خلافات الأكراد العراقيين تلقي بظلال كثيفة على مستقبل الإقليم

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/28 الساعة 17:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/28 الساعة 17:14 بتوقيت غرينتش

متجاهلين كل التحذيرات التي وصلتهم، أجرى أكراد العراق استفتاءً على الاستقلال الشهر الماضي، ونتيجةً لذلك فقدوا معظم الأراضي التي سيطروا عليها خارج منطقتهم المتمتعة بالحكم الذاتي، عندما داهمهم الجيش العراقي لمعاقبتهم على هذا العمل. وعمّقت هذه التطورات من الانقسام بين قاعدتي القوة الرئيسيتين لدى الأكراد، وقوضت كذلك الدعوة إلى الوحدة.

فبعد أن استولى الجيش العراقي والميليشيات الشيعية، في منتصف أكتوبر/تشرين الأول، على مدينة كركوك الغنية بالنفط من يد الأكراد، لم يظهر الرئيس الكردي مسعود بارزاني علناً لعدة أيام. كان الاستفتاء حول استقلال المنطقة الكردية عن العراق، الذي عُقِدَ في 25 سبتمبر/أيلول، قد أدى إلى نتائج عكسية سيئة للغاية، غير أنَّ بارزاني لم يتحدث عن الأمر وظل صامتاً.

وأدى ذلك إلى غضب العديد من الأكراد، وإلى حزن كثيرين آخرين، لأنَّ عواقب الاستفتاء دمرت حتى آخر ذرات الوحدة، التي كان يأمل الرئيس بارزاني في تحقيقها. ومع دخول القوات العراقية والمتطوعين الشيعة لاستعادة السيطرة على معظم المناطق التي تتنازع عليها بغداد والأكراد منذ عام 2003، بدأ السياسيون والمدنيون الأكراد يلقون باللائمة على بعضهم البعض وعلى العالم الخارجي.

لوم متبادل


مارس الأكراد لعبة اللوم هذه حسب الخطوط الجغرافية للمنطقة الكردية: ففي النصف الغربي من إقليم كردستان الذي يقع تحت سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقوده بارزاني، وقع اللوم بشكلٍ أكثر على المنافس: الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يقع في الجزء الشرقي من الإقليم، بالقرب من الحدود الإيرانية.

ويوجه قادة الاتحاد الوطني الكردستاني اللوم إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، إذ حاولوا إقناع بارزاني بالاستسلام للضغوط الواردة من معظم دول العالم، وأهمها بغداد وإيران وتركيا والأميركيون، بتأجيل الاستفتاء. وحينما كان الجيش العراقي يستعد للاستيلاء على مدينة كركوك الغنية بالنفط، رداً على التصويت، أمر الاتحاد الوطني الكردستاني بانسحاب قوات البيشمركة من أجل منع إراقة الدماء وتدمير المدينة.

تُسمِّي جبهة بارزاني هذا الأمر بالخيانة. ومن بين الناشطين الحاضرين في مظاهرةٍ سلمية صغيرة خارج مجمع الأمم المتحدة في أربيل، عاصمة كردستان، يتفق معظمهم مع هذا المفهوم، ومن بينهم شيمان خالد التي كان والدها مقاتلاً في البيشمركة وقتله الديكتاتور العراقي السابق صدام حسين. وتُلقِي شيمان باللوم على جزءٍ من الاتحاد الوطني الكردستاني في فقدان كركوك، إذ قالت وهي تختار كلماتها بعناية إن "جناحاً من الحزب قد قبل المساعدة من الخارج، مما أدى إلى الخيانة".


شيمان دقيقةٌ جداً في توجيه اللوم إلى جزءٍ فقط من الحزب، لأنَّ زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني كوسرت رسول قد أخذ صفَّ الحزب الديمقراطي الكردستاني، ووعد بالدفاع عن كركوك. لكن عندما انسحبت كتائب الاتحاد الوطني الكردستاني الأخرى، اضطر في نهاية المطاف إلى الانسحاب. وأدى تراجع البيشمركة إلى نزوح آلاف الأكراد من المدينة خشية تعرضهم للانتهاكات من قبل ميليشيات الحشد الشعبي التي تقودها إيران، التي اشتهرت بوحشيتها في محاربة تنظيم داعش. وبعد ذلك بأسابيع، لم يعد العديد منهم إلى ديارهم بعد، في حين فرَّ العديد من الأكراد من بلداتٍ وقرى أخرى تعرضت للهجوم.

