خطة الإمارات للاستيطان في جزيرة سقطرى اليمنية.. السكان رفضوا بيع أراضيهم لكن بن زايد اشترى شيخ قبيلتهم

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/29 الساعة 03:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/29 الساعة 03:43 بتوقيت غرينتش

استبشر عبدالله الحميد كغيره من آلاف سكان جزيرة سقطرى، خيراً، بعد أن نصبت شركة "الاتصالات" الإماراتية لخدمات الاتصالات والهاتف النقال، أولى نقاطها التشغيلية في الجزيرة، التي غاصت سلطات أبو ظبي في رمالها الذهبية بقدميها، منذ عامين.

لكن الشركة الجديدة كانت في الحقيقة تقدم خدماتها للموظفين العسكريين الإماراتيين، وبجانب وجودها على الأرض، دفع سكان أرخبيل الجزيرة، الذين يبلغ عددهم نحو 350 ألفاً، لاستخدام تلك الخدمة، أملاً في أن تكون جيدة.

مع الأيام، اقتصر عمل الشركة على ست ساعات تقريباً، تبدأ من الساعة الـ10 صباحاً إلى 4 عصراً، ليعود السكان بخيبة أمل إلى شركة الاتصالات اليمنية "يمن موبايل"، التي تغطي خدماتها 40% من مساحة الجزيرة.

يقول الحميد، وهو أحد سكان الجزيرة، إنهم لم يحصدوا خيراً يُذكر من الإماراتيين.

ويضيف: "باعوا لنا الوهم، وفي لحظة من اللحظات اعتقدنا أننا إحدى الإمارات الثماني، لكن مع مرور الأيام، وجدنا أننا في وضع لا يختلف عن كوننا خاضعين لاستعمار، فالقوة والسلطة والخدمات معهم والموالين لهم".

وأضاف: "استخسروا فينا خدمة الهاتف النقال، وكان بإمكانهم أن يقدموا لنا خدمة جيدة، مقابل سيطرتهم على الجزيرة"، التي ارتبط ذكرها بالطبيعة الساحرة والنادرة وبالحديث عن الأطماع الدولية.

سيطرة تامة للإمارات

وأحكمت الإمارات قبضتها على الجزيرة الواقعة على بعد 350 كيلومتراً جنوب شبه الجزيرة العربية، بعد أن انهارت الحكومة اليمنية، ولجأت للتحالف العربي، الذي تشارك فيه الإمارات كثاني قوة فاعلة.

وتقود السعودية في اليمن، منذ مارس/آذار 2015، تحالفاً عسكرياً، بطلب من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ضد مسلحي جماعة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذين سيطروا بقوة السلاح على عدد من المحافظات، بينها العاصمة صنعاء، في سبتمبر/أيلول 2014.

يقول أحد المسؤولين الحكوميين في الجزيرة لـ"عربي بوست"، مُشترطاً عدم ذكر اسمه لاعتبارات عدة، إن الإمارات تتحكم بكل شيء في الجزيرة.

وأضاف باقتضاب "البلاد كلها تحت أيديهم، نحن مجرد ديكور فقط، ومناصبنا أصبحت شرفية، وهذا هو توجه الحكومة اليمنية بشكل عام، كثمن -فيما يبدو- لخسائر التحالف في الحرب".

وبرزت مساعي أبو ظبي للسيطرة على خطوط الملاحة الدولية في اليمن والقرن الإفريقي، بعد أن وجدت الجزيرة ذات الموقع الاستراتيجي في حالة من الانهيار الاقتصادي، لتتغلغل فيها بحجة الدعم الإنساني.

وتقع الجزيرة في نقطة التقاء المحيط الهندي وبحر العرب مع باب المندب، قبالة شاطئ المُكلا جنوبي اليمن (300 كم)، وشواطئ الصومال (80 كم)، مما يضفي عليها أهمية استراتيجية بحرية، لا تتوفر لكثير من الجزر المجاورة لها في تلك المنطقة.

