ماذا حدث عندما نمتُ ساعة واحدة؟

ظن الجيران أنهم رسامون، قصة قاموا بتلفيقها من أجل توضيح رائحة المواد الكيماوية، في حقيقة الأمر كان هؤلاء الأصدقاء في منظمة يهودية، كانوا يقومون بمهمات سرية غير قانونية من أجل تزوير جوازات للأطفال وعوائلهم لتجنيبهم معسكرات الاعتقال.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/24 الساعة 05:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/24 الساعة 05:17 بتوقيت غرينتش

في احتلال باريس عام 1944، أربعة من الأصدقاء كانوا يقضون أيامهم في غرفة ضيقة على يسار عمارة البنك.

ظن الجيران أنهم رسامون، قصة قاموا بتلفيقها من أجل توضيح رائحة المواد الكيماوية، في حقيقة الأمر كان هؤلاء الأصدقاء في منظمة يهودية، كانوا يقومون بمهمات سرية غير قانونية من أجل تزوير جوازات للأطفال وعوائلهم لتجنيبهم معسكرات الاعتقال.

أدولفو كامينسكي الذي يبلغ من العمر 18 عاماً كان المدير الفني للمختبر وأصغر واحد في مجموعة التزوير.

إذا ظننت يوماً أنك أنجزت الكثير في حياتك فلا تقارن نفسك مع السيد كامينسكي، في التاسع عشر من عمره حفظ حياة آلاف من الناس من خلال تقديم وثائق مزورة لمساعدتهم على الاختباء أو الخروج خارج البلاد.

وفي منتصف القرن العشرين ساهم عملياً في تزوير جميع الأوراق خلال فترة الصراعات الكبيرة.

سيد كامينكسي الذي يبلغ من العمر 90 سنة صاحب الجسد الصغير مع اللحية البيضاء الطويلة كان يرتدي جاكيت صوفياً خشن الملمس.

يمشي في حيه ويتكئ على عكازته ويعيش في شقة متواضعة ليست ببعيدة عن مختبره السابق.

عندما قمتُ بتتبعه أنا وطاقم التصوير استمر الجيران بسؤالي مَن هذا الشخص؟ لقد قمتُ بإخبارهم بأنه كان بطلاً في الحرب العالمية الثانية على الرغم من أن قصتهُ استمرت أكثر من ذلك.

هذه الأحداث مشابهة لما يحدث في هذه الأيام عندما يقومون بقصف الأطفال في سوريا أو عندما يقومون بالفرار على متن قوارب مهترئة.

وتصف الكاتبة شعورها تجاه هذه الأحداث بأنها مثل العديد من الغربين تتجاهل معاناتهم وتتصور أن هناك شخصاً آخر سوف يساعدهم، لكن سيد كامينكسي المراهق الفقير والمطارد قام بهذه الخطوة، خلال الحرب وكذلك بعد كل الأحداث التي حدثت بعدها، يا ترى لماذا قام بهذا؟
لم يقم بهذا من أجل المجد، لقد قام بكل هذا في سرية تامة، ولم يتحدث عن هذا إلا مؤخراً، حتى ابنته سارة لم تعرف قصة والدها إلا عن طريق الكتاب الذي ألفه عن حياته "Adolfo Kaminsky: A Forger's Life".

لم يقبل المال من أجل عملية التزوير؛ لكي يحافظ على وضوح دوافعه، والعمل على القضايا التي يعتقد بها، فقد وجد صعوبة في العثور على العمل لاستمراره بخرق القانون وحدث ضغط شديد على عينيه نتيجة الحرب وفقد الرؤية في إحدى عينيه.

وبالتفكير في مهاراته في التزوير- يقوم بإصدار جوازات سفر وإيجاد الكثير من الحيل الجديدة لجعل جوازات السفر تبدو كأنها قديمة- كان يجد متعة في ذلك.

فالخطأ الصغير يرسل الشخص إلى الموت أو السجن أنها مسؤولية عظيمة وخطيرة وغير سارة في نفس الوقت.

وقام السيد كامينكسي بتوضيح قلقة تجاه عمله فقد كان يفكر غالباً في الناس الذين لم يستطِع مساعدتهم.

ولأن السيد كامينكسي لاجئ فقد كان يتفاعل بشكل كبير معهم، لقد وُلد في الأرجنتين من اليهود الأستراليين الذين هربوا من روسيا إلى باريس ثم بعد ذلك تم تهجيرهم إلى فرنسا.

عندما كان أدولفو في سن السابعة حصلوا على جواز السفر الأرجنتيني سمح لهم بالانضمام إلى أقاربهم في فرنسا بعد هذه الحادثة تبين له مدى أهمية الكلمات في هذه الأوراق.

بعد أن ترك المدرسة في سن الثالثة عشرة من أجل مساندة عائلته، لقد عمل كمتدرب في صباغة الملابس، وأيضاً في تجفيف الملابس وأمضى العديد من الساعات ليتعلم كيفية هذه المهنة، وقرأ كتباً عن المواد الكيماوية وأجرى العديد من التجارب. "رئيسي كان مهندساً كيميائياً وكان يجيبني على جميع أسئلتي" هذا ما قاله، وفي نهاية الأسبوع كان يعمل في صيدلية.