الجزء من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي لم يقاتل كان تحت قيادة أبناء زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، المُتوفَّى مؤخراً، جلال طالباني وأبناء إخوته. تولى ابنه الأكبر بافل زمام القيادة هناك، بعد معارضة الاستفتاء، على الرغم من أنَّه لا يشغل سوى منصب ثانوي في الحزب. وقبل اليوم الذي كان من المقرر أن يُعقَد فيه الاستفتاء، دعا الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى تأجيله؛ وردَّ بارزاني بعد ذلك بأنَّ الوقت قد فات. وفي المدن التي ينتمي أغلبية مواطنيها إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، بقيَ الكثيرون في منازلهم، وكانت نسبة الإقبال على المشاركة لا تكاد تبلغ 50%.

كان من الممكن أن تكون جنازة جلال طالباني، التي جرت بعد أيامٍ من الاستفتاء، فرصةً جيدة لتهدئة وتسوية النزاعات. لكن لم تكن هناك حلول في الأفق. وبعد فترةٍ وجيزة، عندما أصبح واضحاً ماهية التدابير التي تعدها بغداد رداً على استفتاءٍ اعتبرته غير قانوني، دعا بافل طالباني إلى لقاءٍ مع أحزابٍ كردية أخرى في مدينة دوكان الواقعة على ضفاف البحيرة، وهو مكانٌ رمزي، إذ استقبل بيت والده هناك العديد من الفارين من غضب القادة العراقيين السابقين. وقدم بافل خطةً للضغط على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي للجلوس والتفاوض، وهو ما يحتاجه الأكراد بشدة؛ شملت الخطة تجميد نتائج الاستفتاء، والتسليم السلمي لكركوك لتصبح تحت سيطرةٍ كردية عراقية مشتركة.

إيران تصل إلى كركوك


ويقال إنَّ بارزاني غادر الاجتماع غاضباً، ربما لأنَّ الاجتماع قد عُقِدَ بوضوح بعد ضغطٍ شديد من إيران المجاورة، التي لطالما كانت ذات تأثيرٍ كبير على الاتحاد الوطني الكردستاني والأحزاب الكردية الأخرى. وكان قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني قد سافر ذهاباً وإياباً بين المدن الكردية المختلفة وبغداد، أولاً للتحذير من إجراء الاستفتاء، ثم التهديد بالموت والدمار حال عدم إلغاء نتيجة الاستفتاء وتسليم كركوك. وقال بافل طالباني في مقابلةٍ مع "فرانس 24" رداً على اتهامه بالخيانة: "بدلاً من مواجهة آلاف القتلى والقتال في كركوك، قرَّرنا أن نُجري انسحاباً تكتيكياً". وطالب بافل بالتحقيق فيما حدث، إذ إنَّ القتال أدى مع ذلك إلى مقتل العشرات من مقاتلي البيشمركة.

وأشار كذلك إلى أنَّ العبادي كان مستعداً للتوصل إلى اتفاقٍ عندما التقى الزعماء الأكراد في دوكان "لوقف الاضطرابات في كركوك"، إلا أنَّ القادة، ولم يشر إلى بارزاني صراحةً، لم يتمكنوا من اتخاذ قرارٍ سريع بما فيه الكفاية.


قلق إقليمي بين أنقرة وطهران


شعرت كذلك الجارتان الإقليميتان إيران وتركيا بالقلق من التأثير الذي قد يحدثه الاستفتاء والعملية اللاحقة لإنشاء دولةٍ كردية مستقلة في العراق على أقلياتهما الكردية في بلادهما. لذلك وقفا بجانب بغداد لمعاقبة الأكراد العراقيين كرسالةٍ واضحة لمواطنيهم، مفادها: لا تفكروا في أي شيءٍ من هذا القبيل!

