يبدو أن خطة الأمم المتحدة من أجل تحقيق السلام بليبيا في مهب الريح، والسبب يبدو غريباً، وهو أن العسكري القوي خليفة حفتر، الذي يوصف بقائد الجيش الوطني الليبي والذي قدّم نفسه كمحارب صلب للإرهاب، يحيك خطة سرية تتناقض مع كل شعاراته.
في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2017 وبعد 6 سنوات من مصرع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي وقيام ليبيا "الجديدة"، اختتمت لجنة الصياغة المشتركة الجديدة من أجل ليبيا جولة اجتماعاتها الثانية في تونس دون الاتفاق على أي تعديلات على الاتفاق السياسي الليبي أو تحديد موعد جديد لانعقاد اللجنة، حسب تقرير لموقع ميدل إيست إي البريطاني.
وتأسست هذه اللجنة، التي تتألف من وفود من مجلس النواب الموجود شرق ليبيا والمجلس الأعلى للدولة بالعاصمة طرابلس، في سبتمبر/أيلول 2017، من قِبل مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة، كجزء من خارطة الطريق الثلاثية التي طرحها من أجل ليبيا.
حفتر يحارب خارطة طريق سلامة
انسحب وفد مجلس النواب في الأسبوع الماضي من المفاوضات بعد خلاف مع وفد المجلس الأعلى للدولة حول الجهة المنوط بها تعيين القائد الأعلى للجيش الليبي، ويبدو من غير المحتمل أن يشارك كلا الائتلافين في مناقشة القضايا المثيرة للنزاع في الوقت الحالي، وستصبح خارطة الطريق عرضة لمخاطر الانزلاق في طي النسيان على غرار محادثات الأمم المتحدة كافة التي سبقتها.
وتتمثل المرحلة الأولى لخارطة الطريق التي طرحها سلامة، في تعديل الاتفاق السياسي الليبي، بينما تتناول المرحلة الثانية انعقاد مؤتمر وطني يضم الأطراف السياسية كافة، وتتمثل الثالثة في إجراء استفتاء على الدستور يليه انتخابات برلمانية ورئاسية من أجل إنهاء المرحلة الانتقالية في ليبيا.
الحل العسكري
وفي حالة عدم الاتفاق على صيغ التعديلات التي يتم إدخالها على الاتفاق السياسي الليبي، ستتوقف العملية بالكامل. وقد يمنح هذا الوضع خليفة حفتر فرصةً لتبني الحل العسكري الذي يفضله للأزمة وأن يضع نصب عينيه السيطرة على زمام الأمور بالعاصمة طرابلس.
وذكر حفتر من قبلُ أن العملية السياسية القائمة التي تتبناها الأمم المتحدة، لا تمثل الحل الوحيد للأزمة الليبية؛ وصرح قائلاً إن الحل العسكري الذي "يقبله الشعب" لا يزال محتملاً.
وخلال كلمته الأخيرة التي ألقاها ببنغازي في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2017، زعم حفتر أن قوات الجيش الوطني الليبي التابعة له تسيطر حالياً على الإقليم الغربي، الممتد من رأس جدير على الحدود التونسية إلى غرب الزاوية.
وبينما تظل طرابلس خارج نطاق سيطرته، إلا أنه قد أعرب في العديد من المناسبات عن رغبته في الاستيلاء على المدينة، إذا لزم الأمر.
مصير طرابلس
لا يحظى حفتر بالقدرة في الوقت الحالي على السيطرة على زمام الأمور بالعاصمة عن طريق القوة، حيث تخضع طرابلس لسيطرة مجموعة من الميليشيات القوية التي تتولى دعم وحماية حكومة الوفاق الوطني. ويعد هيثم التاجوري، قائد ميليشيا كتيبة ثوار طرابلس، الأكثر قوة بالمدينة.
وهناك عبد الغني الككلي، المعروف باسم "غنيوة"، والذي يتولى قيادة قوات أمن أبو سالم المركزية، وهي إحدى القوات الرئيسية المسلحة في طرابلس، بالإضافة إلى قوات الردع الخاصة بقيادة السلفي عبد الرؤوف كارا المناهض لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والموالي للجيش الوطني الليبي.
وتشكل هذه المجموعات المسلحة الثلاث أساس قوات الأمن الموجودة بالعاصمة طرابلس.
وقد شاركت تلك الميليشيات في القتال بصفوف "فجر ليبيا" ضد "عملية الكرامة" التابعة لحفتر عام 2014.
ومع ذلك، فقد تم طرد الجماعات الإسلامية المتشددة داخل ائتلاف فجر، والتي ترتبط أو تتعاطف مع جماعات السلفية الجهادية في مصراتة وشرق ليبيا، من العاصمة على يد القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني خلال مايو/أيار 2017.
ويسعى حفتر وحلفاؤه، منذ ذلك الحين، وراء التقارب مع بعض تلك الميليشيات وإقامة التحالفات معها، وفقاً لما ورد في تقرير "ميدل إيست إي".
وتشير مصادر محلية إلى أن كلاً من التاجوري والككلي قد عقدا اجتماعات سرية مع حفتر وغيره من الشخصيات التابعة للجيش الوطني الليبي خلال الأسابيع الأخيرة.
