستشرقين بالعربية بالطبع.

وأجد أحياناً طرق كتابة مضحكة للأسماء خاصة ذات الأصل الجرماني أو الأنجلوساكسوني. ومن ذلك كتابة بعضنا لاسم الفيلسوف الألماني (Gadamer) وينطق (جدامه) ويمكن كتابته (جدامر)، ولكن هذا البعض يكتبه هكذا (غادامير) أو (جادامير)!

ومرة أخرى وجدت أحدهم يكتب اسم المستشرق المجري الشهير (Goldziher) هكذا (كولزيهر) فتعجبت جداً؛ لأن الاسم كأغلب أسماء يهود وسط أوروبا جرماني الأصل وينطق بالألمانية (جولدتسيهر)، وهو يعني في الحالتين: الصائغ أو صانع الذهب، وهكذا كتبها المترجم القدير الدكتور عبد الحليم النجار على ترجمته لكتاب "مذاهب التفسير الإسلامي" لجولدتسيهر.

وبالمناسبة منذ زمن وأنا أتمنى رؤية أي صورة للدكتور النجار لأعرف كيف كان يبدو، فأرجو ممن لديه صورة أن ينشرها له!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عبد السلام حيدر
أستاذ جامعي متخصص في التاريخ
أستاذ جامعي متخصص في التاريخ
تحميل المزيد