إلى جانب ذلك، أغلقت طهران حدودها لزيادة الضغط على الاتحاد الوطني الكردستاني، إذ إنَّ صادرات النفط إلى إيران واستيراد البنزين منها يشكل جزءاً كبيراً من دخل كلٍّ من الحزب وأسرة طالباني. وفي هذا الصدد أيضاً، هناك انقسامٌ واضح بين الاتحاد الوطني الكردستاني وأسرة طالباني من جهة، ومن جهةٍ أخرى أسرة بارزاني والحكومة التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني، التي كانت تعمل بشكلٍ وثيق مع تركيا على مدى العقد الماضي، وكانت الاستثمارات التركية الكبيرة التي أسهمت في الازدهار الاقتصادي، ونقل النفط الكردي من خلال تركيا، والقروض التركية، كلها عوامل ساعدت الأكراد خلال الركود الأخير.

ولكن في ظل فشل قادة الأكراد في إظهار الوحدة، ورفض بارزاني الموافقة على طلب العبادي بإلغاء التصويت، لم يتوقف الجيش العراقي عند كركوك. فمنذ ذلك الحين، استعاد الجيش العراقي معظم المناطق المتنازع عليها، بينما اندلع القتال بين قوات البيشمركة الكردية من جهة والقوات العراقية وقوات الحشد الشعبي من جهة أخرى، في بعض المواقع الاستراتيجية. وحدث ذلك جزئياً على الأرجح لأنَّ الحزب الديمقراطي الكردستاني كان مستعداً للقتال، حسبما أكد مستشارٌ لرئيس الوزراء الكردي -فضَّل عدم ذكر اسمه- مباشرةً بعد إجراء الاستفتاء.

البيشمركة لا ينتصرون وحدهم


وأشار المستشار إلى أنَّ التصويت لم يؤجَّل جزئياً لأنَّ عناصر داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني، على الأرجح يقودهم مسرور نجل بارزاني الذي يرأس قوات الأمن، قررا أنَّ هذا هو الوقت الوحيد الذي سيحصلون فيه على الدعم الدولي الكافي لمواجهة أي إجراءاتٍ تتخذها بغداد وجيران المنطقة عسكرياً. وأضاف مستشار رئيس الوزراء بأنَّ هذه العناصر احتجَّت بأنَّ الأميركيين والأوروبيين سيتوقفون عن دعمهم، بمجرد أن يصبح الأكراد غير مطلوبين في المعركة ضد داعش، وبعد ذلك ستستخدم بغداد الأسلحة الكيماوية ضدهم مرة أخرى، كما فعل حزب البعث السابق بقيادة صدام حسين ضدهم، ووعدوا مُخطئين بأنَّ البيشمركة سيقاتلون من أجل كركوك وسينتصرون، لأنَّهم الأقوى.

وهذا خلافٌ آخر واضح مع الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي توقَّع أن تكون هذه المعركة خاسرة، إذ قال محللون من الاتحاد الوطني الكردستاني إنَّ الأكراد نجحوا في المعركة ضد داعش بشكلٍ رئيسي، بسبب الدعم الجوي اليومي الذي تلقّوه من التحالف الدولي. وهذا يعني أنَّهم لن يستطيعوا الوقوف في وجه القوات العراقية وأسلحتهم الأميركية في الغالب. ومن بين هؤلاء المحللين كان بافل طالباني، الذي أنشأ قواتٍ خاصة تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني يقودها الآن ابن عمه لاهور.


لكنَّ الحزب الديمقراطي الكردستاني رأى أنَّ المعركة ستأتي عاجلاً أو آجلاً على أي حال، إذ إن بغداد لم تكن ترغب في التوصل إلى اتفاقاتٍ حول المناطق المتنازع عليها منذ قبول الدستور في عام 2005، ووفقاً لهذا الدستور، كان يجب أن تنتهي عملية تحديد من يسيطر على المناطق هناك في أواخر عام 2007 من خلال استفتاء وحصر للمواطنين. وبما أنَّ ذلك لم يحدث أبداً، فإنَّ بغداد كانت سترسل يوماً ما الجيش لاستعادة الأراضي التي استطاع الأكراد السيطرة عليها. وكان الجيش العراقي سيختلق أي ذريعة لفعل ذلك.