وهناك أيضاً مؤشرات حول جهود التقارب التي يبذلها الجيش الوطني الليبي مع القادة العسكريين الرئيسيين من مصراتة والزنتان. وتثير إمكانية إقامة علاقات وثيقة بين قادة الجماعات الرئيسية المسلحة في ليبيا وحفتر على حساب استبعاد الجماعات الأخرى، تخوفاً من الانقسام ونشوب مواجهات عنيفة في طرابلس.
وحتى لو تمكن حفتر من الحصول على دعم الميليشيات الرئيسية الموالية لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، فإن مثل هذا التحالف يعتمد على تلك الميليشيات وأنصارها السياسيين لضمان الحصول على نصيبها من السلطة بمجرد انتهاء الفترة الانتقالية.
ماذا سيحدث إذا أخفقت الأمم المتحدة؟
إذا ما تم التوصل إلى مرحلة الانتخابات بعد التخلي عن الحوار، فقد يؤدي ذلك إلى المزيد من النزاع والصراع الاجتماعي، حيث ستسعى كل فصيلة إلى تأمين السلطة السياسية التي تصبو إليها.
وعلى النقيض من ذلك، إذا ما أخفقت عملية الأمم المتحدة في تحقيق أهدافها خلال الشهور القادمة، فقد يسهل على حفتر السيطرة على طرابلس بالقوة. وتشير سيطرة الجيش الوطني الليبي مؤخراً على صبراتة إلى تزايد الدعم الاجتماعي للجيش الوطني الليبي بالمنطقة.
وإذا ما نجحت القوات الموالية للجيش الوطني الليبي في جلب الاستقرار والأمن، فقد يرحب بعض أهالي طرابلس بوجودهم في المدينة من أجل إنهاء العنف والجرائم والنزاعات التي تؤججها الجماعات المسلحة.
ويبدو في الواقع أن هناك بعض الدعم لصالح تفويض الجيش الوطني الليبي للسيطرة على طرابلس في حالة عدم تعديل الاتفاق السياسي الليبي بحلول تاريخ انقضاء العمل به في 17 ديسمبر/كانون الأول 2017.
السياسة البدائية
لا تستطيع أي جماعة عسكرية في ليبيا تمديد أو بسط سيطرتها على أنحاء البلاد كافة بمفردها، ما يجعل السلطة مفتّتة بين الجماعات المسلحة المختلفة ذات المصالح العقائدية والسياسية والإقليمية المتنافسة.
ولا تكاد تسيطر الائتلافات السياسية الكبرى على الجماعات المسلحة المتحالفة معها، ما يسمح بظهور مخاوف سياسية بدائية وقبلية والسعي وراء المصالح الشخصية من أجل التعتيم على أهداف الائتلاف.
ففي ليبيا، تعد السياسة بدائية وتعتمد على الانحيازات العرقية والمظالم القبلية. وتتشكل التحالفات الحقيقية على الأرض بين الجماعات المسلحة، بدلاً من الحكومات المتنافسة.
ويتألف الجيش الوطني الليبي، بزعامة حفتر، من جماعات وميليشيات مسلحة ذات أولويات متنافسة؛ ومدى سيطرته على تصرفات تلك الجماعات ليس واضحاً، رغم محاولته إظهار تماسك كيان الجيش الوطني الليبي وقيادته الموحدة.
حكم الميليشيات
تعتبر جرائم الحرب التي زعمت المحكمة الجنائية الدولية اقترافها على يد قائد الجيش الوطني الليبي محمود الورفالي، بمثابة مثالٍ صارخٍ على ذلك.
فإما أن حفتر قد أصدر تعليماته باقتراف مثل تلك الجرائم وإما أنه لم يكن يسيطر على هؤلاء الخاضعين اسمياً لسيطرته.
ومن ثم، فمن غير المحتمل أن يحظى حفتر بالقدرة على السيطرة على طرابلس بالقوة دون وجود تحالف قوي مع الجماعات المسلحة المحلية أو الحصول على دعم شعبي كبير. وعلاوة على ذلك، فمن الأرجح أن يؤدي الاعتداء المباشر على حكومة الوفاق الوطني أو على المدنيين إلى إدانة دولية واسعة النطاق أو أن يضر بعلاقات حفتر بالغرب، وخاصة إيطاليا وفرنسا.
ومع ذلك، فإن الترحيب بقوات التحرير الشرعية في طرابلس قد يراه حفتر بمثابة حلم قد تحقق. وفي ظل هذا السيناريو، من الصعب فهم سبب تخليه عن زمام السلطة لشخص آخر في المستقبل.
وإذا ما تجاوزت خطة سلامة العقبة الأولى، المتمثلة في تعديل الاتفاق السياسي الليبي، فلن يكون من السهل بالنسبة لحفتر أن يتم التحالف مع مجموعة الميليشيات الليبية ذات النفوذ.
ومن غير المرجح أن تتخلى الميليشيات بطرابلس وفي كل أنحاء ليبيا، التي رسخت قواعدها داخل مجتمعاتها، عن استقلالها لآخرين، سواء كان حفتر أو أي حكومة أخرى جديدة تدعمها الأمم المتحدة.
تكمن القوة الحقيقية لليبيا في الجماعات المسلحة والميليشيات، التي لن يكون ترويضها بالأمر اليسير.