بعد أكثر من عقدٍ على إخراجها من غزة على يد حركة حماس، سيطرت السلطة الفلسطينية الأربعاء، 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، على معابر القطاع، وهي أكثر علامة ملموسة حتى الآن على إحراز تقدُّم في الاتفاق الرامي لإنهاء انقسامٍ مرير بين الحركتين وتخفيف العزلة الخانِقة على القطاع.
وعلى مدى سنوات، سعت حركتا فتح وحماس، اللتان تهيمنان على السلطة الفلسطينية، للمصالحة، وكان الأمن على المعابر هو أحد العقبات الرئيسية في سبيل تحقيق ذلك. ولذا، كانت تلك اللحظة التي سلَّمت فيها حماس رسمياً السيطرة على المعابر إلى السلطة في احتفالٍ صباحي، عند معبر رفح على الحدود المصرية لحظةً مهمة، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
عُزِف السلامان الوطنيان الفلسطيني والمصري. وزُيِّن المعبر بصورٍ ضخمة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي لم تطأ قدماه غزة منذ سيطرت عليها حماس بعد طرد قواته عام 2007.
وتحظى السلطة الفلسطينية باعترافٍ دولي، في حين تُصنَّف حماس، وهي حركة مُسلَّحة إسلامية، كتنظيمٍ إرهابي من جانب إسرائيل، والولايات المتحدة، ومعظم الغرب. وبعد إشراف السلطة الفلسطينية على المعابر، يأمل سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة في تخفيفٍ كبير للحصار الذي تفرضه إسرائيل ومصر بسبب مخاوف أمنية، وهو ما يحد بشدة من حركة الأفراد والبضائع.
إلغاء الضرائب
وفي إشارةٍ فورية على الارتياح، أعلنت السلطة الفلسطينية أنَّها ستلغي المجموعة التي سمَّتها ضرائب ورسوم "غير قانونية" من الغزيين، في إشارةٍ إلى الرسوم غير الرسمية التي تبلغ ملايين الدولارات شهرياً، التي كانت حماس تجنيها من الواردات وشبكات التهريب عبر الحدود.
وبموجب الاتفاق بين الفصائل الفلسطينية المتنافسة، المُوقَّع في أكتوبر/تشرين الأول الماضي وبوساطةٍ مصرية، وافقت حماس على تسليم شؤون الحكم اليومية في غزة إلى السلطة الفلسطينية إلى جانب نقل السيطرة على المعابر. ومثَّل هذا الاتفاق اعترافاً عملياً من حماس، التي حاربت إسرائيل 3 مرات، بأنَّها لا تستطيع حكم غزة دون منافستها.
ويُفتَرَض أن تكون الخطوات التالية في الاتفاق هي عقد لقاءٍ هذا الشهر لجميع الفصائل الفلسطينية في القاهرة، ومحادثاتٍ تهدف إلى تشكيل حكومة وحدة.
لكن الاتفاق ما زال يترك قضايا رئيسية دون حل. أهمها مصير الترسانة الهائلة من الصواريخ والأنفاق المُحصَّنة التي تعود لحماس والحركات المسلحة الأخرى في غزة، فضلاً عن عشرات الآلاف من المقاتلين.
ومن المُقرَّر أن يبدأ معبر رفح، الذي فُتِح بشكلٍ مُتقطِّع ولبضعة أيام فقط في المرة الواحدة خلال السنوات الأخيرة، العمل بشكلٍ كامل في 15 نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك بعدما تُنهي مصر تجديداتٍ في جانبها من الحدود. ومن المتوقع أن يستمر عمل معبري إيريز وكرم أبو سالم على طول الحدود مع إسرائيل، وهما اللذان يُستخدمان أساساً لأغراضٍ إنسانية.
قال فارس ناصر، 60 عاماً، وهو سائق حافلة عاطل عن العمل في مدينة غزة: "فتح معبر رفح هو أكبر إنجاز للشعب الفلسطيني وهو مكسبٌ تاريخي".
وقال إنَّه عجز عن الدخول إلى مصر لتلقي العلاج الطبي، وإنَّ ابنته، التي تعيش في دبي، عجزت منذ 5 سنوات عن زيارة غزة ورؤية ولديها اللذين يدرسان في الجامعة هناك.
وقال أبو خالد حمدان، 60 عاماً، وهو شخصٌ آخر من سكان غزة، إنَّه اعتاد إعادة ولده، الذي يدرس الهندسة في مصر، إلى غزة، من أجل الزيارات عبر نفقٍ بتكلفة 200 دولار للرحلة الواحدة.
إسرائيل تشعل الحدود
وخيَّم اشتعال الحدود مع إسرائيل هذا الأسبوع على الاحتفالات، وهو الأمر الذي يؤكِّد على هشاشة المصالحة.
ففي يوم الإثنين، 30 أكتوبر/تشرين الأول، قصفت إسرائيل ما قالت إنَّه كان نفقاً هجومياً لحركة الجهاد الإسلامي، وكان يمر تحت سياجٍ حدودي إلى داخل إسرائيل. وقالت إسرائيل إنَّ القصف جرى على جانبها من السياج، وقال الجيش الإسرائيلي إنَّه كان يهدف لتعطيل النفق وليس قتل كبار المُسلَّحين.
ومع ذلك، تحوَّلَ الأمر ليصبح الحادثة الأكثر دموية على الحدود منذ حرب غزة 2014. إذ قُتِل 5 مسلحين من حركة الجهاد، من بينهم قائدان بارزان. وقُتِل أيضاً مُسلَّحان من حماس، بينما كانا يقومان بما وصفته الحركة بأنَّه مهمة إنقاذ.