ألقي القبض على السيد كامينكسي وعائلته في 1943 وتم إرسالهم إلى معسكر اللاجئين بالقرب من باريس، كانت هذه آخر مرة لهم قبل انتهاء المعسكر، إلا أن جواز السفر قام بحفظ حياتهم، حيث قامت الحكومة الأرجنتينية بإنقاذهم من الحبس بينما الآلاف منهم قتلوا.

ويذكر السيد كامينكسي أن بروفيسور الرياضيات الذي وافق على تدريسه في المخيم تم قتله هناك أيضاً.

أخيراً تمكنوا من الفرار إلى باريس، لكن لم يكونوا آمنين هناك؛ لأنهم كانوا تحت تهديد مستمر بإلقاء القبض عليهم، وبعد فترة قامت الأرجنتين أيضاً بترحيلهم.

من أجل نجاتهم كان لا بد لهم من البقاء في المخابئ تحت الأرض، والد أدولفو كان قد حصل على أوراق مزورة عن طريق المنظمة اليهودية وقام بإرسال ابنه من أجل إحضار الأوراق.

عندما قاموا بإخباره بأنهم كافحوا من أجل محو الحبر الأزرق من الوثائق، قام بنُصحهم باستعمال حمض اللاكتيك، خدعة سابقة تعلمها من عمله السابق في الألبان.

عندما نجحت الخدعة قاموا بدعوته لحضور المنظمة.

منظمة السيد كامينكسي كانت واحدة من بين العديد من المنظمات، كان يتلقى المعلومات عن العوائل التي سيلقى القبض عليهم، وبعد ذلك يقوم بتحذيرهم وتجميع أوراق جديدة لهم.

لقد قامت المنظمة بالتركيز على الحالات المستعجلة كالأطفال الذين على وشك أن يرحلوا حيث قاموا بإرسال الأطفال إلى بيوت في الأرياف أو الأديرة أو تهريبهم إلى أورلاندو أو إسبانيا.

في إحدى المرات بقي مستيقظاً ليومين لملء العديد من الأوراق المستعجلة.

إنها معادلة بسيطة: خلال ساعة واحدة يستطيع عمل 30 من المستندات الفارغة، إذا نام لساعة واحدة، فحياة 30 شخصاً سوف تذهب.

وقدّر المؤرخون أن المنظمات اليهودية في فرنسا حفظت 7000 إلى 10000 طفل أما البقية تم قتلهم أو نفيهم.

بعد الحرب كامينكسي لم يرِد أن يستمر في تزوير الوثائق، لكن خلال الحرب تم الاتصال بين المنظمات فيما بينها.

لقد استمر في تزوير الأوراق لمدة 30 سنة، يلعب أدواراً صغيرة في الصراعات التي حدثت في الجزائر من أجل الاستقرار وكذلك المناهضة لمكافحة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وكذلك في فيتنام، وكذلك عمل جوازات مزورة للأميركان.

وحسب تقديراته في عام 1967 لقد قام بتزوير العديد من الوثائق من مختلف البلدان لوحده.

لا أستطيع تكفل جميع الوثائق، وقد قام بدعم بعض الجماعات المتمردة التي تستخدم العنف، وفي المدى القريب يبدو تمسكه بمادئه بشكل يثير العصبية.

وبعد الحرب العالمية الثانية رزق بطفلين، لكن لم يتمكن من إخبار أطفاله أو زوجته السابقة عن عمله السري، لكنهم لم يكونوا يعرفون لماذا كان قلّما يزورهم. كانت حبيبته قد خمنت غيابه الطويل بسبب تعرضه للخيانة سابقاً.

كان من المفترض أن يتبع امرأته إلى أميركا، لكنه لم يتبعها بسبب عمله.

لقد قام بإنقاذ الأرواح، لكنه لا يستطيع التعامل مع الناس المحيطين به، وكان يقول: الناس متساوون جميعاً بغض النظر عن أصولهم أو اعتقاداتهم أو ألوانهم، لا يوجد شخص رفيع المستوى أو متدني المستوى هذا كله غير مقبول في اعتقاداته.

وفي عام 1971، لقد كان واثقاً بأن العديد من المجموعات تعرف هويته، وبعد فترة ألقوا القبض عليه.

توقف السيد كامنيسكي عن التزوير وأكمل حياته في تدريس التصوير، وفي زيارته إلى الجزائر التقى بمحامية شابة أمازيغية ابنة الإمام الجزائري الليبرالي.

آخر مرة قام الكاتب بزيارة السيد كامنيسكي، شاهدت معه صورة التقطت مباشرة بعد تحرير باريس، كانت الصورة تظهر 30 طفلاً من الذين كانوا قد خرجوا من مخبئهم، وكانوا يتمنون لو يعودون إلى ذويهم.

إنه يعلم أن هذه الأيام الأطفال في خطر مماثل وامتلاك الجواز الخطأ قد يكلف الشخص حياته "لقد قمتُ سابقاً بكل ما أستطيع فعله، لكن الآن أنا لا أستطيع فعل أي شيء" هذا ما قاله، كان متأكداً أن البقية يستطيعون فعل هذا.

هذا الموضوع مترجم . للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد