عن الهالوين في ديار الياسمين

يشرف على هالوين سوريا الحاكم بأمره مستخدماً قانون الطوارئ الذي أتاح لكل أنواع الروح الشريرة بصب جام غضبها على أمن البلد، فيصبح مشهد الاعتقال الحقيقي وكأنه فيلم تصويري مرعب لا يمكن للعاقل تصديقه.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/02 الساعة 09:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/02 الساعة 09:28 بتوقيت غرينتش

أطول وأبشع هالوين هو في بلادنا، فهو ليس مجرد احتفال، بل حالة يومية مستعصية منذ عقود مع فارق كبير بين الحالتين الأوروبية والعربية.

فشعوب أوروبا لها في كل عام من نهاية أكتوبر/تشرين الأول وقفة احتفالية أقرب للكرنفال القرباني للتخلص من الأرواح الشريرة أو الأموات؛ حيث تقام في الشوارع طقوس خاصة دموية تتخللها إشعال للحرائق في الهواء الطلق لطرد الأرواح الشريرة، يترافق ذلك مع مهرجان ولباس خاص أشبه بالأشباح المخضبة بالدم، وبيدها سواطير وسكاكين ودماء وأشلاء هنا وهناك، ورؤوس مقطعة تنزف دماً طبعاً أغلبها بلاستيكي أو من القماش الخاص، ولكن الواضح في الكرنفال أنه احتفال يتخلله توزيع حلوى وسكاكر وأطعمة وطوفانات في الشوارع للتخلص من الأرواح الشريرة للأموات، وتجنباً لغضبها.. ويبقى اسمه احتفال أو طقس خاص لهذه الشعوب يشارك فيه الأطفال روح البراءة والنساء وكل أطياف المجتمع.

عربياً وعن الهالوين في منطقتنا فهو ليس مجرد احتفال، للأسف لقد أصبح أشبه بنظام دولة ممنهج يأخذ فتواه من لِحى متشربة بالحقد وسيف السلطان.

في هالوين العرب لا يتم صرف ميزانية لهذا الاحتفال من أجل التخلص من غضب الروح البشرية، على العكس يتم استدعاء الأرواح الشريرة بدون أقنعة خاصة وألبسة فلكلورية، إنها أبسط مما نتصور وأظلم من طقس هالويني كذلك الذي تشهده إحدى عواصم أوروبا.

يشرف على هالوين سوريا الحاكم بأمره مستخدماً قانون الطوارئ الذي أتاح لكل أنواع الروح الشريرة بصب جام غضبها على أمن البلد، فيصبح مشهد الاعتقال الحقيقي وكأنه فيلم تصويري مرعب لا يمكن للعاقل تصديقه.

وعندما بدأت الأرواح الطاهرة بإقامة طقوس الثورة والأناشيد لطرد الروح الطاغية عن سماء الياسمين، بدأ هالوين النظام العربي يضخ طقوسه الشريرة في فضاءات المدينة، مستخدماً كل أنواع الأسلحة التي فاقت كل الطقوس الاحتفالية، فترى الأرواح الشريرة التي تم استدعاؤها تقود مركبات وطنية وروسية الصنع، تمطر سماء المدينة وأرضها بشتى أنواع القذائف، فتحيل الأرض خراباً أسود يلتف بالحرائق التي أضاءت أركان المنازل والمدارس، فطردت منها كل ما هو بريء، فكان المشاركون قهراً في هذا الكابوس من كل الأعمار حتى الأطفال سالت طهارتهم على الأرصفة وبين ركام الخراب، أو خنقاً بفعل الطقوس الكيماوية والمحرمة دولياً.. مشهد ليس تمثيلاً أو كرنفالاً بل حقيقة يعيشها السوريون منذ سنوات.

هذه الحرب الهالوينية تخللها كل أنواع الأسلحة اليدوية والكيماوية تقرباً لإله الطغيان وآلهة الحرس القديم للديكتاتورية وصولاً إلى المشهد الأكثر دموية في صعود الكرنفال المتطرف لتنظيمات شريرة أتت تلبية لدعوة الحاكم بأمره الذي أقام احتفالاً لاستدعاء شذاذ الآفاق من كل بقاع الأرض مرتدين السواد المقنع وبأيديهم غضب الأرواح الحاقدة، ويطوفون بأرض الياسمين حاملين بأيديهم رؤوساً مقطعة ناشرين غضبهم في كل ذرة من هذا التراب الآمن، وبأيديهم يلمع رعب الموت الذين قدموا تلبية لدعوته الشريرة.

مشهد فائق للوصف والتصوير وتعجز عنه كل معاجم الأرض ولغاتها، ربما يتطلب إعادة إنتاج أبجدية خاصة لهذا الظلم والفجع المركز، ولكن يبقى الجدل والسؤال المر إن كانت أوروبا الآمنة والمستقرة تقيم طقوسها لطرد الأرواح الشريرة فكم كرنفالاً يلزم سوريا كي تعود إلى حضن الياسمين ثانية وتغني للحياة؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد