حين زار كيم جونغ-أون، الأسبوع الماضي، مصنع بيونغ يانغ لمستحضرات التجميل، والذي خضع للتجديد مؤخراً في كوريا الشمالية، ووجهه ترتسم عليه ابتسامة واسعة؛ لإعجابه بالأدوية والمستحضرات وأغلفتها الفاخرة- كانت برفقته سيدتان. صحيحٌ أنَّهما كانتا واقفتين على الهامش، لكنَّهما كانتا موجودتان.
إحدى هاتين السيدتين، والتي كانت ترتدي حُلَّة سوداء أنيقة مُزخرفةً برسوماتٍ من الزهور وتتأبط حقيبة يد، هي ري سول جو، زوجة كيم منذ 7 سنوات. وكانت تقف إلى جوار زوجها في أثناء تفقُّده عملية الإنتاج، وفقاً لصور نُشرت يوم الأحد 29 أكتوبر/تشرين الأول.
أمَّا الأخرى، التي تظهر في الخلفية وهي ترتدي الزي الوظيفي الأسود الخاص بأعضاء الحزب الشيوعي، وتحمل دفتر ملاحظات، فهي شقيقته الصغرى، كيم يو جونغ.
ولدى كلٍ منهما مهمةً تؤديها في ظل حكم كيم جونغ-أون؛ إذ تظهر إحداهما بمظهرٍ برَّاق وطموح، وتُمثِّل الأخرى أهمية العمل الشاق، وتُقدِّم كلتاهما مؤشراتٍ ومفايتح حول كيفية سير النظام الغامِض، حسب وصف تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
ويقول جونغ باك، وهو مُحلِّلٌ سابق لشؤون كوريا لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، ويعمل حالياً في معهد بروكينغز: "إنَّ زوجة كيم جونغ-أون تُمكِّنه من تمثيل الجانب الأرَقّ من نفسه. فهما زوجان عصريان، وشابان، ومفعمان بالنشاط والحيوية؛ إذ صار هذا الجيل الجديد من الكوريين الشماليين الذين نشأوا في ظل كوريا شمالية نووية، يربط الآن بين الحزم والجاذبية. وأظن أنَّ ذلك بقصد التشجيع على الأمل".
وتُعد شقيقة كيم، التي تبلغ من العمر نحو 30 عاماً، أحد أقرب مساعديه. فقد صعَّدها هذا الشهر إلى المكتب السياسي القوي لحزب العمال الحاكم، مُقرِّباً إيَّاها من مركز القيادة.
وأضاف باك: "إنَّها تدعمه. وكما تعلمون، إنََّها لا تحصل على هذه المناصب القيادية بمجهودها".
وضع المرأة في كوريا
جديرٌ بالذكر أنَّ وضع المرأة في كوريا الشمالية يتسم بتباينٍ كبير. ففي ظل الشيوعية، تُعَد المرأة أكثر اندماجاً بالمجتمع من نظيرتها في كوريا الجنوبية المجاورة؛ بل يصل الأمر إلى أنَّها تخدم في الجيش. والنساء هنَّ اللاتي يجنين معظم الأموال في كوريا الشمالية حالياً.
وبينما يكدح أزواجهن في أداء وظائفهم بمصانع الدولة أو مزارعها المتدهورة لكسب أجورٍ زهيدة، تذهب النساء المتزوجات إلى الأسواق المزدهرة لبيع كل شيء، بدءاً من كعك الأرز المصنوع محلياً وحتى مواقد الأرز المستوردة، وهو ما يجعلهن يكسبن في كثير من الأحيان أضعاف ما يتقاضاه أزواجهن.
لكن على صعيدٍ آخر، لا تزال المبادئ الكونفوشيوسية الهرمية التي صمدت قروناً في شبه الجزيرة الكورية قائمة بدرجةٍ كبيرة؛ إذ يُنظَر إلى النساء على أنَّهن مواطناتٍ من الدرجة الثانية، ويقتصر هدفهن الأساسي على تربية الجيل القادم من الجنود.
ويتسم مفهوم الأمومة بالقوة في كوريا الشمالية، ويُشار إلى الدولة غالباً في الدعاية على أنَّها "الوطن الأم" الذي يحتضن الجميع ويرعاهم. وكانت هناك أغنية مُفضَّلة لكيم جونغ-إل، ثاني زعماء كوريا الشمالية، ووالد الزعيم الحالي، باسم "No Motherland Without You-لا وطنٌ أُمٌّ من دونكم".
علاقات أسرية
وتصل جميع النساء اللاتي يترقين لمناصب عليا في كوريا الشمالية تقريباً إلى هذه المناصب بفضل علاقاتٍ أسرية، مثل تشوي سون هوي، وهي المحاورة الرئيسية للنظام مع الولايات المتحدة. فهي ابنة رئيس وزراءٍ سابق ويُعتقد أنَّها على صلةٍ مباشرة بكيم.
وتُعَد كيم جونغ سوك، زوجة الرئيس المؤسّس كيم إل سونغ، ووالدة كيم جونغ-إل، هي أشهر امرأة في كوريا الشمالية. وتحظى بتقديرٍ بصفتها محاربةً مناهضةً للإمبريالية.
