التطرف لغة حسب ما جاء في المعاجم اللغوية؛ هو "حد الشيء وحرفه، وعلى عدم الثبات في الأمر، والابتعاد في الوسطية؛ والخروج عن المألوف ومجاوزة الحد، والبعد عما عليه الجماعة"، وأما التطرف اصطلاحاً، فقد بحث علماء اللغة في العديد من كتب القدماء لتحديد معنى لهذا المصطلح، إلا أنهم لم يستطيعوا تحديد المصطلح بعينه، أو بمعنى آخر لم يجدوا ذاك المعنى المقصود بـ"التطرف"، وإنما توصلوا إلى كلمة قريبة في معناها منه؛ ألا وهي "الغلو"، وهي كلمة وردت في القرآن الكريم على لسان نبينا المصطفى، وتعني بشكل عام تجاوز حد الاعتدال، سواء أكان ذلك في العقيدة أو الفكر أو حتى في سلوك الإنسان وتصرفاته.
بشكل عام نستطيع القول بأن التطرف مصطلح يستخدم في وصف بعض الأفكار والأعمال الصادرة عن بعض الأشخاص، والتي تكون غير مبررة، سواء كان ذلك في مجال الدين والعقيدة أو في الشأن العام، من حيث ممارسة الشؤون السياسية أو الاجتماعية، وحتى في أسلوب المعاملات التجارية.
واستخدام التطرف كنمط وأسلوب حياة يشكل بحد ذاته تهديداً لقيم ومبادئ المجتمع التي أرسى قواعدها ديننا الحنيف، فهو لم يترك مجالاً إلا وبين للناس فيه الحقوق والواجبات كقواعد عامة تحكم وتفصل بين الناس، الأمر الذي أدى في ذاك الوقت لانتشار الأمن والأمان، إلا أنه ومع الزمن بدأ يقل تمسك البعض بهذه القيم والمبادئ، الأمر الذي أدى أيضاً في نهاية المطاف إلى ظهور التطرف والمتطرفين في الكثير من المجالات، والتي بدأ معها معاناة الناس كنتيجة لسلوك وتصرفات المتطرفين، إلا أن الشيء الجدير ذكره هنا؛ هو أن التطرف في مجال التجارة على سبيل المثال لا يقل خطورةً عنها في مجال العقيدة، بمعنى آخر ظهور داعش وما قام ويقوم به من ترويع للناس وتهديدهم أرواحهم وأولادهم وممتلكاتهم على سبيل المثال، يشبه إلى حد كبير تطرف بعض التجار، خاصة في قيامهم بالعمليات الاحتكارية التي تؤدي في أحيان كثيرة إلى رفع الأسعار على الناس والشق عليهم في ظل ظروف اقتصادية صعبة.
وهنا.. نحن لسنا بصدد وضع حلول سحرية للتخلص من التطرف والمتطرفين، فلا شك أن كافة الحلول التي وضعت للحد من هذه الظاهرة باءت حتى الآن بالفشل؛ لأنه إذا أردت إصلاح الشيء فلا بد من معالجة الأسباب الحقيقية له، لا أن تتعامل مع تلك الظواهر الناتجة عن هذه الأسباب فقط، وهذا الأمر بحد ذاته بحاجة إلى تكاتف وتعاون وإخلاص بين كافة الأطراف المسؤولة كلٌ في مكانه، سواء كان ذلك على مستوى الوطن الواحد، أو على مستوى الأمة بأكملها، وعلى الرغم من كل هذا، إلا أن جُل ما نستطيع فعله من خلال هذه الكلمات البسيطة، هو "الدعوة"، بمعنى دعوة كل شخص لمراجعة نفسه وللتدقيق والتفحيص أكثر في حساباته، واضعاً نُصب عينيه النهاية التي كُلنا واردُها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.