وما زال الأخدود مشتعلاً

هذا العالم لا يلتفت إلا إلى الأقوياء، ولا يقدر إلا على الضعيف، وخاصة إن كان هذا الضعيف مسلماً، وطالما سيظل المسلم بهذا الضعف والهوان، فلا تنتظر إلا المزيد من مشاهد القتل والتذبيح في المسلمين، وأول الطريق إلى نصرة ضعفاء الأمة، هو تحرير هذه الأمة من طغاتها، وأي طريق لا يؤدي بنا إلى هذه الحرية هو طريق يؤدي بك لأن تصبح وقوداً لنار الأخدود التي لا تزال مشتعلة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/23 الساعة 04:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/23 الساعة 04:03 بتوقيت غرينتش

وأنا صغير عندما كنت أسمع سورة البروج، ذات الجرس المهيب، والنبرة المتوعدة، كنت أسأل عن قصة أصحاب الأخدود، وأحاول تصور حجم المعاناة والألم الذي تعرض له المؤمنون على يد أشباه البشر الذين قاموا بهذه الجريمة البشعة، فقط لمجرد أنهم آمنوا بالله، وخالفوهم في المعتقد، كما قال عنهم الله عز وجل في السورة "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد"، فالإيمان بالله هو جريرتهم، والثبات عليه هو ذنبهم، كنت أتألم للتعذيب الذي تعرض له المؤمنون، ولكن عزائي كان أن هذا الأمر قد حدث في الماضي، وكنت أتصور أنه لن يتكرر في المستقبل، وأن تلك المأساة لن تتكرر مرة أخرى، فالإسلام انتشر، والأخدود أهيل عليه التراب، وصبت اللعنات على حفاريه.

لكن كل هذا كان خيال طفل صغير، لا يعرف حقيقة العالم، ولم يدرك الاغتراب الذي يعيشه المسلم حتى على الأرض التي ولد عليها جد جده، فالأخدود ما زال مفتوحاً في الأرض كجرح أحدثه ابن عاق في جبين أمه، ونيرانه ما زالت تنزف متأججة حتى شكا منها طير السماء، يغذيها طغيان حكام المسلمين، وتعاميهم عما يحدث في بني دينهم، مقابل أن يتعامى الآخرون عما يفعلونه هم في بني أوطانهم الذين قدر عليهم أن يقعوا تحت نير حكمهم.

وتمر الأيام وأعرف وأفهم، ولكن هذا الفهم كان لا يزال غير شامل أو كامل لما يتعرض له المسلمون، فكنت أظن أن الأخدود تحول من شق في الأرض يسعر بالنار، إلى فكرة أو رمز من رموز التعذيب والقهر، لكنني كنت مخطئاً مرة أخرى، فعندما رأيت ما يحدث في الروهينغا، وجدت صوراً للأخاديد التي شقت في بطن الأرض تستعر فيها نار وقودها رجال ونساء وأطفال، لم يقترفوا أي ذنب في دنياهم إلا أن قالوا إن ربهم هو الله.

مسلمو الروهينغا يحرقون على الهواء، أمام أنظار الجميع، والمجتمع الدولي يتفرج، والسبب الوحيد لهذا الحرق والاغتصاب والتهجير، وفرجة المجتمع الدولي أيضاً، هو أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، في الوقت الذي ينقلب الغرب فيه رأساً على عقب إذا هاجم أحدهم الشواذ، وقال – مجرد قال- إن ما يفعلونه جريمة بشعة ضد الفطرة التي فطر الله خلقه عليها، فهل لعاقل أن يعتمد على رد فعل مجتمع دولي هذا ميزانه وهذا عدله.

وكارثة هذه الصور والفيديوهات التي تردنا عن المحارق التي يتعرض لها أهلنا في بورما، أنها تجعلنا ننظر مع الوقت لكارثتهم بصورة إجمالية، بعيداً عن التفصيلات التي تتمثل في أن كل شخص موجود في أي صورة له حياة كاملة مثلك تماماً، وله أم وأب وأبناء وأحلام ومشاريع كان يخطط لها في حياته، وليس مجرد رقم من أرقام ضحايا الحرق والتهجير، فالتعامل مع الكوارث التي أصبحت تحيق بأمتنا بصورة مستمرة بهذه الطريقة يجعلنا نعتاد الهوان بالتدريج، وأنا هنا لا أهون من أهمية هذه الصور بل بالعكس هي سلاح غاية في الأهمية، ولكن أهمية السلاح وخطورته تكمن في طريقة استخدامك له وتعاملك به ومعه حتى لا تضر نفسك به.

اللافت للنظر في مأساة الروهينغا أن المجازر التي تحدث هناك يقوم بها ويشرف عليها كهنة الديانة البوذية، التي تفننت السينما الأميركية والأوروبية في إظهار مدى تسامحها، وأنها ديانة تؤدي للصفاء الروحي، ورحمة الحيوان، وسلوك كهنتها المثالي، مع أن المتصفح للصور والفيديوهات لن يجد واحدة تخلو من كاهن يقف بزيه الأحمر الشهير، نحن هنا إذن أمام تصفية صريحة على أساس ديني، هل سكوت العالم يعني أنه مع أي كيان طالما أن هذا الكيان ضد الإسلام؟

هذا العالم لا يلتفت إلا إلى الأقوياء، ولا يقدر إلا على الضعيف، وخاصة إن كان هذا الضعيف مسلماً، وطالما سيظل المسلم بهذا الضعف والهوان، فلا تنتظر إلا المزيد من مشاهد القتل والتذبيح في المسلمين، وأول الطريق إلى نصرة ضعفاء الأمة، هو تحرير هذه الأمة من طغاتها، وأي طريق لا يؤدي بنا إلى هذه الحرية هو طريق يؤدي بك لأن تصبح وقوداً لنار الأخدود التي لا تزال مشتعلة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد