بدا القادة الاستقلاليون في كاتالونيا متحفظين في كشف نواياهم في بداية أسبوع حاسم بعد الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة الإسبانية لاستعادة السيطرة على منطقة تهدد بالانفصال.
ويعقد قادة الكتل البرلمانية في كاتالونيا اجتماعاً الإثنين 23 أكتوبر/تشرين الأول 2017 لدعوة النواب إلى دورة جديدة بكامل الأعضاء، في جلسة يمكن أن تشكل فرصة لإعلان الاستقلال من جانب واحد.
وقال جوردي تورول الناطق باسم الحكومة الانفصالية الكاتالونية "يجب أن نتخذ القرارات بأكبر قدر من الوحدة"، مديناً تدابير مدريد التي اعتبرها "انقلاباً على المؤسسات في كاتالونيا". وأكد أن "كل السيناريوهات" مطروحة للتصدي لذلك.
وأعلن رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي السبت إجراءات تتضمن إقالة رئيس كاتالونيا كارليس بوتشيمون وجميع أعضاء حكومته، الذين أثاروا أسوأ أزمة سياسية تشهدها إسبانيا منذ عودة الديمقراطية في 1977.
ويتوقع أن يقر مجلس الشيوخ الإسباني الإجراءات بحلول نهاية الأسبوع المقبل. ويمتلك حزب راخوي المحافظ (الجزب الشعبي) الأغلبية في المجلس فيما تدعم أحزاب كبرى أخرى جهوده في منع انفصال جزء من البلاد.
وستسيطر مدريد بموجب الإجراءات المقترحة على وزارات المنطقة.
نصف مليون متظاهر
وأثار التحرك غضب الانفصاليين ونزل نحو نصف مليون متظاهر السبت إلى شوارع برشلونة فيما اتهم بوتشيمون رئيس الوزراء الإسباني بشن "أسوأ هجوم على مؤسسات وشعب كاتالونيا منذ مراسيم الديكتاتور العسكري فرانشيسكو فرانكو".
ورغم الانقسام العميق في أوساط الكاتالونيين بشأن الانفصال عن إسبانيا، تبقى مسألة الحكم الذاتي قضية حساسة في المنطقة التي تضم 7,5 ملايين نسمة وتدافع بشراسة عن لغتها وثقافتها وتتولى إدارة جهاز شرطتها وقطاعي التعليم والصحة.
وكان رئيس كاتالونيا كارليس بوتشيمون أعلن أن تسعين بالمئة من الذين شاركوا في الاستفتاء صوتوا لصالح الانفصال عن إسبانيا، مؤكداً أن نسبة المشاركة في التصويت بلغت 43%.
ويقول مؤيدو انفصال كاتالونيا إن الإقليم الغني يمكن أن يزدهر إذا ما مضى في خطته، لكن المعارضين يقولون إن كاتالونيا أقوى كجزء من إسبانيا وإن الانفصال يمكن أن يؤدي إلى كارثة اقتصادية وسياسية.
ويعتقد القادة الانفصاليون أنهم سيفوزون بالمواجهة، إذ إن أي صدام بين القوى الشعبية والدولة سينجح في خلق المزيد من الداعمين لقضيتهم، والذين بلغت نسبتهم 41% فقط قبل الاستفتاء الفوضوي وعنف الشرطة، الذي وقع في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.
بالرغم من ذلك، يشير استطلاع للرأي أجرته صحيفة El Periódico ببرشلونة، الأسبوع الماضي، إلى أنه بالرغم من الغضب والتعاطف الذي أثارته انتهاكات الشرطة، فإن الانفصاليين ما زال أمامهم طريقٌ طويل قبل أن يكون بوسعهم الزعم أنهم يمثلون إرادة الكتالونيين.
فبحسب ذلك الاستطلاع، يظن 55% من الكتالونيين أن الاستفتاء –الذي بلغت نسبة الأصوات القابلة للعدِّ فيه 43%- لا يمكن أن يمثل أساساً صالحاً لإعلان الاستقلال. إلا أن كارلس بوغديمونت، رئيس إقليم كتالونيا، هدَّد بطلب ذلك بالضبط من البرلمان الإقليمي رداً على فرض الحكم المباشر.
محاكمة النواب
وبامتلاك الانفصاليين الأغلبية البرلمانية –والتي استخدموها لتمرير قانون الاستفتاء الذي أسقطته المحكمة الدستورية لاحقاً- فإن أي تصويت سينجح. يمكن أن يجد جميع النواب الذين صوتوا إيجاباً لصالح القرار –حوالي 70 من النواب- أنفسهم أمام المحاكم الإسبانية.
فمن الواضح حالياً أن الحكومة المحافظة بقيادة ماريانو راخوي لن تتوانى عن فرض القانون والحكم مباشرة، خاصة بعد نيلها دعم قادة الاتحاد الأوروبي. من ناحية أخرى، من المستحيل تقدير شهية الانفصاليين للمزيد من المواجهة.
نتائج القتال
يمتلك راخوي القانون في صفِّه وقوة الدولة بين يديه. إن قرر الانفصاليون القتال، فمن المرجح أن يخسروا العديد من المعارك. يمكن أن يسهم ذلك في نيلهم التعاطف باعتبارهم أفراداً يتعرضون للقمع كما يدعون، إلا أنه خيار صعبٌ لمسانديهم، خيار يتطلب متطوعين للشهادة ومواجهة القضايا والغرامات وحظر تولي المناصب العامة، وربما السجن كذلك.
الإثنين الماضي، حين أثار أحد القضاة المزيد من التوترات باعتقاله جوردي سانشيز وجوردي كوشارت، زعيما جماعتي الضغط الانفصاليتين الرئيسيتين في البلاد، بتهمة التحريض، احتجَّ 200 ألف شخص في برشلونة على ذلك. إلا أن دعوة جماعتي الضغط الناس لسحب أموالهم من البنوك "غير الوطنية"، يوم الجمعة، لم تلق إلا إقبالاً متدنياً.
إلا أن المقاطعة من شأنها أن تُسفر عن ردود أفعال عكسية. كان أكبر بنكين في إسبانيا، لا كايكسا وساباديل، قد نقلا مكاتبهما الرئيسية إلى خارج الإقليم، إثر تهديدات بوغديمونت بإعلان الاستقلال من طرف واحد. ويمكن لمقاطعة السلع الكتالونية في بقية إسبانيا أن تدفع المزيد من الشركات للرحيل عن الإقليم.
لن يستمتع جوردي سانشيز، زعيم رابطة الجمعية الوطنية الكتالونية، بالسجن –حيث يصرخ به المسجونون الآخرون "تحيا إسبانيا"- إلا أنه يعلم أن اعتقاله قد أضاف المزيد من الداعمين للقضية.