كوني معهم ولا تكوني منهم

فوجدتني في حرج من أمري، كيف أجالس هؤلاء، وأناقشهم؟ وهل هذا صواب أم خطأ؟ وما جدوى الجلوس ومناقشة هؤلاء؟ وبم سأنفع بلدي عندما أنفتح على هذه التيارات؟ وماذا عن الشبهات التي قد تترصدني وأنا في جلسة كهذه؟... أسئلة حاصرتني، وإحساس بالذنب تجاه مبادئي وإيماني، من مجرد جلسة.. رافقني لليل بكامله.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/26 الساعة 03:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/26 الساعة 03:26 بتوقيت غرينتش

نحتاج أحياناً كثيرة إلى أن نقف مع ذواتنا، نسألها، نفهمها، نحدّ من اندفاعها ونستوعبها، وقد نضطر إلى مواجهتها أحياناً كثيرة، ومن الممكن جداً أن نتراجع عن بعض مواقفنا، ففي الحياة لا شيء ثابت، والأغبياء فقط هم من يرفضون التغيير.

قبل ثلاثة أيام، وجدتني على طاولة مقهى، أناقش أشخاصاً كانوا في وقت ما خصوماً أو أعداء "آيديولوجيين"بالنسبة لي، صحيح أني بعد مرور الزمن استوعبت أن مشكلتنا نحن الدول العربية هي التركيز على الاختلاف، بدل الأشياء المشتركة، نهدم علاقاتنا استناداً إلى هذا الاختلاف، بدل البناء الذي نحن بأمسّ الحاجة إليه؛ بل إن مشكلتنا الرئيسية اليوم هي هذا الهدم الذي نشارك فيه بسبب سذاجتنا، وانعدام بعض الرؤى، وأحياناً.. وهذا هو الخطير، يكون الهدم عن حسن نية.

سأعود لأتحدث عن طاولة اللقاء، وأطرافه، فلقد احتسيت الشاي مع بعض الشيعة، وآخرين دعاة للحرية العقائدية وآخرين ممثلين لزاوية من الزوايا التي أعتبرها حديثة في المغرب، والتي أشكُّ في حسن نواياها..

ورغم أني أؤمن بحقّ حرية الاعتقاد "فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر"، فإني أعتبر أن بعض التيارات تخدم أجندات أميركية-صهيونية، مشروعها بدأته قبل سنوات طويلة، وشرعت في تطبيقه ووصلت إلى ما كانت تصبو إليه بسبب سذاجتنا وفُرقتنا، وكنا لها أرضاً خصبة لنفث سمومها كما يحلو لها.

فوجدتني في حرج من أمري، كيف أجالس هؤلاء، وأناقشهم؟ وهل هذا صواب أم خطأ؟ وما جدوى الجلوس ومناقشة هؤلاء؟ وبم سأنفع بلدي عندما أنفتح على هذه التيارات؟ وماذا عن الشبهات التي قد تترصدني وأنا في جلسة كهذه؟… أسئلة حاصرتني، وإحساس بالذنب تجاه مبادئي وإيماني، من مجرد جلسة.. رافقني لليل بكامله.

هذا الانفتاح الذي لطالما طالب به بعض المفكرين، وكان ما أعيب على بعض التيارات الملتزمة هو انغلاقها على نفسها وسدّ الأفق وتخيلتْ أن الحقيقة والصواب معها وحدها، وقامت بشيطنة الآخر؛ بل وحتى من يتعامل مع ذلك الآخر، فسألت نفسي: سأنفتح، ولكن إلى أي درجة؛ أن أتقبلهم وأجالسهم ولا أشيطنهم ولا أتهمهم؟ هل أعبّر عن رأيي الحقيقي عنهم، عن الأجندات التخريبيبة التي يخدمونها؟ أم أقاطعهم وأقاطع اجتماعاتهم ونقاشهم؟

دخلت للبيت منهكةً من تعب العمل وتعب التفكير في الآمر، وأنا التي ما زلت أؤمن بضرورة تكوين جبهة ديمقراطية، تضم جميع التيارات، همها الدفاع عن المسار الديمقراطي، بغض النظر عن الاختلاف المرجعي والآيديوليجي وحتى العقائدي، تتسم بالعلمانية لحد ما؛ لأن المشكل الأول الآن هو الجمع ولملمة الاختلاف والاتحاد ضد عدو واحد هو التفرقة، والشتات الذي أدى إلى تخلف وهوان ليس بعده هوان.

سؤال حيرني: اجتماعاتي، وتواصلي معهم، هل يعني هذا أني أؤيدهم؟ مرجعيتي، أفكاري، إيماني، هل أنا الآن بصدد خيانتهم؟

قبل أيام، تواصلت مع صديق لي من فلسطين، أعرض عليه حيرتي في أمري، فقال لي: "كوني معهم ولا تكوني منهم"، تعاملي معهم، تقبَّلي اختلافهم، تعاونوا، تناقشوا، اختلفوا ولا تكونوا أعداء، علينا أن نفكر بمنطق مختلف، أن نبدأ أولاً بالبحث عن أمور تجمعنا، دين واحد وإن اختلفت المذاهب، أو وطن واحد وإن تعددت الأعراق والأصول، أو قارة واحدة وإن اختلف الدين ولون البشرة… لِتجمعنا المُثل والمبادى الإنسانية، على أن تكون لك خطوط حمراء لا يمكن التهوان والتسامح معها.

كلام صديقي كان بمثابة مفتاح لباب كدت أغلقه، هو باب تقبُّل الآخر. ذلك الآخر غير المتطرف، سأتقبّله، ذلك الآخر الذي لا يتسبب في تفرقة أبناء بلدي، أو أبناء بلد آخر سأتقبّله وأنفتح عليه، ذلك الآخر الذي لا يخدم جهات تخريبية تقتل أبرياء.. سأتقبله، مسيحياً، سنّياً شيعياً.. شيوعياً.. رأسمالياً.. مخنثاً.. لا يجاهر بما يخرج عن الأعراف.. فلن أُنصبّ نفسي قاضياً، سأتعامل معه بما يُبديه، ولن أحاسبه لأن الحساب من صفات الله.. وحدها الصهيونية والجهات الإرهابية التي ستبقى خطاً أحمر لا يقبل النقاش، انتهى الكلام.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد