عُثر في أوراق الرئيس المصري الراحل محمد نجيب على رسائل بعنوان: "هكذا أمضيت 15 عاماً في عزلة تامة"، كما عُثر على رسالة أرسلها إلى مدير الأشغال والمهندسين في القوات المسلحة، بتاريخ 27 فبراير/شباط 1977، يحكي فيه عن متاعبه والحال الذي آل إليه رغم مضي 6 سنوات على رفع العزل السياسي عنه.
وكتب نجيب في رسالته قائلاً: "إلى سيادة اللواء مدير الأشغال والمهندسين بالعباسية في القاهرة، تحية طيبة واحتراماً وبعد، فأرفع إليكم طلبي هذا راجياً التفضّل بالنظر فيه والمساعدة الغالية".
وأضاف الرئيس المصري الأسبق في رسالته بحسب ما ذكرت صحيفة المصري اليوم: "سيدي الذي أعرفه، سكني الحالي بالمرج (منزل المرحومة السيدة زينب الوكيل سابقاً)، تسلمته وزارة الحربية من الإصلاح الزراعي، كما أن وزارة الحربية كُلفت بواسطتكم بإجراء جميع الإصلاحات بهذا المنزل من مرافق المياه والنور وخلافه، إلى حد أنها أحضرت ذات مرة ماكينة للمياه والنور كانت احتياطية وتعمل في حال حدوث أي عطل جسيم بالمنزل، ثم نقلت تلك الماكينة إلى السلوم".
واستكمل: "بدلاً من الماكينة التي نُقلت من المنزل الذي أمكث فيه، كانت هُناك ماكينة أخرى، في حال تعطل التيار العمومي، وهو الأمر الذي كثيراً ما يحدث، بل ويتكرر بمعدل مرتين أو أكثر أسبوعياً، وقد يستمر العطل لعدة أيام، لكن الماكينة الموجودة في المنزل لم تكُن حديثة لتحلّ محل التي نُقلت، حيث إنها موجودة منذ كانت السيدة، زينب الوكيل، تقيم سنة 1940".
ويشرح نجيب في الرسالة الجهود التي يقوم به للتعايش مع الماكينة القديمة، قائلاً: "اضطررنا إلى استبدال نظامها الداخلي مؤقتاً بأسلاك كهرباء عادية، تم تركيبها خارج حوائط المباني بالمنزل، ولكن هذه الأسلاك مُعرضة للتلف".
وأضاف: "أنا أقيم في هذا المنزل منذ أكثر من 22 عاماً، ولم أطالب بإعادة الصيانة، رغم أنه منزل أشبه بالخرائب، بعد أن تحولت الحديقة التي كانت به إلى أرض بور تكسوها الأشواك والأعشاب الوحشية اليابسة، وتتجمع فيها الثعابين والضفادع والسحالي والحشرات من الناموس وغيره".
ورغم كل ما ذُكر سابقاً، لم يطالب نجيب بأي تقدير له سوى في آخر الرسالة، حيث قال: "لقد صبرت على كل ذلك مقدراً أن بلادنا في حالة حرب مستمرة تقريباً منذ سنة 1956، إلى الآن فلم أطلب أي شيء، ورغم أن السيد الرئيس السادات أرسل إليّ في بدء رئاسته السيد حسين الشافعي، ليسألني إذا كنت بحاجة لأي شيء".
وأضاف الرئيس الأسبق بلهجة لم تخلُ من اليأس: "عندما جاء نائب الرئيس سألني متعجباً (كيف تستطيع العيش في هذا المنزل الخرب؟)، فقلت له جنودنا في الجبهة يقيمون في الحُفر والخنادق، وأنا جندي مثلهم ورجوته ألا يفعل شيئاً في المنزل إلى أن تنتهي الحرب؛ لأن كل مليم يجب أن يوجّه لخدمة الحرب حتى الانتصار".
وبعد انتهاء الحرب، أرسل نجيب رسالته، قائلاً: "قد انتهى الشتاء، أرجو صدور الأمر إلى ورش الأشغال العسكرية والمهندسين بالجبل الأصفر، بقبول الماكينة التي تعدنا بالتيار الكهربي في حال انقطاعه؛ لأن تعطّل الثلاجة أو الإضاءة في الصيف أمر لا يُطاق، ويترتب عليه خسائر مادية كثيرة من فساد الطعام والحرمان بعد النور من أقسى الأمور.. لذا أرجو من سيادتكم قبول الماكينة بالورش وإصلاحها".