وحركة الجهاد الإسلامي ليست طرفاً في اتفاق المصالحة، وهدَّد ذلك الحادث بإفشال اتفاق الوحدة الوليد. وكانت 6 محاولات سابقة على الأقل للمصالحة بين حماس وفتح، وهي الحركة الرئيسية التي يتزعمها الرئيس محمود عباس، قد فشلت.
ضغط مصري
وحسب تقرير نيويورك تايمز فإنه بسبب ضغوط مصر، لم ترد الحركتان (الجهاد وحماس) على القصف الإسرائيلي، وما سمح باستمرار إجراء المراسم عند المعابر، حتى في ظل استمرار عمليات البحث عن مزيدٍ من الجثث.
وقالت حركة الجهاد الإسلامي إنَّها تنظر في خيارات الرَّد على العملية، التي أسفرت عن مقتل 7 فلسطينيين، حسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
وقال خالد البطش، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي بغزة، إنَّ "إسرائيل حاولت فرض معادلة جديدة على المقاومة، يُسمَح من خلالها لإسرائيل بالقتل، والاغتيال، والقصف متى ما شاءت". وأضاف، متحدثاً في المستشفى الذي كان يُعالَج به الجرحى: "علينا أن نمنعها من ذلك".
وقال المُتحدِّث باسم الجيش الإسرائيلي، رونين مانيليس، للصحفيين، في رسالةٍ بدت مُنسَّقةً مع السياسيين، إنَّ إسرائيل لم تكن تسعى للتصعيد، وإنَّ الجيش ليست لديه خطط لخلق أي توتر على طول الحدود مع غزة.
وأضاف مانيليس أنَّ النفق قد دُمِّرَ في هذا التوقيت لأسبابٍ تشغيلية، فهو لم يُمثِّل تهديداً مباشراً لأمن الإسرائيليين الذين يعيشون بالقرب من الحدود، ولكن حقيقة أنَّه محفورٌ بالقرب منهم تُشكل "انتهاكاً فجَّاً للسيادة الإسرائيلية" وهو أمرٌ لم تكن إسرائيل لتسمح به، حسب قوله.
ولم يذكر ما إذا كان النفق قد حفرته حماس أم حركة الجهاد الإسلامي، ولكنَّه شدَّدَ على أنَّ إسرائيل ترى نظام حماس مسؤولاً حصرياً عن أي شيءٍ يحدث في القطاع، ويُفتَرَض أنَّ قادة الحركة كانوا على علمٍ بالنفق.
واكتُشِفَ النفق مؤخراً بالقرب من السياج الحدودي، على بُعد حوالي 2 كم من مستوطنة كيبوتس كيسوفيم. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، للكنيست، إنَّ النفق اكتُشِفَ "بفضل استخدام تكنولوجيا متطوِّرة". ولم تكشف قوات الدفاع الإسرائيلية عن طريقة تدمير النفق.
ولفتت صحيفة نيويورك تايمز إلى أنه رغم هذا التوتر، احتفى رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، رامي الحمد الله، بما حدث أمس الأربعاء، قائلاً إنَّ تحمُّل حكومته المسؤولية في المعابر كان "خطوة أساسية لتمكين الحكومة وتحقيق وحدتنا الوطنية".
وأشاد نيكولاي ملادينوف، مُنسِّق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط بالخطوة، باعتبارها "تطوراً مهماً يجب أن يُسهِّل رفع الإغلاقات، ومعالجة المخاوف الأمنية الإسرائيلية المشروعة، وزيادة الدعم الدولي لإعادة إعمار غزة، ونموها، واستقرارها، وازدهارها".
لن تتعامل مع حماس
وتفاعلت إسرائيل، التي عبَّرت عن تحفُّظاتٍ على أي اتفاق مصالحة لا ينزع سلاح حماس، بصورةٍ أكثر حذراً. فقد وجَّه الجنرال يوآف مردخاي، الذي يقود الكوغات، وهي الوكالة الحكومية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع السلطات الفلسطينية في الشؤون المدنية، فريقه بالاجتماع مع نظرائهم الفلسطينيين، لبحث العمل المشترك والإجراءات الأمنية على المعابر.
وقال الجنرال مردخاي، بحسب بيان صادر عن مكتبه، إنَّ إسرائيل تصرُّ على عدم مشاركة أي عناصر لحماس، أو أي شخص يعمل نيابةً عن الحركة، في تشغيل المعابر أو في محيطها.
سلاح المقاومة
وتبدو حماس عازمةً على إلقاء عبء حكم غزة عن كاهلها، لكن دون قبول الاتفاقات الفلسطينية – الإسرائيلية التي جرى التوصُّل إليها في التسعينيات، والتي أدَّت إلى نشأة السلطة الفلسطينية، أو التخلِّي عمَّا يُسمَّى بـ"سلاح المقاومة" ضد إسرائيل.
وقال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، في خطابٍ ألقاه الأربعاء في غزة: "الانقسام أصبح خلف ظهورنا"، وإنَّ قرار المصالحة لا رجعة فيه. وأضاف: "نحن انتهينا من المرحلة الأولى من المصالحة. وحماس لديها استراتيجيتها بعدم الاعتراف بإسرائيل".
واتهمت حماس إسرائيل بارتكاب جرائم في أعقاب قصف النفق، وقالت إنَّ إسرائيل كانت تحاول عمداً إفشال المصالحة، وهو ما يوضح الخلافات العميقة والمتبادلة بين الفصائل الفلسطينية المتنافسة. ودعا هنية أيضاً السلطات الفلسطينية لوقف تنسيقها الأمني مع إسرائيل، وهو الأساس الذي تقوم عليه الاتفاقات بين الطرفين، والذي وصفه هنية بأنَّه "عيب".