ولم يظهر كيم جونغ-إل قط مع أيٍ من زوجاته الخمس، لكن منذ أصبح ابنه زعيماً لكوريا الشمالية في عام 2011، بدأ النظام في تأليه كو يونغ هوي، ثاني زوجات كيم جونغ-إل ووالدة كيم جونغ-أون.
إعدام عمه
يُذكَر أنَّ كيم كيونغ هوي، شقيقة كيم جونغ-إل، (عمة الزعيم الحالي)، كانت بارزة كذلك فى حزب العمال، وكانت تشغل مجموعةً كبيرة من المناصب النافِذة، وكانت سابقاً تشغل مقعد المكتب السياسي الذي تشغله حالياً ابنة أخيها كيم يو جونغ. وقال مايكل مادن، الذي يكتب في موقع North Korea Leadership Watch الإلكتروني، إنَّها وزوجها أعدَّا كيم يو جونغ للدور الذي ستلعبه.
لكنَّها لم تُشاهَد علانيةً منذ أعدم كيم جونغ أون زوجها، الذي هو عمه، في عام 2013؛ بسبب محاولاته الواضحة لزيادة صلاحياته بدرجةٍ كبيرة جداً.
تلميع صورته
وقال مادن إنَّ شقيقة الزعيم الكوري، كيم يو جونغ، ظهرت علانيةً لأول مرة في جنازة والدها في عام 2011، ومن الواضح أنَّها تتولى حالياً مسؤولية تعزيز صورة شقيقها.
فهي تُدير قسم الدعاية والتأثير في حزب العمال، وهو المنصب الذي دفع وزارة الخزانة الأميركية إلى فرض عقوباتٍ عليها هذا العام (2017)، وكانت قد شُوهِدت وهي تُنظِّم أوراقاً ولوجيستيات في عدة فعاليات، بما في ذلك أحد العروض العسكرية.
وقال باك، الذي يعمل في مؤسسة بروكينغز: "دائماً ما تظهر كيم يو جونغ في الخلفية، نوعاً ما كأنَّها مستترة خلف شقيقها بمكانٍ ما. فهي ليست مهمة في حد ذاتها، ولكنها جزء من هذا الحكم الوراثي".
أصول زوجته
في كوريا الشمالية، لا يُصبح الدم ماءً؛ إذ حافظت أسرة كيم على السلطة أكثر من 7 عقودٍ بالاعتماد على ولاء دائرةٍ مُقرَّبة، وادِّعاء ما يُشبه حقاً مُنزَّلاً من السماء موسوماً في دمائهم.
وتأتي زوجة كيم من تلك الدائرة المُقرَّبة من الكوادر الوفية.
وتنتمي ري، التي يُعتقد أنَّها أصغر ببضع سنوات من زوجها البالغ 33 عاماً، إلى إحدى أسر النخبة التي ساعدت على إبقاء عائلة كيم في السلطة. وقال مادن إنَّ ري بيونغ تشول، وهو قائد سابق للقوات الجوية، كان يظهر بجوار كيم دائماً في أثناء عمليات إطلاق الصواريخ، هو جدها أو عمها الأكبر.
ويُقال إنَّها كانت مغنيةً ضمن أوركسترا أونهاسو، التي هي جزء من جهود الدعاية التابعة للنظام، ويُقال أيضاً إنَّها سافرت إلى كوريا الجنوبية في عام 2005 كعضوةٍ في إحدى فرق الهتاف بمسابقةٍ رياضية.
ويُعتقد أنَّ كيم وري سول جو قد ترعرعا على أيدي عمة كيم وعمه الذي أُعدِم، وأنَّهما تزوجا في عام 2009 أو 2010 بمباركة والده كيم جونغ-إل.
أطفالهما
ويُعتقد أنَّ الزعيم الكوري وزوجته أنجبا طفلين أو 3 أطفال، على الرغم من تأكيد ولادةٍ واحدة فقط من جانب لاعب كرة السلة الأميركي السابق دينيس رودمان.
وكان لاعب فريق شيكاغو بول السابق قد حمل الطفلة الرضيعة، التي تُدعى جو آي، في أثناء زيارته إلى كوريا الشمالية عام 2013. وقال رودمان للصحفيين بعد الزيارة: "لقد حملتُ طفلتهما جو آي، وتحدَّثت مع ري كذلك. إنَّه أبٌ جيد ولديه أسرة جميلة".
وحين تُشاهَد ري في الأماكن العامة، وهي تلعب دور الزوجة المُخلصة، غالباً ما تكون مرتديةً حُلَّاتٍ أنيقة من علامة شانيل، وشُوهِدت إحدى المرات وهي تحمل حقيبة يد من علامة كريستيان ديور، أو على الأقل نسخة مُقلَّدة منها.
في كوريا الشمالية اليوم، من المفترض أنَّ أسرة كيم تُمثِّل نوعاً جديداً من المبدأ الاشتراكي: أنَّ بلدهم هو بلدٌ حديث يمتلك أسلحةً نووية حديثة ومعاصرة.
لكن هذا المبدأ قد يُثير مشكلاتٍ للنظام.
فقال باك: "يرفع ذلك سقف التوقعات. فإن كنت مواطناً كوريّاً شمالياً عادياً، وكنت تكدح باستمرار ولا تُلبَّى توقعاتك، فلن يكون بمقدورك أن تعيش هذا الحلم الاستهلاكي".