"فرصة للترويج للفيدرالية في سوريا تمهيدا لما بعدها"، هكذا يتعامل الأكراد السوريون كما يبدو مع مؤتمر "شعوب سوريا" الذي طرح بمبادرة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال منتدى "فالداي" الذي عقد بمدينة سوتشي الروسية نهاية الشهر الجاري أكتوبر/تشرين الأول 2017.
فقد أكد ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري في موسكو، عبد السلام علي، خلال حوار مع صحيفة "نيزافيسيمايا" الروسية أن الخطة الكردية لإضفاء طابع فيدرالي على الجمهورية العربية السورية يمكن أن تكون موضع نقاش ضمن فعاليات "مؤتمر شعوب سوريا" الذي طرح بمبادرة من قبل بوتين خلال منتدى "فالداي".
الاستقلال
وقال عبد السلام علي في الحوار إن قيادة كردستان السورية لا تنوي الاستقلال عن سوريا، على الأقل في الوقت الحاضر، حسب تعبيره.
ويرى مراقبون أن المؤتمر بمثابة خطوة غير مسبوقة نحو توسيع مجال حقوق هذه المجموعة العرقية التي لعبت دوراً رئيسياً في الحرب ضد تنظيم الدولة.
وقال عبد السلام إنه من المتوقع إجراء مشاورات أولية بشأن هذا المؤتمر في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2017، في قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية السورية، حيث سيشمل الحوار مصير النظام الاتحادي الديمقراطي لشمال سوريا (كيان حكومي أعلنه الأكراد السوريون من جانب واحد في ربيع سنة 2016).
هل يحضر الأسد؟
وقال أحد ممثلي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، الذي يعد من بين القوى السياسية الرئيسية في شمال البلاد،: "نحن مستعدون لمثل هذه الخطوة، ويجب على الرئيس السوري بشار الأسد أن يكون موجوداً خلال هذه المحادثات.
وأضاف: في الحقيقة، لا يطالب الأكراد بالاستقلال عن سوريا، بل يحاولون فقط إنشاء جمهورية ديمقراطية فدرالية داخل سوريا".
من جانبها، أكدت المعارضة السورية أنها لم تتلقَّ أي دعوة رسمية للمشاركة في مؤتمر شعوب سوريا، وذلك حسب ما صرح به أحد قادة المعارضة السورية، قدري جميل.
وعلق جميل قائلاً أن "هذه الفكرة لا تزال قيد التطوير، كما لم يحسم الأمر بعد. ولكن من الواضح أن مهمة هذا المؤتمر تتمثل في تعزيز محادثات جنيف.
وأردف قدري جميل الذي يوصف بأنه رئيس "منصة موسكو" وكان نائباً لرئيس الوزراء السوري، أن الأكراد السوريين يجب عليهم المشاركة في المؤتمر وإلا ستتوج هذه المبادرة بالفشل.
وبينما تركز مفاوضات أستانة على الجانب العسكري، سيتناول هذا المنبر الجانب السياسي لتهيئة بيئة ملائمة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية بمشاركة ما بين ألف و1500 شخص تقريباً".
انقسام سوريا
ويرى الجانب الروسي أنه من السابق لأوانه الجزم بأن المؤتمر الذي سيجمع بين جميع ممثلي العرقيات السورية سينعقد في حميميم.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد قال خلال كلمته في منتدى منتدى "فالداي" إن هناك تقدماً إيجابياً في عملية التسوية بسوريا، بفضل التعاون بين عدد من الدول، بما في ذلك تركيا وإيران والولايات المتحدة وكذلك السعودية وقطر.
وتوقع بوتين أن إقامة المناطق الـ4 لخفض التصعيد لن تسفر عن انقسام سوريا، على الرغم من أن هذا التهديد يوجد بصورة عامة.
ونقل موقع "روسيا اليوم" عن بوتين قوله أن الخطوة التالية بعد إنشاء هذه المناطق قد تتمثل بتشكيل ما يسمى بمؤتمر شعوب سوريا لمصالحة الحكومة والمعارضة.
وأكد بوتين أن هذا الهيكل الجديد، من المخطط له أن يضم ممثلين عن الحكومة وفصائل المعارضة وكذلك جميع الطوائف العرقية والدينية.
من جانبه، قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي في سوريا، ألكسندر لافرينتيف، أنه سيتم الاتفاق على موعد ومكان انعقاد المؤتمر خلال الاجتماع السابع للدول الضامنة لمسار مفاوضات أستانا حول سوريا الذي انطلق في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2017.
ونقلت "روسيا اليوم" عن لافرينتيف، قوله: "نؤمن بأن هذا المؤتمر يعد خطوة فاصلة في إطار التسوية السياسية في سوريا. كما يجب أن يقرر الشعب السوري مصيره بنفسه.
وأضاف: في حال التقت مختلف الأطياف السياسية المتنازعة في سوريا، سيصبح من الممكن مناقشة جميع المسائل العالقة، فضلاً عن الخطوات التي يجب اتخاذها للقيام بالإصلاحات السياسية الضرورية".
