في 10 يناير/كانون الثاني عام 2017، انفجرت قنبلة متطورة لاسلكية الانفجار، مدمرةً مقر الضيافة المجهز لمؤتمر لحكومة قندهار، حيث كان من المقرر أن يلتقي كبار المسؤولين المحليين مع دبلوماسيين من الإمارات العربية المتحدة لمناقشة المشاريع الإنسانية الإماراتية في أفغانستان.
وكانت القنبلة مُقسمة إلى ثلاثة أجزاء من طراز RSX-TNT، ومصنوعة لأغراض عسكرية، وأُخفيت قبلها بأيام في الأثاث وهُربت عبر العديد من الحواجز الأمنية، قبل أن يتم تفجيرها في مقر الضيافة، بحسب ما ذكره موقع The Daily Caller الأميركي، الجمعة 27 أكتوبر/تشرين الأول 2017.
وتسبب الانفجار في مقتل اثني عشر شخصاً وإصابة أربعة عشر آخرين من بينهم نائب محافظ قندهار، عبد العلي شمسي، والدبلوماسي الأفغاني، ياما قُريشي، رئيس قسم جوازات السفر الأفغانية في واشنطن وهو ابن شقيق زوجة الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، بالإضافة إلى خمسة إماراتيين من العاملين في المجال الإنساني.
كما توفي السفير الإماراتي، جمعة محمد عبدالله الكعبي، في أفغانستان متأثراً بجراحه بعد شهر من الهجوم.
ووقعت ثلاث هجمات أخرى في ذاك اليوم، جميعها تفجيرات انتحارية، اثنان في كابول وآخر في لشكر كاه، عاصمة ولاية هلمند، وادعت طالبان مسؤوليتها عن هذه التفجيرات الثلاثة، بحسب الموقع الأميركي.
ومع ذلك، أنكرت طالبان بشدة مسئوليتها عن تفجير قندهار، ملقيةً باللوم على "منافسة محلية داخلية" بين مسؤولي الحكومة الأفغانية، حسبما نقلت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية.
وصرح أحد أعضاء طالبان المقيمين في قطر أن طالبان اتخذت خطوة استثنائية بإرسال وفد للتعزية في مقتل الدبلوماسيين وتوضيح أن طالبان لم يكن لها يد في الحادث. ولم تدعِ أي جماعة مسؤوليتها عن تفجير قندهار.
تحقيقات في التفجير
وكالة الاستخبارات الأفغانية، والمديرية الوطنية للأمن NDS، والشرطة الأفغانية وفريق تحقيق من الإمارات العربية المتحدة UAE، أجروا تحقيقاً في الحادثة التي قتلت إماراتيين.
وصرح رئيس المديرية الوطنية للأمن ND، محمد مسوم ستانيكزاي أن طباخ المقر، واسمه سيد محبوب آغا، هو المسؤول الرئيسي وراء الهجوم.
وطبقاً لستانيكزاي، وعدت طالبان آغا بـ 30,000 دولار ومنزل في باكستان مقابل المساعدة في الهجوم. وأثناء زيارة إلى كويته، أُخبر أن السفير الإماراتي قادم إلى قندهار وأنه هو الهدف.
ولاحقاً قام آغا بالعديد من الرحلات إلى مدينة شامان الواقعة على الحدود الباكستانية لتلقي التعليمات. وجرى نقل المتفجرات إلى المجمع في سلال الخبز ووضعت تحت الأرائك في قاعة الاجتماعات في مقر الضيافة قبل زيارة السفير مباشرة. وحصل آغا على هاتف لإخبار طالبان عند وصول الضيوف المستهدفين، وفقاً لموقع The Daily Caller.
هل كانت "المنافسة المحلية الداخلية" ضمن طالبان نفسها؟
سادت حالة فراغ في السلطة بعد وفاة قائد طالبان المُلا محمد عمر عام 2013. وعندما حلّ المُلا أختر منصور بديلاً له في يوليو/تموز 2015، ثارت بعض التساؤلات فيما يتعلق بشرعيته، وتلا ذلك حالة من القتال الداخلي.
