قبل ربع قرن أتيت إلى هذه الحياة، إلى هذا الكون، لا أدري كيف كان شعور أبي عندما سمع بخبر أول مولود له؟
يا تُرى هل كان سعيداً حقاً؟ أم أنه كان يفكر بتبعاته؟ أم أنه كان يبحث عن اسم جميل لهذا المولود؟
الطفل الأول في قائمة العائلة، لا أدري أكانت تعابير الفرح على وجهه أم تعابير الحزن بسبب هذا المولود الذي سيكبر ويناقش ويجادل ويغير ويتمرد (الإنسان العنادي) بمختصر الحديث؟
أَم شعور أمي معلمتي الأولى يا ترى.. هل ألم الولادة أنساها الفرح بمولودها الأول؟ لا أدري، لا أدري مَن كان أكثر فرحاً بقدومي أمي أو أبي لا أعلم؟
اليوم وأنا أحثّ الخطى عجلاً للدخول لعامٍ جديدٍ لأنهي ربع قرن على هذه المعمورة، وأنا أتنقل ما بين فرح وحزن، رضا وجزع، أمل ويأس، سعي وركود، كل هذا يحدث لي في كل يوم، بل في كل ثانية، لكني ما زلت متوازناً رغم كل هذا، وما زلت أذكر أنني قبل عام من الآن كتبت أن الإنسان لا يولد مرة واحدة، وإنما يولد ولادات متعددة.
فيا رفيقي نحن نولَد كل يوم، ويا ترى في هذا العام ما الذي تجدد عن العام السابق؟ ما الأحداث البارزة التي حفرت عميقاً في ذاكرتي بل تابعها الجميع وأصبحت حدثاً تأثر به المحبون حزناً وألماً، وربما فرح به الآخرون؟ وهذا ما لا أتوقعه، فقلبي الذي يسع الجميع حباً لا أتخيلُ أن يحقد عليه الآخرون.
يا رفيقي.. أعلم أنك بدأت تتساءل..
حدّثني ما جرى؟ ما الذي حدث؟ ما الذي أزعجك أيها الدرويش الفاني؟
يا رفيقي مهلاً سأحدثك عن قصتي الأولى عن الولادة الجديدة.
ركبنا من مطار إسطنبول الحبيبة متوجهين نحو البلاد التي اضطرتنا ويلات الحرب إلى تركها والخروج منها، رغم أن فريقاً من أهلنا لكارهون للهجرة وترك الوطن، ولكن يبقى أن الذهاب إلى الفرج خير من جلوس اليائسين لانتظاره، فانتظار الفرج وهم وليس عبادة إلا من عجز بعد أخذه للأسباب.
وأنا في الطائرة أنظر لإسطنبول وأنا أودّعها للقاء لأهلي تتقاطر دمعات من عيني لا إرادية، لم أكن أعلم سبب الدموع؟ هل هو حزن لفراقها أم أن المشوار الجديد الذي ينتظرني في أربيل صعب جداً؟
حقيقة لا أدري، كل الذي أذكره كلمات صديقي مصطفى (سمير اخشع عتبكي)، وللأسف وصلنا أربيل ونزلت في بيت أقاربي، تناولنا الإفطار معاً وتسامرنا معاً، ولكن ما الذي ينتظرني في الصباح؟ لا أعلم، على كل حال يتوجب عليَّ أن أذهب إلى أحد مقرات البيشمركة لاستخراج إقامة تمكنني من العودة مرة ثانية لأسافر بها.
المهم دخلت وبدأت أحاديث طويلة، أتكلم لك عنها في غير هذا المقام، البداية ظهراً انتهت عصراً في سجن خلف القضبان، لا أدري ما تهمتي، ولا السبب الذي جعلهم يلقون بي خلف القضبان.
يا رفيقي.. دخلت عصراً وبعد عشرة أيام خرجت عصراً لم أكن أعلم أن الحرية التي كنت أتحدث بها لطلابي على مدار عام أنها ثمينة، أنها غالية، أنها أعز ما يملك الإنسان.
لعل هذه الولادة التي أسهبت بها كثيراً؛ لأصل معك إلى أعظم ما تملكه في حياتك الحرية؛ لأنه لا حياة ولا قرار ولا هدف ولا رؤية ولا فكر لمن لا حرية له، إنها الولادة التي تحققت حقاً بعد الخروج من السجن، في إسطنبول تحدثت وعشتُ الحرية، وبعد الخروج من أسايش أربيل آمنت بها إيماناً مطلقاً فيا لها من ولادة عظيمة، ميلاد الحرية .
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.