إذا كانت الثقافة قديماً كثيراً ما ارتبطت بالتاريخ والفن والموسيقى والأدب، وفي اللغة توحي بسرعة الفطنة والفهم والذكاء والقدرة على مسايرة الأمور ونيل المبتغى.. فإن مجريات الحياة غيرت قليلاً من المعنى وسمحت بظهور ثقافات أخرى كنا لولاها أكثر صدقاً وإخلاصاً.
فأولاً ثقافة الوهم والخرافة: بعضكم سيخالفني الرأي ظناً منه أن زمن الخرافات قد ولّى وأننا نعيش في عصر التكنولوجيا والسرعة والبديهة.
هو كذلك، فالوهم والخرافة رغم هذا وجدا سبيلاً إلينا وتوغلا إلى الهواتف عبر رسائل الواتساب مثلاً التي تفيد بإرسال الرسالة إلى عدد محدد من الأصدقاء.
إن أنت فعلت أتتك أوهامك -عذراً أحلامك- على طبق من ذهب، وإن أنت أبيت أصابك ما لم يكن في الحسبان. والقصد من هكذا فعل ربطنا بالوهم والخداع، وإبطال عقولنا والتأكد من تخلّفنا وجهلنا.
وثانياً ثقافة التأخير والمماطلة: والغريب في الأمر أن أصحاب هذه النزعة لا يهتمون لقدومهم المتأخر ولا يكترثون لهذا الإهمال والاستخفاف، بل ويتفاخرون به كأن قدومهم في الوقت المحدد استهتار منهم وانتقاص لقيمتهم وهمتهم.. ناهيك عن المماطل الذي يعمد تأجيل عمل اليوم إلى الغد بدعوى انشغاله بأمور أخرى ولو سألته عن ماهية الأمر لوجدته يعدد لك أعذاراً فارغة كسوء المزاج أو برنامج ما دون فائدة، فالله من أناس اختلطت عليهم أولوياتهم فظنوا بأنفسهم محور الكون!
وثالثاً ثقافة المجتمع: الخط السوي الذي إذا ما زاغ عنه المرء يميناً أو يساراً، اتهم بالكفر والعصيان والفتنة، فالمألوف فيه مرغوب ولو كان باطلاً، والخروج عنه إثم ولو كان حقاً. السائر فيه مع الركب مطأطأ الرأس قناعة والمخالف لهذا تمرد وعصيان. صاغ لنا قوالب قد لا تتلاءم وأفكارنا لكن مناسبة جداً وأفكاره النمطية المبنية على التقليد والتبعية، فالله من مجتمع يحارب الفتن والخداع والمكر وهو الذي أبدع في صناعتها وزخرفتها.
ورابعاً ثقافة الفشل: الأمر الذي أضحى شائعاً بيننا، فعوض أن يعتز المرء بامتلاكه علماً ما، أو إتقانه للغة ما، أو حصوله على الامتياز في مادة ما، تباهى باللاشيء وبالصفر الذي اخترعه العرب فلازموه. فكل جهد مبذول مجلبة للسخرية والغباء في حين أن الفشل راحة بال ونعيم لا ينفد. فأين المفر بعد أن صار الفشل مدعاة للافتخار والنجاح مدعاة الاستهزاء؟ فماذا بعد هذا نحن فاعلون؟
إن الإمعان في هذه الظواهر يجعلنا في توقف مستمر للنظر إذا ما سادت أم أنها مجرد حالات خاصة ستمحى يوماً ما، وتساؤل دائم إذا ما توفرت سبل لطمسها وإزالتها لصيانة هذه البيئة من التفاهات والغباء. ولنكفّ قليلاً عن جعل أنفسنا أضحوكة أمام العاقلين الذين توقفوا لبرهة عند نقاط ضعفهم وبحثوا في إمكانيات تصحيحها وتقويتها واستمروا في طريقهم مثقلي الخُطى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.