وبحسب العقيدة العسكرية الأميركية، فإن من يسيطر على هذه النقطة على وجه الخصوص يُحكم قبضته بصورة كبيرة على البحار السبعة الرئيسية في العالم، انطلاقاً من المحيط الهندي، ومن باب المندب، وبحر العرب، لذا كانت الجزيرة محطَّ أنظار القوى الدولية منذ عشرات القرون وحتى الوقت الراهن.

غيَّروا اسم شارعهم ولا جديد

ووجد سكان الجزيرة، التي أفاقت من كارثة إعصاري تشابلا وميج، أنفسهم محتارين أمام أطماع القوة الجديدة، فهم إما أن يقبلوا تلك المساعدات التي هم بأمس الحاجة لها، أو رفضها، والخيار الأخير كان يفرض عليهم الموت معزولين عن العالم.

حاولوا التعايش مع الأمر الواقع، بعد أن دخل الإماراتيون بقوة ناعمة من خلال مشاريع خدمية وإنسانية، فشرعوا في تجديد عدد من المرافق الخدمية، وتشغيل الكهرباء المنقطعة، وتوسيع المرفأين البحري والجوي للجزيرة.

وصل الأمر إلى أن سكان حي "14 أكتوبر" حوَّلوا اسم "الشارع القديم" في مدينة حديبو، مركز الجزيرة، إلى "شارع الإمارات"، أملاً في أن تبدأ السلطات الإماراتية في إعادة سفلتته.

لكن خيبة الأمل هي الأخرى تكرَّرت هنا، فبعد مرور عام ونصف العام، تدهور الشارع، ولجأ السكان إلى تنفيذ حملة لتنظيفه.

وقال إبراهيم سالم، وهو أحد سكان الحي، لـ"عربي بوست"، إن ملاك المتاجر اضطروا إلى جمع الأموال، من أجل تنظيف الشارع ورفع القمامة منه، بعد أن تراكمت لأسابيع.

وحول تغيير الاسم، قال: "كنّا نحاول استعطاف الإماراتيين الذين يتحكمون بالجزيرة، وسمَّينا الشارع باسم دولتهم، لكنهم يتجهون إلى الأنشطة التي تحقق تواجدهم، ولا يكترثون مطلقاً لوضعنا".

استيطان المحميات

بعد أن سيطر الإماراتيون على الجزيرة، وبات ضابط أمن الدولة الإماراتي خلفان بن مبارك المزروعي هو الحاكم الفعلي للجزيرة، عبر مؤسسة "خليفة" للأعمال الإنسانية، هيَّأ ذلك من مسألة السيطرة على أراضي المحميات في سقطرى.

ومعظم الجزيرة محمية طبيعية عالمية لنباتات وطيور وحيوانات نادرة، اعتمدتها منظمة "اليونسكو" ضمن قائمة مواقع التراث الطبيعي العالمي؛ ووفق خبراء فإن النشاط الاستيطاني فيها سيتسبب بكثير من العبث بمكوناتها وثرواتها الطبيعية النادرة.

وقال مصدر قبلي في الجزيرة لـ"عربي بوست"، إن الاماراتي خلفان المزروعي دفع مبالغ كبيرة لشراء أرضية في محمية دكسم الطبيعية، كما أن إماراتيين اتجهوا للزواج من السقطريات لتوثيق عرى العلاقات.

وأوضح: "استغلَّ الإماراتي حاجة القبيلة التي تسكن المحمية إلى المال، من أجل دفع ديون أحد الغارمين، فصرف لهم مبالغ سخية، الأمر الذي دفعهم لبيع الأراضي في المحمية، رغم حظر القانون اليمني بيع أراضي المحميات".

وتابع: "الآن الأرض بيعت، والآن تجري فيها حفريات وأعمال بناء، مما يهدد المحمية الطبيعية بالانهيار".