وفي أواخر عام 2015، دخل فصيل منشق تحت قيادة المُلا محمد رسول في معارضة مباشرة للمُلا منصور وانخرط مؤيدو كل واحد منهما في صراعات مُسلحة من حين لآخر.
وأنشأ المُلا رسول، حاكم الظل لطالبان في ولاية فراه على الحدود الإيرانية، المجلس الأعلى لإمارة أفغانستان الإسلامية كمركز قوةٍ بديل لشورى كويته أو إمارة أفغانستان الإسلامية التي يترأسها منافسه المُلا منصور.
وأفادت تقارير بأن المجلس الأعلى يتمتع بعلاقات وثيقة مع إيران كما تحدث المُلا رسول عن الحاجة إلى تحرير طالبان نفسها من هيمنة باكستان، وخاصة بعد إلقاء القبض عليه من قبل السلطات الباكستانية أثناء زيارة في مارس/آذار 2016.
وفي مايو/أيار 2016، قُتل المُلا منصور خلال هجوم أميركي لطائرة بدون طيار، بحسب ما ذكرته شبكة "سي إن إن"، وذلك بعد عودته من إحدى رحلاته العديدة إلى إيران.
ومن المحتمل أن المخابرات الباكستانية، ISI، "وشت" بمنصور إلى الأميركيين لعجزه أو عدم رغبته في توحيد طالبان، ومغازلاته لإيران والعلاقات الباردة التي أصر عليها مع الرُعاة الباكستانيين.
وجاء هبت الله أخوندزاده خلفاً لمنصور، الذي كان نائباً غير عسكري في عهد المُلا عمر. وفي محاولة جاهدة لإصلاح الصراع داخل طالبان، قام أخوندزاده بتعيين سراج الدين حقاني التابع لجماعة شبكة حقاني ومحمد يعقوب، ابن المُلا عمر، نواباً له.
ومع ذلك، استمر النزاع مع رسول، الذي وجه في يوليو/تموز 2016 خلال مقطع فيديو واسع الانتشار اتهامات إلى أخوندزاده بأنه أداة للمخابرات الباكستانية ودعاه إلى التصرف بشكل مستقل.
وفي حوار أجراه في سبتمبر/أيلول 2017، ادعى المُلا منان نيازي، نائب رسول، أنه تمكن من أسر انتحاريين أرسلهم أخوندزاده لاغتياله.
وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول 2017، ذكرت إذاعة صوت أميركا في تقرير لها أن قرابة 40 مسلحاً من طالبان يمثلون فصيلي رسول وأخوندزاده قد اشتبكوا في منطقة خيفان التابعة لمقاطعة شيندند غربي ولاية هرات المتاخمة لإيران.
وهناك دوافع لدى كل من إيران ورسول لهجوم قندهار بحسب موقع – The Daily Caller – فإيران تريد معاقبة الإمارات العربية المتحدة والتأثير بشكل أكبر في أفغانستان، ورسول لتشويه وتحدي شوري كويته وباكستان.
وتحالفت الإمارات العربية المتحدة مع المملكة العربية السعودية في معارضة الهيمنة الإقليمية لإيران، بما في ذلك دعم المعارضين السوريين ضد رئيس النظام السوري بشار الأسد الذي يحظى بالدعم الإيراني، بالإضافة إلى إرسال قوات إماراتية لتقاتل إلى جانب المملكة العربية السعودية في اليمن ضد المعارضين الحوثيين المدعومين من إيران أيضاً.
ولاحت الفرصة أمام رسول. فهو في الأساس من سبين بولدك في ولاية قندهار، وهي مدينة تقع مباشرة على الحدود بين أفغانستان وباكستان على الجانب الآخر من شامان، باكستان، حيث جرى التخطيط للهجوم. ومن المهم أيضاً أن نلاحظ أن المتهم بارتكاب الهجوم، سيد محبوب آغا، قد حصل على دعم من أعضاء مجهولي الاسم من طالبان للانتقال من معقل رسول في ولاية فراه إلى قندهار. ومن غير المحتمل أن تتضمن أي تحقيقات رسمية لهجوم قندهار علاقة برسول بسبب التمويل الحكومي الأفغاني لجماعته المنشقة.