لقي هذا الرأي صدىً في الشبكات الاجتماعية من قبل مؤيدي الحزب الديمقراطي الكردستاني، وكذلك خلال المظاهرات التي اندلعت مؤخراً في أربيل. إذ قال محمد جمال، وهو متظاهرٌ كان يحمل عدداً من الأعلام الكردية الصغيرة ويعبر عن "حزنه وألمه" على فقدان الأراضي: "ما حدث ليس له علاقة بالاستفتاء، العبادي والميليشيات كانوا يخططون لذلك بالفعل". وأشارت الأستاذة الجامعية فاطمة سيندا إلى أنَّ الدستور العراقي، وهو المبرر القانوني الذي استخدمته بغداد لتبرير أعمالها في كردستان، قد تعرض للانتهاك من قبل جميع الأطراف. وأضافت أنَّ "الحكومة العراقية قوَّضت الدستور لسنوات وتجاهلته فى أعمالها ضد الأقليات، وتهاجمنا الآن بالأسلحة الأميركية".

هل خان الأميركيون الأكراد؟


وفي احتجاجات أربيل، ألقى الكثيرون باللوم على الأميركيين لعدم مساعدة الأكراد، والسماح للجيش العراقي والميليشيات الشيعية التي تسيطر عليها إيران بالسيطرة على الأراضي المتنازع عليها. ببساطة لم يصدق الكثيرون الأميركيين، عندما حذَّروا الأكراد من أنَّه إذا جرى الاستفتاء، فلن تكون الولايات المتحدة قادرة على حمايتهم من العواقب. وكشف بعض الأكراد هوية من يثقون بهم في الوقت الحالي، من خلال حمل الأعلام الإسرائيلية وصور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بجانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وأعلن المستشار المذكور أنَّه يشعر بخيبة الأمل في الأوروبيين الذين تحدثوا عن حقوق الإنسان والديمقراطية، ولكنَّهم يأخذون الآن جانب بغداد. وظهر هذا الموقف نفسه في النشرات الصحفية التي أصدرها مستشار مجلس أمن إقليم كردستان مسرور بارزاني، بشأن الاشتباكات مع الجيش العراقي، أو في رأيه مع الميليشيات الشيعية التي يقودها الإيرانيون، التي ذكر قادتها بالاسم. وأشار مسرور إلى أنَّ "التحالف العالمي بقيادة الولايات المتحدة وحكومة الولايات المتحدة على وجه الخصوص قد وافقا بشكلٍ ضمني على ذلك من خلال الإشارة بشكلٍ خطير وغير صحيح إلى ضرورة تنفيذ القانون. هذا الوضع أتاح لقوات الحشد الشعبي بقيادة هادي العامري وأبو مهدي المهندس شن هجماتٍ غير مبررة ضد شعب إقليم كردستان، كما أعطى لإيران منفذاً لتوسيع نفوذها وزعزعة استقرار إقليم كردستان".


ويشعر الكثيرون داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني بأنَّ المعركة يجب خوضها من أجل إجبار بغداد على الجلوس على طاولة المفاوضات. هذا الرأي عبَّر عنه أحد الأكراد بوضوح في تغريدةٍ كتب فيها: "بغداد لا تريد السلام، يمكننا أن نرى ذلك من خلال عدوانها ومطالبها، القوة وحدها هي التي يمكن أن توقف عدوان بغداد وتجعلها تجلس للاستماع".

على الجانب الآخر من الطيف الكردي، كان زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني المُتوفَى جلال طالباني، في الماضي، قد أعلن أنَّه لا يستطيع أن يمنع شعبه "من الحلم بدولته الكردية، لكنَّ الانفصال عن العراق ليس واقعياً". هذه الرؤية يشاركه فيها أولاده الذين يدعون إلى الوحدة الكردية من أجل الحصول على أفضل صفقة ممكنة للبقاء داخل الاتحاد العراقي.

وبصفته نائباً لرئيس الوزراء، يعمل ابن طالباني الأصغر كوباد بشكلٍ وثيق ومثير للاهتمام مع ابن شقيق مسعود بارزاني ورئيس الوزراء، نيجيرفان بارزاني. بقيَ هذا الأخير بعيداً عن الأضواء خلال حملة الاستفتاء، لكنَّه عاد الآن إلى الظهور كداعم قوي للوحدة، وهو المرشح الرئيسي للاستيلاء على جزءٍ من وظيفة عمه بعد أن يتنحى.