وأضاف أن الإماراتيين يختارون المواقع في المحميات والشواطئ بعناية، ثم يغدقون على السكان والمشايخ بالمال الوفير، ويدفعونهم إلى البيع والتنازل عن تلك الأراضي، وإن جرى استثمار تلك المواقع بشكل جيد، فستصبح وجهة سياحية عالمية، يجني من خلفها الإماراتيون بيضاً من الذهب.

السفر إلى أبو ظبي

يضيف المصدر -الذي فضَّل عدم الكشف عن هويته لاعتبارات أمنية- أن أراضي أخرى بيعت في محمية جبال حجهر.

وأوضح: "رفض السكان هناك عملية البيع، تبعاً لتقاليد سكان الجزيرة التي لا تفرط في الأرض، لكن الإماراتيين استدعوا شيخ القبيلة، ويُدعى أبو صبري إلى أبو ظبي عبر طائرة خاصة، وهناك التقى بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وأُغدقت عليه الأموال".

وأضاف: "عاد أبو صبري ليبيع أراضي كبيرة في المحمية".

وأشار المصدر إلى أن هذه المحمية هي الأخرى مهددة بالانهيار، فأعمال البناء والحفر ستعمل على طرد المئات من الطيور والحيوانات، إضافة إلى انهيار البيئة النباتية.

وعزا المصدر ذلك إلى الفقر، وقال إنه السبب في دفع السكان لبيع أراضيهم، مضيفاً "قبل ذلك كانت هناك منظمات دولية معنية بحماية البيئة، تدفع الأموال للسكان من أجل الحفاظ على المحميات".

استقطاب سياسي

لكن أكثر ما يخشاه السقطريون هو حالة الاستقطاب السياسي، التي شكلت شرخاً في مجتمعهم الموسوم بالترابط والتكافل منذ القدم، حيث حافظوا على عادات اجتماعية تجعلهم كأسرة واحدة في مواجهة الأخطار التي يواجهونها.

وقال أحمد بن قبلان، وهو أحد العاملين في وزارة الصحة، إن الإمارات بدأت في هدم البنية الاجتماعية للجزيرة، وأصبح الناس مهووسين بالقرب من الإماراتيين أو البعد عنهم.

وأضاف أن السطوة الأمنية ولغة القوة للسلطات في الجزيرة تعززت، مما شكل مخاوفَ كبيرةً.

وقال بن قبلان: "كنا نخشى على أنفسنا من هذا الاستقطاب الحاد، وكنّا في غنى عن هذا كله، الإمارات اليوم تجمع الموالين بالقرب منها، حتى إنها نصَّبت شيخاً لمشايخ سقطرى، رغم أن المجتمع لا يعترف به".

مؤيدون للإمارات

رغم الاستيطان لأبوظبي في الجزيرة، إلا أن الآلاف من السكان أبدوا تأييدهم للتواجد الإماراتي.

ويقول سالم السقطري، وهو مسؤول محلي وموظف في وزارة التعليم، إن الإمارات لها جوانب إيجابية كبيرة للجزيرة، وأعادتها للعالم، من خلال تسيير رحلات جوية بمعدل رحلتين يومياً في الأسبوع، ووفَّرت التيار الكهربائي، ووسعت الميناء البحري.

وأضاف: "السقطريون ضائعون منذ أمد، ولجأنا للإمارات هروباً من الواقع اليمني المظلم، ولذلك سنتجاوز المشكلات مع الإماراتيين، ونتمنى أن يبقى تحالفنا الحالي وفق المصلحة، وليس على الأطماع".

وتابع السقطري، وهو مسؤول محلي، أن "معظم السقطريين يبحثون عن وضع جديد لهم".

وأشار إلى أن هناك مؤشرات تؤكد أن سقطرى ستُنتزع من اليمن عن طريق استفتاء شعبي أو إجراء آخر يوفر لهم ذلك، وأن هناك توجهاً جديداً من الإماراتيين لإصدار هويات خاصة لأبناء سقطرى، تمنحهم حق دخول الدولة دون الحاجة إلى الجواز أو التأشيرة.

تحميل المزيد