ريادة، رائد أعمال وريادة أعمال، كلها مصطلحات بِتنا نسمعها يومياً بل على مدار الساعة عبر الفضائيات والمواقع الإلكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي.
هذه المصطلحات منتشرة ومعروفة جداً في الدول الغربية منذ خمسينيات القرن الماضي؛ حيث أحدثت الشركات الريادية طفرة في اقتصاد تلك الدول، بينما لم تكن هذه المصطلحات سائدة في وطننا العربي قبل العام 2010 على نطاق واسع.
يربط بعض الباحثين بدء انتشار مفهوم ريادة الأعمال بشكل واسع بعد هذا التاريخ بالثورات العربية وما صاحبها من ثورة في الوطن العربي، خاصة فئة الشباب في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وتبادل الأفكار والمعلومات مع الآخرين من خارج القطر الواحد، فعلى سبيل المثال، مركز أرامكو لريادة الأعمال (واعد) التابع لشركة أرامكو السعودية المرموقة أنشئ عام 2011.
تعرف ريادة الأعمال بأنها إنشاء عمل/أعمال جديدة أو الاستجابة لفرص جديدة، ويطلق على مؤسس المشروع وصف ريادي لما يتحمله من مخاطرة ومغامرة نتيجة تأسيسه مشروعاً أو شركة غير معروف فرص نجاحها أو فشلها؛ حيث تصل نسبة فشل المشاريع الريادية إلى 90% حسب دراسة لمجلة فوربس الشهيرة عام 2015، وفي أفضل الأحوال وصلت نسبة النجاح إلى 60% فقط، طبعاً تختلف النسبة من طبيعة مشروع إلى مشروع ومن دولة إلى دولة؛ حيث تزيد نسبة النجاح في الدول الغربية عنها في العربية، وهنا تكمن القضية.
نجح رواد الأعمال في الدول الغربية وتميزوا عن نظرائهم العرب بشكل لافت منذ عقود ولحد الآن ليس لأنهم أذكى من العرب والدليل على ذلك تصدر الهنود لقيادة الشركات العالمية مثل جوجل وغيرها، ولكن النجاح يرجع إلى ثقافة ريادة الأعمال المترسخة منذ عقود في تلك الدول.
عند الحديث عن ثقافة ريادة الأعمال في دولة ما فلا نعني فقط رواد الأعمال، بل نعني بالأساس صناع القرار والحكومات في تلك الدول.
ترسيخ الثقافة في مجتمع ما يتم من أعلى إلى أسفل؛ لذلك نجد في الدول الغربية اهتماماً حكومياً كبيراً في مجال ريادة الأعمال؛ حيث أقرت قوانين خاصة تنظم وتسهل افتتاح وتأسيس المشاريع وهي قوانين مرنة قابلة للتعديل والتطوير حسب البيئة المحيطة.
كما تحرص تلك الدول على تعديل مناهجها التعليمية وإضافة مواد دراسية خاصة بريادة الأعمال، إضافة إلى ذلك أنشئت كليات خاصة بريادة الأعمال.
كما سهلت عملية تسجيل الشركات الجديدة في الجهات الحكومية المختصة وأقرت قوانين خاصة تتعلق بسياسة الإقراض والتمويل لهذه المشاريع، بل تعدى الأمر موضوع التسهيلات والتعليم، حيث أنشئت مدن مخصصة بالكامل للمشاريع الريادية مثل وادي السيلكون في أميركا وغيرها من المدن "الذكية" في عدة دول.
في المقابل نرى ثقافة ريادة أعمال مبتدئة ومتخبطة في بعض الأحيان في الوطن العربي، فلحد الآن لا توجد تشريعات خاصة بها إلا في قليل من الدول، ومفهوم الريادة غير معزز في معظم المناهج التعليمية حتى في المراحل الجامعية العليا.
ومن يقوم على التدريب والاحتضان للمشاريع الريادية جهات خاصة أو مبادرات فردية من رجال أعمال أو غرف تجارية وجامعات وليست جهات حكومية في معظم الحالات.
أضف إلى ذلك تعقيدات استخراج التصاريح الرسمية ورخص البلديات وغيرها من المعاملات التي تقف حائلاً كبيراً أمام تأسيس كثير من المشاريع والشركات.
ولا تستثنى آليات التمويل وطرق الدفع الإلكترونية من العقبات أمام نجاح واستمرار المشاريع الريادية، حيث سعت بعض الشركات الريادية إلى حل هذه المعضلة عبر تأسيس شركات تسهل عمليات الدفع الإلكتروني مثل سداد وبيفورت وغيرها.
مع كل ما سبق، نرى الإعلام مسلطاً بشكل واسع على هذه المشاريع والتجارب، لكن دون أن يكون هناك جهد حقيقي موجه تجاه الجهات المسؤولة لتذليل العقبات.
كما نجد أن كثيراً ممن يتصدرون عمليات التدريب والتوجيه في مجال ريادة الأعمال ليس لهم علاقة بهذا المجال من حيث الممارسة؛ حيث إنهم لم يؤسسوا أي مشروع في حياتهم حتى ولو كان تجربة فاشلة.
ومن هنا أعيد طرح التساؤل: هل ريادة الأعمال في الوطن العربي موضة أم ثقافة؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.