هل يقبل الأسد؟
وترى الصحيفة أن مناقشة الإصلاحات السياسية تشير إلى أن المشاركين في هذه المحادثات سيتوصلون عاجلاً أم آجلاً إلى التوافق بشأن مشروع الدستور السوري. ويبقى السؤال المطروح، ما إذا كان الدستور الجديد سيأخذ شكلاً يفي بتطلعات الأكراد بكل تام؟
ولفتت الصحيفة إلى أنه، في الآونة الأخيرة، خففت دمشق من وتيرة خطاباتها الحادة الموجهة للأكراد الذين تمكنوا من تدمير تنظيم الدولة (داعش).
وقد تجلى ذلك بوضوح من خلال التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية السوري وليد المعلم خلال لقاء صحفي أجراه مع وكالة روسيا اليوم في أواخر شهر سبتمبر/أيلول 2017.
وتعليقاً على نتائج الاستفتاء حول استقلال كردستان العراق، قال رئيس الدبلوماسية السورية: "نحن نعارض وبشدة الاستفتاء حول استقلال كردستان العراق، نحن مع وحدة العراق.
وأردف قائلاً: وعلى الرغم من أن أكراد سوريا يرغبون بشكل من أشكال الحكم الذاتي داخل حدود الجمهورية العربية السورية، إلا أنه يمكن التفاوض بشأن هذا الأمر. ولكن لن يتم ذلك قبل الانتهاء من سحق تنظيم الدولة، عندئذ فقط يمكننا أن نجلس مع الأكراد ونتفق على صيغة مشتركة للمستقبل".
سقوط الرقة سيغير شكل سوريا
ويعتقد المحللون الروس أن تحرير الرقة من قبضة تنظيم داعش يثير دون شك مسألة شكل النظام السياسي في سوريا في المستقبل.
في هذا الإطار، قال الباحث في التاريخ المعاصر للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، غريغوري لوكيانوف، أن "القضية المطروحة على جدول الأعمال بعد القضاء على داعش في الرقة تتمثل في المرحلة التالية في خضم الصراع الأهلي وإلى أي مدى سيتطور.
وتعد المبادرة بعقد مثل هذا المؤتمر بمثابة إشارة لدفع مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة للبدء في العمل على منهج جديد في الغرض. ويقترح الجانب الروسي مناقشة القضايا الملحة، والتعامل مع الظروف الجديدة فور التخلص من مصدر الشرور في البلاد، أي تنظيم داعش وجبهة النصرة".
ويرى لوكيانوف أن مؤتمر شعوب سوريا سيعزز وضع روسيا على اعتبارها لاعباً رائداً في المجال السياسي السوري.
ويرى لوكيانوف أن تصريحات وزير الخارجية السوري فيما يتعلق باستعداد الحكومة السورية للدخول في حوار مع قيادة كردستان السورية تعد بمثابة حل توافقي ناجع.
وأضاف أنه "في هذه الحالة، يمكننا القول إن الجانب السوري أراد التحرك بشكل مسبق، على الرغم من أن هذه التصريحات قد تكون مجرد محاولة للحاق بركب بقية الأطراف الفاعلة نظراً لأن الأميركيين يدعمون فكرة قيام شمال سوريا على اعتباره بديلاً لحكومة دمشق.
وترى الصحيفة أن الحكومة السورية تحتاج إلى التخلص من سيطرة الولايات المتحدة على الأكراد، وذلك عن طريق تقديم بعض الخيارات التي تستجيب لتطلعاتهم.
وأظهرت الأحداث الأخيرة أن الأكراد لا يثقون البتة في الحكومة السورية".
ويعتقد بعض المراقبين أنه من الصعب على السلطات السورية أن تشرع في إجراء تغيير فوري وجذري، فضلاً عن تقديم بعض التنازلات لصالح النظام الاتحادي الديمقراطي لشمال سوريا.
موقف تركيا
أما المراقبون الأتراك، فيعتقدون أن مؤتمر شعوب سوريا قد يضفي الشرعية على مطالب الأكراد السوريين.
وفي هذا الصدد، أقر المحلل السياسي التركي، كريم خاس، بأنه "يمكن للأكراد أن يحاولوا من خلال هذا المؤتمر كسب الشرعية بغض النظر عن موقف تركيا.
ويعزى غياب الأكراد أساساً عن مفاوضات جنيف وأستانا إلى رفض أنقرة لذلك، حيث نجحت في إقناع كل من الغرب وموسكو بأنه لا ينبغي مشاركة الأكراد في مثل هذه المفاوضات.
في المقابل، تود روسيا أن تدعو ممثلي مختلف الجماعات الكردية إلى هذا المؤتمر سعياً منها لتمكين الأكراد من محاولة حل جميع مشاكلهم خلال هذا الاجتماع.
وقد يؤدي هذا المؤتمر إلى بلوغ مرحلة جديدة من العلاقات بين تركيا والأكراد وروسيا. في حال لم تبادر أنقرة بمعارضة الأكراد خلال هذا المؤتمر، فذلك يعني أنه يتعين عليها تغيير وجهة نظرها من القضية الكردية في سوريا".
ويبقى السؤال المطروح: إلى أي جانب سيجلس الأكراد على طاولة المفاوضات، إلى جانب المعارضة أو إلى جانب النظام السوري؟