استقالة بارزاني مطلب يجمع أطراف الانقسام


وجاءت الدعوات إلى استقالة بارزاني من جميع جوانب الانقسام، وإن كان ذلك أكثر بصوتٍ عال من خصومه. إذ غرد حسابٌ يحمل اسم Kurdish Solidarity‏ على تويتر وكتب: "رائع يا بارزاني، لقد فقدتَ كل شيء قاتل من أجله الشعب الكردي طوال سنواتٍ عديدة، ومقابل ماذا؟ حان الوقت للاستقالة والتنحي". في حين طالبت حركة التغيير الكردية "كوران" بارزاني صراحةً بالاستقالة.

وتوصل ائتلافٌ من ثلاثة أحزاب معارضة إلى خريطة طريق لمعالجة الأزمة، تدعو إلى إلغاء منصب الرئيس ونقل سلطاته إلى المؤسسات الحكومية، وتشكيل حكومة مؤقتة للتفاوض مع بغداد والاستعداد للانتخابات البرلمانية الجديدة التي ستُجَرى في كردستان، ومن ثم تشكيل برلمان جديد وحكومة جديدة.

يعتبر الكثيرون قرار بارزاني بعدم الاستجابة للضغوط وتأخير الاستفتاء خطأً فادحاً أدى إلى فقدان الأكراد لمعظم ما حققوه منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003. وأقنعت الصفقة التي قدمها وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، وسُرِّبَت لوسائل الإعلام، بعض أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني، إذ وعدت فيها أميركا والأمم المتحدة بأنَّه في حال كان بارزاني قد أجل الاستفتاء كان الأميركيون والأمم المتحدة سيعلمون مع الأكراد وبغداد لحل نقاط النزاع بين الطرفين. وإذا لم ينجح هذا الحل بعد سنتين، فإنَّ خيار إجراء الاستفتاء على الاستقلال كان سيُطرَح على الطاولة.

وحذَّر محمود عثمان، وهو سياسي بارز في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني يؤيد الاقتراح، من أنَّ مطلب العبادي بإبطال نتائج الاستفتاء لا يمكن الوفاء به. وغرد قائلاً: "الاقتراح يمكن أن يخلق منصة للحوار. طلب إلغاء نتائج الاستفتاء غير ممكن، ويجب أن تكون جميع الأطراف مرنة".

إلغاء نتائج الاستفتاء لا يحظى بشعبيةٍ تماماً، حتى بين أولئك الذين لم يؤيدوا عقده، مثل الشاعرة والمحاضرة شومان هاردي، التي كتبت على فيسبوك قائلةً: "حاول الكثيرون تحذير حكومة إقليم كردستان بأنَّ توقيت الاستفتاء كان غير مناسب، لأنَّ الشروط المسبقة لإقامة الدولة داخلياً وخارجياً لم تتوافر بعد. بيد أنَّ الاستفتاء قد أُجرِيَ على أي حال، مما أثار آمالاً كبيرة سرعان ما تحطمت عندما استولت الحكومة العراقية الفيدرالية قسراً على العديد من المناطق التي كان يسيطر عليها الأكراد. وبعد كل ذلك تُجمَّد نتائج التصويت؟ على الرغم من أنَّني لم أُصوِّت، إلا أنَّني أشعر بالحزن من هذا الخبر".

ومع ذلك، فإنَّ الكثيرين لن يتزحزحوا في دعمهم لرئيسهم، وسيواصلون إلقاء اللوم على الآخرين في الأزمة. من هؤلاء الناشطة الكردية نرجس، التي كتبت على تويتر: "لا يوجد أي ندم على التصويت بنعم في الاستفتاء. وإذا أُتِيحَت الفرصة مرةً أخرى، سأصوت بنعم أيضاً. شكراً لك أيها الرئيس مسعود بارزاني". وكان رداً أقوى من ذلك ما كتبه ماردين ديليمين، الذي يعيش في تورونتو ويدافع عن بارزاني بشدة لأنَّه وضع كردستان على الخريطة الدولية: "إنَّه ليس خاسراً، لقد كان شجاعاً وجعل العالم يعرف إرادة الشعب الكردستاني. بهذا المعنى هو فائزٌ حقيقي حاز القلوب والعقول".

تحميل المزيد